د. فايز أبو شمالة*
اجماع حركة حماس على يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي كان مفاجئاً لكثير من المراقبين والمتابعين للشأن الفلسطيني، بما فيهم الإسرائيليون، الذين حسبوا أن حركة حماس قد مسها الوهن، وأمست أقرب إلى التنازل منها إلى التشدد، فكانت المفاجأة باختيار الحركة رجلاً عرف بتشدده في القضايا الوطنية، رجلاً يخوض المعارك المصيرية، وتطارده الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ولا يعرف أحد أين هو، وهل يقيم في نفقٍ تحت الأرض؟ ومن هناك يدير عمليات المقاومة، أم أنه يحمل الرشاش، وفي يده القذيفة، ويترصد دبابة إسرائيلية؟ وقد أدرك جيداً استحقاقات المواجهة، ولما يزل يتحدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وطائرات الاستطلاع البريطانية، وأجهزة التجسس الأمريكية، ولما يزل يقاوم، بل ويقود المعركة بكفاءة وجرأة واقتدار اعجز الجيش الإسرائيلي، وأرهق قادة إسرائيل العسكريين والسياسيين، وتركهم منقسمين بين واقعي يطالب بالتهدئة، ومتطرف يطالب بالانتقام من الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي أجمع قادة حركة حماس على مواصلة المقاومة، واختاروا يحيى السنوار قائداً للمسيرة النضالية.
جاء اختيار النسوار رئيساً لمكتب حركة حماس السياسي في ذروة التصعيد ضد العدو الإسرائيلي، وفي لحظة إصرار من محور المقاومة على مواصلة التصدي للعدوان، بل وتصعيد المواجهات، ضد عدو تمرس في الإرهاب، وانغمس في إبادة الشعب الفلسطيني، فكان اختيار السنوار منطقياً، ويتوافق مع روح النضال التي تسري في عروق الشعب الفلسطيني، وفي مفاصل الأمة، إضافة إلى عدة اعتبار سياسية وميدانية، منها:
أولاً: السنوار يقيم على أرض غزة، رجل ميدان، وهو محط أنظار رجال القسام ورجال التنظيمات الفلسطينية الأخرى، ومن وجوده الميداني يستمد المقاومون القوة، وهم يواجهون تحالف أقوى جيوش المنطقة، وأي تجاهل لشخصية السنوار الميدانية تعني تجاهل ساحة المعركة، والقفز عن ظهر المقاومين.
ثانياً: السنوار ورفاقه في الميدان هم الذين بادروا إلى معركة طوفان الأقصى، ولهم اليد الطويلة في التخطيط والتنفيذ، وهم العمود الفقري للقوة الفلسطينية التي استطاعت أن تفرض نفسها نداً في ميدان القتال في مواجهة أعتى الجيوش، من هنا جاء الاجماع على السنوار قائداً، للدلالة على التحام كل قادة حركة حماس مع معركة طوفان الأقصى، وتوافقهم على مجريات المعركة وتفاصيلها، وتحلقهم حول أهدافها.
ثالثاً: اختيار السنوار يعبر عن قوة المقاومة، وقدرة قيادة الداخل على إدارة المعركة بتعقيداتها، ودون أفق زمني لوقف إطلاق النار، وفي الوقت نفسه، قدرة قيادة الداخل على التواصل مع قيادة الخارج، وإدارة ملف المفاوضات بالكفاءة نفسها، التي تدير بها المعارك الميدانية، وهذه رسالة تحدٍ لعدو وضع السنوار على رأس قامة الاغتيالات.
رابعاً: السنوار يعني حرية القرار الفلسطيني، والتحرر من الضغوط الدولية والعربية، وقد سبق وأن هدد الرئيس الأمريكي بايدن دولة قطر، وطالبها بالضغط على قيادة حركة حماس، للموافقة على المقترحات الأمريكية لوقف إطلاق النار، وتنفيذ صفقة التبادل، وطالب قطر بتهديد قيادة حماس بالترحيل عن قطر، اليوم ترد حركة حماس على التهديد الأمريكي باختيار السنوار المقيم في غزة، وسط براكين النار، رئيساً للحركة.
خامساً: اختيار السنوار رسالة إلى الأمة العربية والإسلامية بأن خير قيادة للشعوب العربية هي القيادة التي تدرجت في الميدان، وكبرت من خلال المعارك، وتساوت لديها رغبة الحياة مع شهوة الشهادة، قيادة لا تفكر بمتاع الدنيا بمقدار ما تتمنى رفع شأن الأمة، وهزيمة عدو إسرائيلي يسعى إلى تدمير مقدرات الشعوب العربية والإسلامية، وإذلالها.
سادساً: في عملية الابتزاز السياسي، اعتمد العدو الإسرائيلي منطق التخويف، والتهديد بالاغتيال ضد القيادات الفلسطينية، ووصلت يد البطش الصهيوني حتى تونس والعراق وفرنسا وقبرص، فجاء اختيار السنوار كرسالة تحدٍ للصهاينة؛ بأن الموت الذي تفرون منه نلاقيه نحن الفلسطينيين ـ قيادة وشعباً ـ بفخرٍ وأمل، وأن الشعب الذي انصبت على رأسه جهنم الصهاينة على مدار عشرة أشهر مازال واقفاً.
سابعاً: جاء اختيار السنوا على رأس حركة المقاومة الإسلامية حماس معززاً لمحور المقاومة، ولدى السنوار ما يقوله عن عمق الترابط مع الجمهورية الإسلامية، وعن عمق الدعم المادي والعسكري الذي حصلت عليه المقاومة الفلسطينية من الجمهورية الإسلامية، فوجود السنوار على رأس حركة المقاومة الإسلامية مبعث ثقة وأمل للشعب الفلسطيني، وتأكيد على اختيار أقصر الطرق لتحرير فلسطين، وهو الطريق الذي حرص العدو على إبعاد الفلسطينيين عنه، وتخويف العرب منه.
ثامناً: اختيار السنوار رسالة إلى العدو الإسرائيلي بأن أوقفوا المناورات التفاوضية، فالصخرة التي حرصتم على تفتيتها ما زالت صلدة، عصية على الكسر رغم أطنان القنابل، ولا خيار لكم إلا الخضوع لشروط المقاومة، ولا مخرج لكم من أزماتكم الداخلية، ولا طريق لكم لتحرير أسراكم في سجون غزة، إلا بعد الانسحاب الكامل لجيوشكم عن أرض غزة، ووقف كامل لإطلاق النار، كشرط لتنفيذ صفقة تبادل أسرى، مع إعمار غزة بعد رفع الحصار، وفتح المعابر لكل أنواع المساعدات.
تاسعاً: السنوار يقول لإسرائيل، ولأمريكا وحلفائها في المنطقة العربية، أنا ابن غزة، وأنا المقيم على أرض غزة، وأنا باق فوق تراب غزة في اليوم التالي لمعركة طوفان الأقصى، ولن نسمح لأي قوة على وجه الأرض بأن تدير شأن غزة غير قوة أهل غزة، وغير رجال غزة الذين أهانوا جبرون الصهاينة، وهزموا جيوش الحلفاء.
عاشراً: اختيار السنوار مؤشر على أن معظم أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس والمقيمين على أرض غزة هم بخير، ولم تنل منهم الصواريخ الإسرائيلية، فصلاح البردويل وروحي مشتهى ومروان عيسى وعصام الدعاليس ومحمود الزهار والسراج والهندي، وغيرهم من قيادات ميدانية، ما زالوا يقومون بواجبهم الوطني، ويمارسون مهماتهم الوظيفية التي فرضتها عليهم المقاومة.
قبل أسبوعٍ، نجح العدو الإسرائيلي في اغتيال الشهيد إسماعيل هنية غدراً وغيلة، ولكن حركة حماس نجحت اليوم في التأكيد على وحدتها علانية، ونجحت في الإفصاح عن قدرتها الوازنة في اتخاذ القرار، وأكدت على صلابة موقفها من العدوان، وقد آثرت أن تسلم أمر قيادتها لمن يخاف الله بالوطن فلسطين، ويخاف منه الصهاينة.
*كاتب فلسطيني
Check Also
ترامب والعالم!
بسام ابو شريف* قبل ان يدخل ترامب البيت الابيض ما هي خطة العمل باركانها الاستراتيجية …