علي محسن حميد*
استسلمنا في عهد الضياع العربي لوضع لم يكن في الخيال وهو أن أي دولة عربية لن تستخدم قواتها المسلحة إلا لمصلحتها الوطنية المباشرة وأن عهد عبد الناصر الاستثنائي لن يتكرر. ناصر هبّ لنجدة ثورة اليمن عام ١٩٦٢ وسوريا عام ١٩٦٧ ودعم حركات تحرر وطنية عديدة وجعل العربي محترما وحقق تنمية اقتصادية، كل ذلك بمليار وخمسين مليون جنيه مصري، ميزانية مصر السنوية التي كانت تساوي وقتذاك ملياري دولار لاغير. ولثلاثة وسبعين عاما فشل العرب في تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك وفي نفس الوقت لم يجرؤا على إلغائها وما أفلحوا فيه هو العمل على إضعاف بعضهم البعض سياسيا واقتصاديا لمصالح ضيقة أو لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي العقود الأخيرة انشغلت الحكومات العربية إما بشؤنها وطموحاتها الخاصة أوالتنافس فيما بينها عوضا عن التكامل الاقتصادي وبمراكمة الثروة ،مع صفر تنمية حقيقية. هذه الثروات المودعة في الغرب قد يصبح مصيرها كمصير الأموال الروسية في امريكا واوريا الغربية المهددة بالتصفير عند ما يحين الحين .الدول العربية تملك قوات مسلحة عاطلة عن العمل وتخصص ميزانيات كبيرة لتسلحٍ لاتتطلبه احتياجات الأمن الوطني يثري مجمعات مصانع السلاح الامريكية ويحل جزء من مشاكل البطالة الغربية. وتعبيرا عن فقدان الاستقلال لاتقاوم فرض سقف تسلح امريكي تعسفي عليها يستثني منه دولة الإبادة لتُبقي امريكا كيانها الرديف في فلسطين المحتلة الأقوى على كل الجيوش العربية.وهذه سياسة امريكية معلنة لم يحتج عليها أحد وفوق ذلك لم تبحث هذه الدول مثل تركيا عن بديل للتسليح لفقدانها للإرادة الحرة. وباستثناء مصر التي يعتبر تحديثها لترسانتها العسكرية واجبا فإن هذه الدول لاتحادد دولة الإبادة الجماعية ولن تخوض حربا ضدها بأي حال من الأحوال لكي تكون هي المشتري الأول لأسلحة بمليارات الدولارات سنويا توضع في المخازن وتُنشّط فقط صناعة الموت الامريكية التي تقتل الفلسطينيين. الثروة صفّرت التضامن العربي ليصبح في علاقة تضاد مع الثروة والمجتمعات الاستهلاكية.لم نكتف بماسبق بل أسهمنا مع امريكا في تدمير العراق واحتلاله وفي شل سوريا كدولة مواجهة مع كيان الإبادة ولانزال نصمت على احتلال امريكا لجزء من ترابها الوطني وسرقة ثروتها النفطية مماأدى إلى تتمحور هموم سلطتها على مواجهة المشاكل المعيشية اليومية وعجزها عن الدفاع عن نفسها في وجه غارات إسرائيلية تهين العرب جميعا. إن العرب يسهمون عن وعي أو بالأمر في تفكيك عراهم والإضرار بمصالحهم والنتيجة هي هيمنة صهيونية طويلة المدى ووحشية يومية في فلسطين المحتلة وجنوب لبنان والتهديد بأنها قادرة على سحق كل دول المنطقة.
إسرائيل تعربد بأمان في المسجد الأقصى وعندما يعلن أحد فاشييها عن بناء كنيس فيه ثم يحوله في مرحلة ثانية إلى أثر بعد عين في تحدٍ أرعن لمليار ونصف المليار مسلم إلا وهي تعرف معدن هؤلاء الصدئ وسوء أحوالهم وقبولهم للمذلة. وعن الأقصى كلما سمِعت دولة الإبادة عن خطوطنا الحمراء وبياناتنا التي لاتنقذ الأقصى والأقرب المحصورة في غيرة لفظية على المسجد الأقصى وحده والاستعداد لقبول ماعداه كالاستيطان العنصري الإحلالي ازدرتنا وزادت تطرفا لأنها تعي أننا ألسن بدون أفعال ونبرئ ذممنا بجميل القول. من حقنا أن نسأل كم ثري عربي وكم دولة عربية بذلوا المال فقط للحيلولة دون تهويد وضم القدس العربية المحتلة والضفة وكم دولة احتجت لدى الإدارة الامريكية على انتهاكات إسرائيل للمقدسات الإسلامية والمسيحية المقدسية. عندما نقل ترامب سفارة بلاده عام ٢٠٢٠ إلى القدس الغربية المحتلة كان خال من هم رد الفعل العربي الرسمي والشعبي وصمت الجميع بعد أن كنا نلوذ بوهم الإجماع العربي كعاصم من هذه الجريمة الامريكية ومر الأمر بسلام ونقل إعلامنا وقائع الفرحة الصهيونية وخطاب النصر للصهيوني جارد كوشنر زوج بنت الرئيس ترامب وكأن ماكان يحدث،حدث في مكان غير القدس المحتلة.
إن اقتلاع الوجود الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه ماديا وروحيا استراتيجية صهيونية مثابرة وصبورة تدفع من أجلها إسرائيل والأثرياء الصهاينة أغلى الأثمان ابتداء من روتشيلد قبل قيام دولة الإبادة عام ١٩٤٨ وليس انتهاء بموسكوفيتش لتهويد القدس على وجه الخصوص، بمقابل بخل عربي فاضح لم يسجل التاريخ في صفحاته عارا كعاره. مثلا تمنع دولة الإبادة منح تراخيص بناء مساكن للمقدسيين على وجه الخصوص وتقدم إغراءت كبيرة جدا لمن يبيع بيته من الفلسطينيين في القدس العربية المحتلة بثمن لايحلم به مع منحه وعائلته إقامة ثم جنسية في الولايات المتحدة، العدو غير المعلن لقضية فلسطين وللأمة العربية. وبالمقابل لايهُب ثري عربي يؤدي الفروض الخمسة وربما لاتترك المسبحة يديه لنجدة القدس ومقدسييها. القدس في مفترق طرق كما هو حال أمتنا الثرية- البخيلة الفاقدة للعزيمة والصامتة عن كل هزيمة واليوم القدس وغدا أولى القبلتين ثم ثانيتهما فالأزهر الشريف. إن دفاترحساب دولة الإبادة والتوسع مفتوحة لأنها تعيش أبدا حرب وجود ليس مع الفلسطينيين وحدهم بل مع كل العرب بينما نحن مستمرون في عد أرقام الثروة التي نتوهم أنها طوق نجاة وكافية وحدها لتوفير الكرامة. لماذا يتخلى العرب عن مسؤلياتهم اليوم؟. ليس لدى أحد رد شافٍ أو مجس لاكتشاف حكمتهم أوقادر على سبر أغوارهم.
*نقلا عن راي اليوم
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …