د.حسناء نصر الحسين*
منذ أن أعلن سماحة السيد حسن نصر الله عن دخول المقاومة الإسلامية معركة طوفان الأقصى بجانب الشعب والمقاومة الفلسطينية كان واضحا الأثر الذي تركته المقاومة اللبنانية على العدو الاسرائيلي في جبهة الحدود الجنوبية التي بدأت تتسع بشكل دراماتيكي مدروس يتناسب وحجم كل اعتداء اسرائيلي سواء داخل فلسطين المحتلة او في قرى الجنوب اللبناني ومع تطور عمليات الاعتداءات الاسرائيلية ومحاولتها لفرض قواعد اشتباك جديدة تخطت كل الخطوط الحمر للمقاومة ومنها سلسلة الاغتيالات التي طالت قلب المقاومة الاسلامية في الضاحية الجنوبية ، وما نتج من عمليات الرد المقاوم الذي سعى أيضا الى أن يكون يتناسب والفعل الاسرائيلي بهدف تثبيت قواعد اشتباكه .
ولما كان فعل المقاومة مؤلما لإسرائيل وفيه خسائر كبيرة لم تستطع حكومة الكيان المهترئة تحمل تبعاته سواء على المستوى الداخلي للحكومة وانشقاق صفوفها او على مستوى المستوطنين المهجرين من مستوطناتهم في الشمال والذين عجزت حكومة نتنياهو عن ايجاد الحلول لأزماتهم فكانت عملية الأربعين هي الشعرة التي قسمت ظهر البعير على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية وما تلاها من عمليات قدمت الكيان بصورة العاجز عن تحقيق أي إنجاز على مستوى جبهات الاسناد او تحييد أي جبهة منها بعد عام تقريبا من هذه المعركة .
مما لا شك فيه أن المقاومة الاسلامية اللبنانية وهي التي تحارب الكيان بشكل مباشر تعتبر الجبهة الأكثر أهمية بالنسبة له وضرباتها المنتظمة ساهمت بشكل كبير في خلق ازمة داخلية وخارجية للكيان حيث قدمته بشكله الحقيقي بعيدا عن الدعاية والتسويق التي كان ينتهجها .
ad
وبعد كل ما لحق بالكيان من خسائر لناحية السمعة بالدرجة الاولى والخسائر العسكرية والأمنية حيث فشلت هذه المؤسسات من شل العمل المقاوم في الجبهات والتي وصلت الى قلب العدو الذي اعلن مرارا وتكراراً عن نيته بتوسيع جبهة الحرب مع لبنان ومسلسل الاغتيالات في الضاحية الجنوبية كان خطوة البدء بالتوسع .
يعلم قادة الكيان أن الحرب مع حزب الله لن تكون نزهة وهو الذي عرفه واختبر قدراته وجاهزيته في محطات سابقة ، ويعلم ان حجم الخسائر لديه ستكون أكبر من قدرته على تحمل تبعاتها الا أن ما يعانيه من ورطة حقيقية في داخل كيانه يدفعه لاتخاذ قرار الهروب الى الأمام .
أمام هذا الواقع الذي تعاني منه اسرائيل وأهمه أنها أصبحت مكشوفة لجبهات الاسناد من خلال عمليات الرصد والمتابعة لغرف العمليات الاستخباراتية للمقاومة التي تمثلت بالهدهد وحلقاته وابراز حزب الله ما يمتلك من مدن حربية عماد ٤ ، والحدث الكبير المتمثل بالصاروخ اليمني الفرط صوتي في يافا وقبله المسيرة اليمنية يافا كل هذه الاحداث دفعت بالكيان للبحث عن عملية يحقق من خلالها انجاز كبير وتكون خسائره البشرية والامنية والعسكرية صفر ، فكانت عملية الثلاثاء الدامي باستهداف أجهزة النداء البيجر وهو أحد وسائل الاتصال البديلة لبعض مؤسسات حزب الله والتي اختارها حزب الله كبديل عن التكنولوجيا الحديثة المراقبة من قبل اسرائيل وامريكا التي كلفت الحزب خسائر في الاشهر القليلة الاولى في حربه مع الكيان الا اسرائيل نجحت في احداث خرق كبير في هذه الاجهزة من خلال عمل استخباراتي منظم ومدروس أدى الى تفجير تلك الأجهزة ونتج عنه ٢٧٥٠ جريح وعدة شهداء .
ومن خلال قراءة متواضعة لهذا الهجوم الذي اعتمد على الارهاب التكنولوجي الذي لا يمكن تفريقه عن ارهاب السيارات المفخخة والانتحاريين نستطيع ان نقول ان عملا بهذا القدر لا يمكن للكيان أن ينفذه منفردا دون مساعدة خارجية امريكية بريطانية وحتى هناك من يتداول تورط مخابرات عربية سربت أرقام هذه البيجرات التي يقال انها دخلت الى لبنان منذ خمسة أشهر وان هذه الدول العربية سربت ارقامها للكيان وهنا اعتقد ان اسرائيل كانت تخطط لعملية اكبر من خلال اشغال المقاومة التي تكبدت العدد الاكبر من الجرحى والذهاب الى تحرك بري وهذا ما فشلت في تحقيقه ولعل قيام الكيان بتفجير الالغام على الحدود مع لبنان كان احد خطوات التحضير لهذا العدوان .
مما لا شك فيه اننا أمام سيناريو أكثر تعقيدا قد يفضي الى التحول من نظرية المعركة بين الحروب الى حرب حقيقية لن تستطع المنطقة تحمل تبعاتها فالمنطقة منذ اكثر من عقد تعيش على صفيح ساخن ، وامكانية توسع الجبهات أصبح أمراً واقعا ً تريده أمريكا لفرض استمرار هيمنتها على المنطقة وترى فيه اسرائيل حاجة ملحة لتفرض على امريكا التي تدعم الكيان وفق رؤيتها ومصالحها بمعايير محددة ، ودفعها للتدخل بشكل أكثر حيوية وحضور أكبر بما يضمن لها الحفاظ على ما تبقى بعد عام من حرب الاستنزاف المتعدد القطاعات للكيان .
وفي الخلاصة : لا نستطيع أن ننكر ان العملية خطيرة وكبيرة وفيها خسائر بشرية وأدخلت لبنان بكله في حالة استنفار وتوتر وقلق لكن لنا أن نتساءل أيضا عن هدف الكيان من هذه العملية المتمثل بالانتقام من الأيادي المباركة التي اثقلت كاهل اسرائيل من خلال عملياتها النوعية وهذا ان دل على شيء فهو يدل على حجم الألم الذي سببه مجاهدي المقاومة خلال هذه الشهور الطويلة فأرادت التخلص منهم او تحييدهم عن جبهات القتال ، الا ان الكيان رغم نجاحه في احداث الالم الا انه سيفشل في تحييد الشباب المقاوم وجمهور المقاومة وعزلهم عن قياداتهم فهؤلاء رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ، وما على اسرائيل الا الانتظار والاستنفار والوقوف على رجل وربع وابقاء الملاجئ في حالة تأهب فالرد قادم والطوفان مستمر .
*كاتبة سورية وباحثة في العلاقات الدولية
شاهد أيضاً
كيف ينسى هذا الجيل كل جرائم الاحتلال؟!
اسيا العتروس* تخيلت هذا الحوار وانا اتابع القنوات الغربية في متابعتها للقصف الايراني على …