كريستين حنا نصر*
تمر منطقة الشرق الأوسط بتحولات متسارعة منذ بداية الصراع العربي الاسرائيلي وبعد اجتياح العراق وسقوط حكم صدام حسين، ثم مجريات ما يُسمى الربيع العربي وظهور هيمنة ايران على العراق، وبعدها انتشار سيطرة واضحة لعدة أحزاب ومنها حزب الله، كحزب مقاوم لاسرائيل، ومدعوم كلياً من الجمهورية الاسلامية الايرانية، في كل من سوريا ولبنان والعراق ودول أخرى، وانشاء المليشيات المدعومة من ايران في العراق وسوريا ولبنان واليمن تأتمر من أيران، وقد أشار السيد حسن نصر أمين عام حزب الله في كلمة له حول استراتيجية الحزب، بقوله:” علينا ازالة الحالة الاستعمارية والاسرائيلية، ومشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره، كوننا مؤمنين عقائديين، هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه، الإمام الخميني”.
المشكلة هنا أن البلاد العربية الاسلامية تتميز بأنها مكونة من عدة أعراق وطوائف وقوميات، وبالتالي يتعارض مثل هكذا توجه مع العديد من الأحزاب في البلاد العربية، وعلى وجه الخصوص في لبنان حيث تعارض فكرة أن تكون لبنان تحت إمرة الولي الفقيه في ايران، بما في ذلك الأحزاب السنية الموجودة في لبنان وهذا الاتجاه الفكري ادى الى شرخ عقائدي بين الاحزاب السنية والشيعية في لبنان والبلدان العربية بشكل عام ، لقد دخل حزب الله في صراع مع اسرائيل خلال عدة مراحل في مواجهات، منها حرب تموز عام 2006م، والان الصراع الاسرائيلي مع حماس في غزة، الذي على اثره تمّ الدخول حالياً في مرحلة ساخنة وتحديداً على الجهبة الجنوبية للبنان مع اسرائيل، ويظهر على ما يبدو وجود ملامح تطور لهذا الصراع إلى حرب دامية بينهما، تتمثل باطلاق صواريخ في العمق الاسرائيلي وصواريخ وقصف اسرائيلي في جنوب لبنان.
لقد تطورت الحرب بين حزب الله واسرائيل وتغيرت مع هذا المسار قواعد الاشتباك، من موقف دفاعي من قبل اسرائيل إلى استراتيجية هجومية جديدة خاصة في الاونة الاخيرة، بهدف استنزاف القوى العسكرية لحزب الله، حيث دمرت اسرائيل شبكة الاتصالات ( البيجر واللاسلكي) التي تربط أعضاء وعناصر حزب الله، باستخدام تقنية الحرب السيبرانية، حيث تم تفجير هذه الأجهزة عن بُعد وقتل واصابة العديد منهم، تبعها عمليات قصف واستهداف جوي طالت الضاحية الجنوبية نتج عنها مقتل ابراهيم عقيل ( رئيس وحدة العمليات الخاصة بقوات الرضوان)، الى جانب مقتل حوالي 30 من قيادي ومنتسبي قوات الرضوان.
إن أهمية استهداف الصفوف الأولى من قوات الرضوان بالنسبة لاسرائيل، وفي هذه المرحلة تحديداً وبعد شهور من الصراع تقارب العام، هو استنزاف وربما القضاء كلياً على قوات حزب الله العسكرية وتحجيم قدرات الحزب عسكرياً، وطبعاً القضاء أيضاً على كامل المليشيات المسلحة المدعومة من ايران في العراق وسوريا واليمن والمتواجدة في المنطقة العربية، إن هذا الصراع الدامي حتماً سوف يدخل إلى مرحلة من الصراع أكثر عمقاً واشتعالاً، وبطريقة غير مباشرة سيشمل ضرب ايران من خلال أهم ورقة تملكها ايران في المنطقة العربية وهي حزب الله.
تستهدف اسرائيل مؤخراً مخازن الاسلحة ومراكز القيادة والسيطرة والاسلحة الاستراتيجية التي يمكن استخدامها في الحرب، وهذه المرحلة الجديدة حتماً ستدخلنا في السيناريو الابرز، وهو فتح عدة جبهات في المنطقة والتي ستدخل مباشرة في حالة حرب اقليمية، الجبهة الأولى لها طبعاً هي غزة والضفة الغربية، وجبهة حزب انصار الله الحوثي في اليمن وسوريا والعراق، وبالتالي ستقود لحرب مباشرة بين هذه الجبهات من جهة واسرائيل من جهة أخرى، ومن المعلوم أن كل هذه الجبهات تشهد تواجد وانتشار للمليشيات المدعومة من ايران.
ان الجبهة الأساسية للحرب هي بالطبع الدائرة في غزة، حيث الاشتباكات المستمرة، ولكن بعدها وبدون شك كل الجبهات السابق ذكرها سوف تتفاقم وتتصاعد فيها حدة نيران الاشتباك، لنكون عملياً أمام ساحة حرب واسعة اقليمية مع اسرائيل لا محالة، وضمن احتمالية واردة بأن تؤثر على البلدان المجاورة بما فيها الحدودية لهذه الجبهات المشتعلة أصلاً، وبشكل يتجه نحو التطور وبصورة يمكن معها فتح باب الحرب على مصراعية بين اسرائيل وايران، أي أن احتمالية رد ايران على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية ومن خلال الجبهة السورية، وهو ما بدا واضحاً مؤخراً، حيث استهدفت اسرائيل الميليشيات الايرانية المتواجدة في المناطق الحدودية وبعمليات قصف نوعية، فمنذ فترة قصيرة تمّ استشعار تحركات ايرانية تتمثل بتجهيز الفصائل الموالية لها خاصة على الحدود مع اسرائيل، هذه التحركات من قبل الفصائل كانت تتمحور في مطاريين عسكريين داخل سوريا قرب السويدا، هما مطار الثعلة وكذلك مطار خلخلة بالقرب من منطقة مرتفعات الجولان التي احتلتها اسرائيل عام 1967م، وهذه الميليشيات موالية لايران بما في ذلك فصائل مسلحة من الحوثيين ولواء زينبيون والفاطميون وقوات العباس وحزب الله العراقي تحت لواء الحشد الشعبي، ومجموعات من الأفغان والبنغال وكل هذه الميليشيات والجماعات المسلحة تنتظر اعلان ساعة الصفر وأوامر ايران لها بالانطلاق من هذه الجبهة، والتي ستفتح من الحدود السورية نحو الجولان، وبالتالي تجاه المشاركة في الحرب الاقليمية الجديدة.
وفيما يخص منطقة السويداء فقد شهدت على مدى اكثر من سنة مظاهرات واسعة، والدولة السورية لم تضبط أوضاع وأمن هذه المنطقة، مما جعلها خارج نفوذ النظام السوري وفي انعزال عملي عن الجغرافية السياسية السورية، والأمر البالغ الاهمية هو أن هذه المنطقة الجنوبية للبادية السورية، تتواجد فيها العديد من المليشيات التي تمتلك صواريخ متطورة وتبعد حوالي 55 كيلومتر عن الجولان وقريبة ايضاً للحدود السورية الأردنية، وهذه المنطقة الجغرافية التي هي جزء من الحزام الناري المحيط باسرائيل وعلى حدود البادية السورية الجنوبية الملاصقة للحدود الاردنية مباشرة، تتطلع تجاهها على ما يبدو ايران نحو انفتاح هذه الجبهة، الامر الذي سيقود لتدخل أردني لحماية حدوده ومواطنيه، خاصة أن الأردن أعلن مراراً بأنه لن يسمح باستخدام الأراضي والأجواء الأردنية من قبل أي طرف.
وفيما يخص الجبهة اللبنانية وبالتحديد جنوب لبنان ممثلاً بحزب الله، فهذه الجبهة مشتعلة ومتوترة منذ بدء الصراع بين حماس واسرائيل في غزة، لكن في هذه الحرب الاقليمية سوف يزداد تفاقم الامور وتتعمق طبيعتها نحو حرب مفتوحة تماماً بين الجانبين، وبشكل تصبح معه قواعد الاشتباك السابقة عديمة الفائدة، ومن المعلوم ان حزب الله في جنوب لبنان هو في حقيقته جزء اساسي من الحزام الناري الذي يطوق اسرائيل من الشمال، واسرائيل وتمهيدا لهذه المواجهة الاقليمية المحتملة ، قامت باستباقها بضرب البنية التحتية لحزب الله وقتل جزء من قيادات الصف الاول بما فيها قوات الرضوان، وتفكيك على ما يبدو شبكات الاتصال بين عناصر الحزب، وكرد من حزب الله فانه سيقوم بتكثيف اطلاق الصواريخ لمنع اسرائيل من تحقيق اهدافها، وبالتالي فان اسرائيل اذا ما تمكنت من القضاء على البنية التحتية والعسكرية للحزب من خلال القصف الجوي والمدفعي فان هناك احتمالية راهنة باجتياح بري، هدفه كما زعمت اسرائيل مراراً الوصول الى نهر الليطاني والخط الأزرق والعمل على انشاء منطقة عازلة، يكون هدفها المباشر رجوع النازحين الى مناطق سكنهم في الشمال، ويمكن تحقيق هذه الاهداف من خلال مساندة حلفاء اسرائيل لها، وهي امريكا وبريطانيا في هذه الحرب الاقليمية متعددة الجبهات والاطراف على ما يبدو، واذا تمكنت اسرائيل من انشاء هذه المنطقة العازلة في جنوب لبنان، فسيكون هناك دخول في مسار مفاوضات مع الدولة اللبنانية تشمل وجود قوات أممية وقوات من الجيش اللبناني، والعمل على تطبيق قرار مجلس الامن رقم 1701 لعام 2006م، والمعني بحل النزاع الاسرائيلي اللبناني.
ان تعدد جبهات حزام النار والمواجهات مع اسرائيل والمكونة من الجبهة اليمنية واطلاقها للصواريخ والمسيرات تجاه اسرائيل والتضييق على الملاحة في البحر الأحمر، اضافة للجبهة العراقية المتمثلة بالميليشيات والفصائل المواليه لايران، كذلك الجبهة على الحدود الجنوبية للبنان والجبهة السورية، جميعها معطيات تصب في سيناريو واحتمال أساسي وهو أن المنطقة تدخل فعلياً في مرحلة حرب اقليمية واسعة وشاملة جديدة وبشكل لا محاله.
كاتبة اردنية