د. سماهر الخطيب*
لا شك أنّ التطورات التي تشهدها المنطقة تفتح الباب على مصرعيه أمام حرب شاملة للمنطقة برمتها والحديث يدور حول تغيير خارطة الشرق الأوسط وهو حديث ذكر مسبقاً في حرب تموز 2006 ولكن الحرب الدائرة اليوم مغايرة عن سابقتها سواء من حيث الأدوات أو من حيث الأساليب المستخدمة والوسائل المتبعة والتي تندرج ضمن الحروب اللامتماثلة ضمن جيل جديد من الحروب انصهر في بوتقته كل الأساليب القديمة المتعارف عليها وأساليب جديدة لا تنحصر في الأساليب التكنولوجية بل تسخير كل ما تملكه إسرائيل من أدوات ووسائل في هذه الحرب الوجودية ولا نبالغ إن قلنا بأن هذه الحرب قد تمّ التحضير لها من كل الأطراف منذ الخامس عشر من آب 2006 أي بعد انتصار حزب الله في حرب تموز بدأت التحضيرات لهذه الحرب وفق العقيدة العسكرية المتبعة لكل طرف من أطراف الصراع.
ولكن من الواضح أن اسرائيل دخلت مأزق استراتيجي مع تزايد شعورها بالقوة المفرطة وبلوغها حد النشوى بـ”انتصاراتها” عبر اغتيال القادة في حزب الله واغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وتماديها في ارتكاب المزيد من الغارات والمجازر تحت ذريعة استهداف مقرات للحزب لتنتقل إلى مرحلة جديدة تقول بالاجتياح البري (وفق سيناريو اتبعته مسبقاً في غزة ورفح) وهذه المرحلة يسعى من خلالها نتنياهو لتحقيق أهداف عدة متمثلة بإعادة مستوطني الشمال مقابل إعادة أهالي الجنوب (كقاعدة ردع يسعى إلى فرضها) إضافة إلى إبعاد قوات حزب الله لما بعد منطقة جنوب الليطاني وبالتالي جعل هذه المنطقة خالية من السلاح ومن الوجود العسكري للحزب.
وفي العودة إلى المأزق الاستراتيجي الإسرائيلي فإنّ أحد مفاصله هو الاجتياح البرّي الذي يسعى للبدء فيه والذي سيكون مستنقع يغرق فيه الجيش الاسرائيلي فلن يكون في مقدوره تحقيق المكاسب كما يهدد ويتوعد وسيتحول هذا الاجتياح إلى حرب برية طويلة الأمد ومكلفة للجيش الإسرائيلي الذي لم يأخذ في حسبانه بأنّه سيدخل في دوامة استنزاف موجعة تنهك الجيوش النظامية خاصة وأنّه يخوض حرباً لا متماثلة مع فصائل المقاومة الخبيرين بجغرافية هذه الأرض كونهم أبناؤها ولا نصر لمحتل على أصحاب الأرض الذين لطالما لعبت الجغرافية لمصلحتهم سواء في غزة أو في جنوب لبنان. وهو ما حدث فعلياً خلال حرب تموز 2006 سواء في معركة وادي الحجير أو معارك بنت جبيل، كما أن الذهنية الإسرائيلية مفعمة بمرارة ما تلقته سابقاً ففي عام 1982، قامت “إسرائيل” باجتياح لبنان، واحتلت بيروت، فكانت المقاومة الوطنية متمثلة برصاصات خالد علوان وعملية حبيب الشرتوني والعمليات الاستشهادية التي افتتحتها سناء محيدلي فتظافرت قوى المقاومة اللبنانية آنذاك واستمرت في تنفيذ عمليات ضد “جيش” الاحتلال حتى طردته كلياً من لبنان عام 2000 (باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا) .
وفي التاريخ التشريني الكثير من التجارب والعبر منها “عملية القبية” في 25 تشرين الثاني من عام 1987 والتي أسفرت عن مقتل وجرح 36 جندياً من قوات النخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، كما كان في التاريخ التشريني “حرب عام 1973” مع “إسرائيل” فكانت النتيجة الأساس كشف وهم وزيف مقولة “الجيش الذي لا يقهر” ولولا الدعم الأميركي والجسر الجوي المفتوح بالمال والسلاح لإسرائيل وخيانة أنور السادات لما كان الكيان قائماً إلى الآن، ليأتي السابع من تشرين الأول 2023 في عملية “طوفان الأقصى” والتي رسمت معالم زوال “إسرائيل” وجعلت نتنياهو يصرح بأنه في “حرب وجود” حقيقية ولم لا وصراعنا مع اليهود هو صراع وجود وليس بصراع حدود، واليوم في الثاني من تشرين الأول 2024 كان التصدي بطولي في مارون الراس والعديسة لمحاولة التوغل الإسرائيلي وتكبيده الخسائر الفادحة ليبدو جلياً أنّ هذا الكيان بات ملعوناً بلعنة التشرينين.
وعليه فإن، الحرب البرّية ستكون مكلفة وغير مضمونة النتائج، كما يخشاها الإسرائيلي على الرغم من تهديده بها، ناهيك عن احتمال انخراط فصائل المقاومة جميعها في هذه الحرب الوجودية وما قامت به اليمن والعراق يوحي بأن جبهات إسناد غزة ستكون دفاعاً عن لبنان والتي حكماً لن تستطيع “إسرائيل” الصمود في هذه الحرب أمام كل الجبهات.
أما فيما يتعلق بالرد الإيراني بالإمس فرسالته واضحة أن إيران لن تتخلَ عن الحزب والمقاومة وأن أي حرب شاملة سيكون الموقف الإيراني واضح فيها وكذلك الفعل واضح بضرب القواعد العسكرية الإسرائيلية وكذلك البنى التحتية والحيوية بمعنى أن “إسرائيل” تحت مرمى الصواريخ الإيرانية في المقابل يبدو أن الأميركيين “غضوا الطرف” عن اطلاق الصواريخ الإيرانية، واستخدموا جزءاً بسيطاً من قواتهم لإسقاط بعضها، وهنا تريد واشنطن القول لنتنياهو انها هي من تقرر مسارات المنطقة، عسكرياً وسياسياً، ولا يمكن لأي حكومة اسرائيلية، مهما كان الانشغال الاميركي بالانتخابات الرئاسية، ان تقرر وحدها مصير المنطقة وبالتالي فإن حلم نتنياهو بتغيير وجه وخارطة المنطقة بقوة المجازر التي يرتكبها مرهون بإرادة الولايات المتحدة وبالتالي، فإن رفع الحماية الاميركية قليلاً عن اسرائيل سيجعلها غريقة في مستنقع اقليمي لا تخرج منه سالمة.
وهنا يمكن القول بأنّ واشنطن لا تريد مجاراة نتنياهو في مخططاته التي يسعى من خلالها نحو حرب اقليمية واسعة، ولكنها تريد منحه فرصة للقضاء على قادة وقدرات “حزب الله” سريعاً قبل فرض الخيار الدبلوماسي لأي تسوية، وبالتالي فإنّ استمهال واشنطن لأي تسوية هو بهدف جس نبض وقياس مدى فاعلية إسرائيل في تحقيق مهامها في جنوب لبنان ومدى قدرتها على هزيمة حزب الله، وهنا القوة هي القول الفصل فإذا استطاع “حزب الله” تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر ميدانية فادحة، وبقي إطلاق صواريخه البالستية فعّالاً بمعنى تحقيق الحزب لمكاسب دفاعية وهجومية معاً (وهو ما سيحدث فعلياً)، بالتالي فإنّ حظوظ التسوية الدبلوماسية ستتقدم حينها، وعليه ستفشل استراتيجية نتنياهو التي تبناها الأميركي ووافق عليها القائلة بـ”التصعيد من أجل خفض التصعيد” والتي ردّت عليها إيران بإجراء مماثل قائل بـ”التصعيد من أجل خفض التصعيد” وبالتالي وعلى ما يبدو فأنّ الاميركي يريد الإمساك بزمام الأمور وسيسعى إلى فرض الحل قبل الوصول إلى مرحلة تزداد فيها خسائر وإخفاقات الجيش الاسرائيلي الميدانية، وإلى أن تصل إسرائيل إلى تلك المرحلة لن يسمح الاميركي بتمدد صراع اقليمي مفتوح، وهو ما يفترض ان يكون نتنياهو فهم مقاصده في التعاطي الاميركي مع الهجوم الإيراني، وهنا سيكون الامتحان في كيفية تعاطي الاسرائيليين مع الضربة التي تلقوها من ايران، وكيفية تعاطي حزب الله مع التوغل الإسرائيلي في جنوب لبنان..
*كاتبة وأكاديمية سورية
شاهد أيضاً
الصقر إنجاز وموقف
محمد العزيزي نادي الصقر الرياضي واحد من الأندية الرياضية ،غزيرة الانجازات وأحد الأندية الكبار الذين …