حمدي دوبلة*
-في واحدة من أطول فترات الاحتلال في التاريخ الإنساني، جثم المحتل البريطاني نحو 129 عاما على صدور أبناء اليمن في الجنوب، ومارس بحق الوطن أبشع أنواع الجرائم والانتهاكات الجسيمة، ونفذ القتل والتنكيل والبطش بأصحاب الأرض، لكنه في الأخير انهزم، وأخذت إمبراطورية الاستعمار عصاها ورحلت ذليلة منكسرة، تجرجر أذيال العار والخسران.
– بعد تلك العقود الطويلة، من الظلم والطغيان لإمبراطورية الشمس التي لا تغيب كانت جبال ردفان، على موعد مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة المباركة بقيادة راجح لبوزة الذي أعلن في مثل هذا اليوم الـ 14 أكتوبر من العام 1963 بدء النضال العسكري ضد الاحتلال البريطاني ولم تمض بضع سنين حتى صارت فترة الاستعمار شيئا من الماضي وتاريخ أمام الدارسين والمهتمين لاستخلاص الدروس والعبر.
-يومها جن جنون المملكة المتحدة العظمى، ولم تستوعب الأمر، فشنّت حملات عسكرية غاشمة، تواصلت لأكثر من ستة شهور، قصفت خلالها القرى وسكانها الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة، وقتلت الكثير من الأبرياء، وشردت وهجرت الآلاف من المدنيين العزّل.
-اتبعت سلطات الاحتلال عقب انطلاق ثورة أكتوبر في هجماتها الوحشية وغاراتها المتواصلة على مناطق ردفان ما يسمى بـ”سياسة الأرض المحروقة” وأزهقت الأرواح ودمرت وأحرقت الأخضر واليابس، ولم تكن وحشيتها أقل مما نشاهده اليوم، من همجية وتوحّش ونازية الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة والضاحية الجنوبية لبيروت، لكن ذلك لم يكسر إرادة المجاهدين اليمنيين، ولم ينل من عزيمتهم، وفي ذلك كثير من الدروس والعبر والدلالات، التي يصر المحتلون في كل زمان ومكان، على تجاهلها والتعامي عنها، ومواصلة السير في درب الضلالة، ليكون الوصول إلى النهاية المحتومة، والمصير المؤكد.
– فشلت بريطانيا في إخماد الثورة في مهدها عبر خيار العنف والوحشية، وتنامت المقاومة وتنوعت أشكالها وتطورت أساليبها وتكتيكاتها لاحقا، لتشهد الأيام والأسابيع والشهور والأعوام التالية، ضربات مؤلمة لكيان الاحتلال، ودخل في منظومة العمل المقاوم مفهوم العمل الفدائي، ليثخن جراحات العدو ويجعله يترنح ويستسلم أخيرا، لإرادة الحرية التي قدرها ان تنتصر على كل التحديات والمصاعب، ولو طال الزمن.
– بعد أربع سنوات تقريبا كانت الهزيمة المدوية لبريطانيا العظمى في اليمن، ورحل آخر جنودها في الـ 30 نوفمبر 1967 تاركة جنوب الوطن لشعبه وأحراره، وتوارت شمس الإمبراطورية الاستعمارية الأكبر في ذلك الزمن، خلف سواعد رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
-حركات التحرّر والمقاومة موعودة دائما في كل العصور بالنصر والظفر أما الاحتلال فمصيره معلوم ومحسوم وهو الهزيمة والاندحار، وإن استخدم كل أدوات القوة، وحاز من السلاح ما يجعله قادرا على إحراق الكرة الأرضية، فذلك لا ينجيه من معانقة قدره المحتوم، ولن يمنحه فرصة الهروب من شراك وحبائل الخسران المبين.. وما أكثر العبر وما أقلّ المعتبرين.
*نقلا عن صحيفة الثورة