د. فايز أبو شمالة*
تترافق مع كل جولة مفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة جولة من تصعيد العدوان الإسرائيلي، حتى بات واضحاً الربط بين تصعيد العدوان واستئناف المفاوضات، والهدف هو الضغط على قيادة غزة لتقديم التنازلات، شفقة بالمواطنين في قطاع غزة، ويجيئ الضغط الإسرائيلي على المدنيين بعد أن تأكد للعدو الإسرائيلي أن هزيمة المقاومة الفلسطينية في الميدان من سابع المستحيلات، وأن تحقيق أدنى نصر على أهل غزة مستحيل، ما لم يتصاعد القتل والذبح والتشريد والترويع المتزامن مع تحرك الوسطاء بشأن صفقة تبادل أسرى، ليكون آخر سلاح يستله العدو الإسرائيلي في هذه الأيام هو سيف التجويع، التجويع المتعمد والهادف إلى خلله حالة التوازن المجتمعي، وترك الناس في غزة منشغلين في البحث عن مقومات الحياة، ويلهثون بأوجاعهم خلف رغيف الخبز.
لقد انقطعت المواد الغذائية والتموينية من أسواق غزة بشكل غير مسبوق، وارتفعت أسعار بعض الحاجيات التي ظل منها القليل لدى التجار بشكل هستيري، وعندما نقول ارتفعت الأسعار بشكل هستيري فنحن لا نقصد الارتفاع التدريجي أو الطبيعي للأسعار، نحن نتحدث عن ارتفاع في السعر يصل إلى 400% أو يزيد، هذا في حالة توفر بعض السلع الضرورية، وهذه حالة من التجويع غير مسبوقة، يرافقها الإحساس بانعدام الأمن الغذائي، واللهفة النفس البشرية على تخزين السلعة حتى ولو كانت مرتفعة السعر، مع التخوف من المزيد والمزيد من انعدام الأمن الغذائي، مع سياسة العدو الإسرائيلي القائمة على إغلاق المعابر، وإن استجاب جزئياً للضغوط الدولية، وقام بفتحها، فإنه يسلط عليها قطاع الطرق، من خلال غض النظر عن إجرامهم من جهة، وإطلاق النار على كل من يتعرض لهم من رجال الشرطة.
وطالما كان العدو الإسرائيلي يتعمد تجويع الناس في غزة، وحرمانهم من مقومات الحياة، بهدف الضغط على قيادة غزة، للتنازل عن اشتراطاتها الوطنية، خلال المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار، فلماذا تتواصل المفاوضات؟ وما معنى مفاوضات تحت ضغط الجوع الذي شل عصب الحياة في غزة؟ ولماذا لا يكون لدى قيادة غزة موقف واضح وعلني وصريح، يقول للقريب والبعيد: لا لقاء مع الوسطاء، ولا مفاوضات لوقف إطلاق النار طالما ظل العدو الإسرائيلي يواصل تجويع الناس؟ لماذا لا تتمرد قيادة غزة على هذا الابتزاز الرخيص في المفاوضات؟ وثقوا يا أهلنا، أن عدم الاستجابة للوسطاء، وعدم نقاش أي ورقة تفاوضية قبل رفع الحصار، سيغير معادلة التفاوض، وسيعطي نتائج إيجابية لصالح أهل غزة، ولاسيما أن البعد الإنساني في تجويع الناس، والإرهاب الإسرائيلي في هذا الجانب غير منطقي إنسانياً، وغير مبرر سياسياً، ومرفوض من شعوب الأرض، وسيحرك المنظمات الدولية لاتخاذ مواقف حاسمة مع العدو.
تجويع الناس سياسة إسرائيلية تفضح العجز الإسرائيلي في تحقيق أي انتصار على أهل غزة من خلال سلاح القتل والقصف، وسيف التجويع يكشف عن حالة التخبط الإسرائيلي في كيفية الضغط على أهل غزة، ويكشف عن خلافات خفية، أضحت تطفو على سطح السياسة الدولية، وذلك من خلال الرسالة المشتركة التي وجهها وزير خارجية أمريكا، ووزير دفاعها، إلى نظرائهم الإسرائيليين قبل عدة أسابيع، وفيها يطالبون برفع الحصار عن سكان قطاع غزة، وإدخال ما متوسطة 350 شاحنة يومياً، ولكن الاستكبار الإسرائيلي أبى الاستجابة لتوسل أصدقائه، ورجاء داعميه، مما اضطر وزير الدفاع الإسرائيلي إلى محادثة وزير الحرب الإسرائيلي نهاية شهر أكتوبر/ تشرين أول، يحثه فيها على فتح المعابر، وزيادة عدد شاحنات المساعدات الإنسانية لأهالي قطاع غزة.
إدراك الوسطاء أن امتناع حركات المقاومة عن المشاركة في مفاوضات وقف إطلاق النار، سيوصل رسالة أهل غزة إلى كل العالم، بأن لا مفاوضات تحت سيف الجوع، وأن تجويع الناس فعل غير إنساني، وعمل إرهابي يتنافى مع قرارات الأمم المتحدة، ويتعارض مع الشرائع السماوية والوضعية.
*كاتب فلسطيني مقيم في غزة
شاهد أيضاً
الخريف الثاني..!
محمد يعقوبي* التمردات المسلحة داخل الأوطان عبر التاريخ، لا تجلب الا الخراب والدمار والمزيد من …