بقلم/ احمد الشاوش
كل الحروب والانقلابات والثورات العنيفة في الوطن العربي تؤكد ان الشرق الاوسط الجديد يسير وفقاً للسناريو الامريكي الدامي لتحقيق احلام اسرائيل الكبرى ، لاسيما بعد غزو الكويت وسقوط العراق وأنهيار الصومال وتونس وليبيا والسودان واليمن ونجاة مصر الكنانه من اخطر فتنة ومؤامرة دولية كبرى لتدمير الجيش المصري الضارب صمام أمان البيت العربي وارادته وسيادته ومؤسساته ومنجزاته واقتصاده وتشريد شعبه وتقسيم أرضه .
والمشاهد العربي يُدرك جيداً أن كل الصراعات السياسية والمعارك العسكرية والازمات الاقتصادية المبرمجة ولعبة كراسي الحكم الدوارة والخطب الحنانة والطنانة ونشر ثقافة الجهل والفقر والجوع والرعب حولت منطقة الشرق الاوسط الى جحيم.
كما عملت القوى الدولية والاقليمية بخبث على تدوير مراحل العنف الثوري والديني والقومي تحت عناوين الفوضى الخلاقة والتأكيد على ان عصر الدول الوطنية والقومية في نهاية اللعبة ، بعد مسلسل الثورات المشبوهة التي دمرت الدول والحكومات والاسلحة وهيكلة الجيوش والشعوب والمؤسسات عبر الانتفاضات الشعبية المُعدة والمصنعة والمعلبة في المعامل الامريكية والبريطانية والاسرائيلية والممولة من بعض دول الخليج وتركيا وأيران لتنفيذ أيدلوجيا الاسلام السياسي المتمثلة في التنظيم الدولي للاخوان المسلمين بكافة فروعه وأذرعة الرهيبة وعناوينه المتعددة وعلامته التجارية الموسومة بـ “السنة ” وماركاته المسجلة بالقاعدة وداعش وجبهة تحرير الشام والنصرة وبيت المقدس خير شاهد على شركات المقاومة والمقاولة لاسقاط الدول والانظمة.
وبنفس الحماس والوتيرة عمل المشروع السياسي الآخر الموازي للايدلوجيا المدمرة على استغفال وتصحير العقل وتعزيز الفقر والجوع والمرض وتغييب الوعي وذرف دموع التماسيح على الجثث والاطلال .. تحت عناوين ” الشيعة ” والتشيع واذرعه مليشيات الحشد الشعبي وخطاباته الرنانة وسيناريو تصدير ثورة الخميني منذ العام 1979م الى الدول العربية متجاهلاً حق الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، وبعد ان تسيد بالقوة في أكثر من دولة عربية توقفت فجأة عملية تحميل برنامج الهلال الشيعي وبدأ الانحسار والافول في معارك عبثية دفع فيها دم ماله ، عوضاً عن عدم توافقه مع العقل والواقع وقيم العدالة والمساواة والتسامح والتعايش السلمي والفطرة الانسانية .
وبسرعة مذهلة تساقطت النُخب والاحزاب العربية المعتقة والتي كانت اكثر استقراراً واستبداداً على مستوى الاحزاب والانظمة والنثخب ، بسقوط القادة والرؤساء والانظمة الاستبدادية في الوطن العربي لنجد عصر جديد من الافراط في الديكاتورية والاستبداد والطغيان والاعتقالات والسجون والتجويع تحت مسمى الخلافة والولاية التي كانت تشكو من الظلم ، وما ان وصلت الى السلطة بالبندقة واثارة الشارع ودغدغت عواطف الشعوب حتى تنكرت وتبرأت من قيم العدالة والمساواة ومارست الاقصاء والتهميش والتجويع والنهب تحت عناوين وكلاء الله في الارض ونظرية الحق الالهي وانا ومن الطوفان.
وفي ظل سياسة الجلاد الامريكي والبريطاني والغطرسة الاسرائيلية ، دخل الوطن العربي في عواصف سياسية وايدلوجية ونرجسية ثورية تؤمن بالقوة والسلاح والتضليل والفجور السياسي كوسيلة للوصل الى الحكم ولعبت واشنطن ولندن وتل ابيب على بندقية السنة والشيعة والجمهوريات والملكيات والقوميات والاقليات والمذاهب والاعراق والاجناس والمناطق وثقافة الانفتاح والتحولات والمتغيرات والانقلابات المتسارعة التي ألقت بظلالها على المنطقة العربية ، وصعد عبر قاطرتها الى العروش والقصور الرئاسية مليشيات ومنتجات وطنية مزيفة وقومية كاذبة وايدلوجية تابعة وثورية حاقدة حولت الوطن العربي الى دمار ودماء واطلال وكانتونات وفقر وجوع بلاحدود.
والحقيقة ان العقل والفكر الامريكي والاوروبي النير وقيم العدالة والمساواة والحرية بين شعوبه تغلب عبر سلطان العلم وثورة التكنولويجيا على ايدلوجيا الاسلام السياسي والنظريات الماركسية والاشتراكية والناصرية والبعثية وغيرها من عناوين اليسار واليمين والتطرف والتشدد ، رغم ان تلك النظريات والمفاهيم والسيناريوهات والتجارب كانت نتاج للمُصنع الغربي والشرقي الذي يُمثل قمة الاستبداد والطغيان ضد شعوب العالم الثالث ونهب ثرواته والسيطرة على مواقعه الاستراتيجية واجتثاث كل من يقف امام نزواته ومصالحة الغير مشروعة .
لقد برهنت الاحداث اليومية على سقوط هويتنا العربية والاسلامية وتحطيم قادتناالمستبدين وانصاف الطغاة ونُخبنا المحنطة واحزابنا الكرتونية ومثقفينا واعشار العلماء وسيادتنا وارادتنا وثرواتنا ومصادرة آمالنا وطموحاتنا وحاضرنا ومستقبلنا في ظل رياح التغيير العاتية والعواصف السياسية والعسكرية والاقتصادية والفكرية التي تقتلع كل شيء امامها بمعاول واشنطن ولندن وتل ابيب وادواتها الرخيصة بعد ان شككونا في كل رئيس وقائد وزعيم وحزب ورجل دين ومثقف ومفكر ووطني وحكيم وحولونا الى حقل تجارب كالحيوانات في مراكز الابحاث .
راهن الجمهوريين والملكيين والوطنيين والقوميين وجماعات الاسلام السياسي على امريكا وبريطانيا وروسيا وتركيا وايران وقطر والامارات والسعودية وسلطنة عمان وغيرها من الدول لتخليدهم على كراسي السلطة والتسلط ، لنكتسف أخيراً ان العالم عبارة عن صفقات ومصالح وأن المتغطي بالامريكان عرياااان .. والمتلحف بالروس مخلوووس..
وتحت عناوين الاستقواء وفزاعة حماية الغرب والشرق عبث القادة والرؤساء والملوك والامراء بالسيادة والثروات والمواقع الاستراتيجية والمتاجرة بالشعوب والتفنن في صناعة الفقر والجوع والبطالة وبناء السجون ونسج المؤامرت والانقلابات والثورات ضد بعضهم نيابة عن امريكا واسرائيل في ظل غياب العقل والشفافية والنزاهة والمساءلة والشعوب الناضجة.
شاهدنا كيف تم تجييش التنظيم الدولي للاخوان المسلمين للشباب والزج بهم في محرقة الموت بافغانستان في ثمانينات القرن لقتال الاتحاد السوفيتي نيابة عن الجنود الامريكيين والاوروبيين ، بالمال العربي والدم العربي والدعم الخليجي وتحت يافطة ” لا اله الا الله ” ، والعجيب ان كل الخسائر الفادحة في الارواح والاموال ليس انتصاراً للاسلام وفي سبيل تحرير افغانستان من المد الشيوعي والماركسي وانما تحقيقاً لمصالح العم سام وحفاظاً على الجندي الامريكي في معركته مع الدب الروسي ، والقادة والسياسيون ومشائخ الاسلام السياسي يدركون ذلك جيداً ولكنهم يكتمون.
وبدهاء الولايات المتحدة تم استنزاف الفصائل الاسلامية وطحنها والتخلص منها واقامة مناطق لامراء الحرب في افغانستان ، والترتيب لمجئ جماعة طالبان الارهابية الى سدة الحكم وفق السيناريو المعد في دهاليز البنتاغون ، لتدخل جماعة وفصائل الاسلام السياسي في لعبة المتاهة والضياع والتشرد والملاحقة والموت ، دون ان يُدركوا انهم مجرد شقاااة بالمأكل والمشرب والاجر على الله وانهم مجرد ادوات مهمتها تدمير الدولة والمنجزات وسفك الدماء لمصلحة العم سام.
وبنفس الثقة وسرعة الصوت والسيناريو المُعد مسبقاً تدخل “جبهة تحرير الشام” ، المصنفة امريكياً بالارهاب وقائدها ابوعلي الجولاني “احمد الشرع” وغيره من الفصائل ، فتسقط المطارات والمعسكرات ومخازن الاسلحة الضاربة في معارك شكلية متفق عليها اقليمياً ودولياً وتُفتح له أبواب ومدن سوريا واحدة تلو الاخرى حتى دخول القصر الجمهوري في دمشق وتعين احد اتباعه محمد البشير رئيساً للحكومة ، بالتزامن مع مسرحية الانسحاب التكتيكي للجيش العربي السوري المتفق عليها وعملية التراجع الذي سلم فصائل المعارضة مؤسسات الدولة السورية في واحدة من أسرع معارك التاريخ التي وضعت نهاية للرئيس السوري بشار الاسد وجيشه وحزبة واسلحته .. بينما المواطن المظلوم الذي تم افقارة وتجويعه وارهابه بسبب وبدون سببب خلال عقود يعيش لحظة الخوف والفرح من القوى الصاعدة بقوة السلاح ولاُيدرك لغز سقوط دمشق ، الذي كان للظلم والاستبداد والسجون الرهيبة والتعذيب المريع بعيداً عن القضاء العادل وانتشار الفقر والجوع والبطالة وتهجير الملايين مقدمة للرحيل وكتابة سيناريو النهاية ، لاسيما في ظل عقوبات قانون قيصر القاتلة وانهيار الاقتصاد والليرة السورية واستنزاف مدخرات الشعب السوري وانتشار رعب المليشيات والاجهزة الامنية ، الذي دفع الناس الى انتظار المنقذ أياً كان لاستنشاق الحرية دون ان الخوف من القادم في ظل وجود 37 من فصائل المعارضة المختلفة المشارب والمناطق والاهواء والتبعية والعمالة.
لاحظنا كيف دخل الحوثيون الى عمران وكيف سقط القشيبي وتخلى عنه حزب الاصلاح أحد اذرع التنظيم العالمي للاخوان المسلمين ، وكيف اعلن الرئيس عبدربه منصور .. “اليوم تعود مدينة عمران الى عاصمة الدولة اليمنية” وكيف سقطت صنعاء وكيف تسابقت القوى السياسية اليمنية للتنسيق مع الحوثيين ومغازلتهم وتقديم الاعتذار.
وشاهدنا بأم اعيننا كيف حكمت الجماعة وتوسعت ووصلت الى القصر الجمهوري بصنعاء والشراكة الصورية مع القوى السياسية وكيف أثرت بالمال والتجارة والعقارات ورغم ذلك لا تريد ان تتحمل المسؤولية الدستورية والقانونية وتطبق ان الدولة “حقوق وواجبات” وان العدالة أولوية…
تابعنا كيف دعمة قطر وسلطنة عمان وايران الحوثيين وحتى سفير امريكا السابق الذي حل ضيفاً في صعدة في مأدبة غداء كبيرة منذ أعوام تليق بمقامة رغم الموت لامريكا .. الموت لاسرائيل ومازلنا لا نفهم اللغز الذي تفضل امريكا عصر الجماعات على الدول الوطنية والقومية.
نظرنا كيف سيطر حزب الاصلاح على مأرب واعد جيشه الخاص وكيف أصبح دولة داخل الدولة وامبراطورية مالية بالشركات والمؤسسات والمدارس والجامعات الخاصة والمستشفيات والمصارف قبل وبعد ان جلس على براميل الغاز والتجارة بدعم الادارة الامريكية له من قبل اوباما وهيلاري كلينتون والحزب الديمقراطي قبل وبعد الفرار من صنعاء.
رأينا كيف تنكر قائد الفرقة الاولى مدرع المجاهد على محسن الاحمر في ثوب نسائي وفي قمة الحشمة واصبح في لحظة ضعف وخوف حرم السفير السعودي ليخرج السفير السعودي محمد ال جابر كاشفاً عن لغز صعود الطيارة والجنرال وتهميشه بينما كان في صنعاء معزز مكرم وقائد عسكري ووجاهة قبلية يُحسب له الف حساب في عصر الدولة .
لم نتعلم من لعنة الكويت وغزو العراق للكويت العربية اليد واللسان وتحريرها وسقوط بغداد وتسريح الجيش وتدمير الاسلحة الاستراتيجية وافشال المؤسسات ونهب الثروت والنفط وتحويل العراق من وطن آمن ومستقر ومُصنع يؤمن بقيم التعايش والتسامح والبناء والازدهار الى الفقر والجوع والبطالة والاغتيالات والسجون نتيجة للمليشيات المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية وايران وبعض دول الخليج ، تارة لخلافات شخصية واخرى عقائدية وفي اطار الاستبداد تدفع الشعوب الثمن.
رأينا ماجرى في السودان من احداث مأساوية ومعارك طاحنة وعمليات تهجير وتشريد ودماء ودمار ونهب ثروات من ايام نميري وحسن البشير ، وحالياً بين الجيش السوداني بقيادة البرهان ومليشيات حميدتي ، وكيف تحولت السودان الى صراع اقليمي ودولي يدفع ضريبته الشعب السوداني من أجل جره بالقوة الى التطبيع مع العدو الاسرائيلي وهيكلة جيشة وتدمير اسلحته ومنجزاته ، ليخرج الشعب السوداني من ديكتاتور الى ديكتاتور أكبر ومن استبداد حاكم الى استبداد جماعة وعصابة والضحية الشعب ، وقيس على ذلك كل بلد عربي مُثخن بالقضايا المأساوية والجوع في ظل ثرواته المنهوبة.
لقد وجدت اسرائيل أكبر فرصة في التاريخ لقصف وتدمير 5 قطع بحرية في ميناء اللاذقية وتحطيم عشرات المقاتلات السورية الرابضة في مطاراتها دون ان نسمع من فصائل المعارضة” المليشيات” السورية بيان ادانة أو تنديد أو حماية لترسانة الشعب السوري ، بينما كانت القوة البحرية والجوية السورية أكثر حماية لترساناتها العسكرية خلال سنوات الرئيس السابق بشار الاسد رغم القصف الاسرائيلي اليومي على بعض النقاط .
أخيراً .. حمى الله مصر وجيش مصر وشعب مصر وسيادة مصر من سيناريو الفتن والمؤامرة القديمة – الجديدة التي تُحاك خيوطه في واشنطن وتل ابيب وبعض الدول الاقليمية لاستكمال السيناريو الفاشل والبشع للعام 2011 ، وتحريك مليشيات الاسلام السياسي من خلال النسخة الثانية للاجرام مستقبلاً لاسيما بعد سقوط سوريا وسيناريو هيكلة الجيش وتدمير السلاح في اطار مسلسل اسقاط الدول .. آملين من القيادة المصرية والعيون الساهرة والالتفاف الشعبي الجاهزية الكبرى لافشال وتدمير أي مخطط او حركة مشبوهة تحت أي مسمى تريد فتح ثغرة في البيت المصري الذي يستظل تحت سقفه كافة ابناءه بمختلف مشاربهم السياسية والدينية والمذهبية والثقافية.
والغريب في الامر ان الوطن العربي بكل انظمته الجمهورية والملكية ومليشياته دون استثناء يتفنن في بناء واتقان وتنمية واعمار السجون وملاحقة المعارضين والمنتقدين وتكميم الافواة بالقوة بدلاً من الشفافية والنزاهة والحرية والتداول السلمي للسطة وان يكون القضاء العادل والمستقل هو مرجع الجميع لاستمرار الحياة.. والخوف من مؤامرة تقسيم سوريا .
shawish22@gmail>com