الإثنين , ديسمبر 23 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / اراء / الحديدة..ادلع يارشيد على وجه الميه

الحديدة..ادلع يارشيد على وجه الميه

 

بقلم/ احمد الشاوش

جميلة هي سنوات العمر في السبعينات والثمانينات ، تلك الفترة الذهبية التي مثلت بداية الوعي والادراك ، والامل والطموح للإنسان اليمني الذي تدفق الى المدارس والمعاهد والجامعات بحثاً عن الحياة والتشرب من مناهل العلم في شتى فنون المعرفة والثقافة والفكر والفن والادب والشعر والصحافة وتأهيل القوى البشرية في ظل توفر فرص العمل التي عكست ثمارها في عمليات التنمية والبناء والامن والاستقرار وتحويلات المغتربين والانتعاش الاقتصادي في ظل راية الثورة والجمهورية التي آمنت برسالة التعليم والقضاء على التخلف وأنهت الامتيازات بين الطبقات .

آلاف الخريجين والخريجات في الطب والهندسة والصيدلة والادارة والمحاسبة والاقتصاد والشريعة والقانون والتربية والتعليم والتاريخ والكيمياء والفيزياء و الزراعة والصحافة والاعلام شاركوا في بناء وادارة مؤسسات الدولة والمجتمع واحدثوا تنمية في كافة مجالات الحياة..

أقبال كبير واهتمام غير عادي على التعليم نتيجة للوعي الناضج للفرد والاسرة والمجتمع .. طلاب وزهرات كالطيور المسافرة تهب من كل مدينة وقرية للالتحاق بالصفوف الابتدائية والاعدادية والثانوية حتى الجامعة ، سيراً على الاقدام مسافة ثلاثة الى خمسة كيلوا متر من قراهم في صنعاء وتعز وإب والحديدة وغيرها من المدن والقرى اليمنية لتلقي العلم والعودة الى منازلهم حُباً في العلم ورسالته التي تحمل كل معاني الانسانية للتحرر من الجهل والاستبداد والمشاركة في التنمية والبناء والاعمار والازدهار .

كانت الدولة والحكومة والمؤسسات التربوية والتعليمية تقدم الكتب المجانية والدراسة المجانية والمدرسين اليمنيين والمصريين الاكفاء لان رجال تلك المرحلة كان لهم خطط واهداف انسانية وكانوا أكثر ايماناً برسالة العلم الخالدة وجسوره الثقافية التي تُحقق الاحلام والطموحات والاهداف الوطنية النبيلة.

لقد أهتمت الدولة ومؤسساتها العلمية بالانسان وصقله ورعايته وتوفير فرص العمل للخريج ، حتى طلبة المدارس الاعدادية كانوا يجدون فرصتهم في العمل بمؤسسات الدولة خلال فترة الاجازة الصيفية من باب أكتساب الخبرة والتشجيع وفتح مواطن للرزق وربط المواطن بالدولة.

كانت الحياة عامرة بالعلوم وروافد الثقافة وتميز المجتمع بشغف القراءة ، ومتابعة الصحف والمجلات والاذاعات المحلية والعربية والاجنبية..

كان مجتمع أكثر حباً للاطلاع ومتابعة المجلات والصحف الثقافية والسياسية والاجتماعية والفنية والفكرية وفنون الادب والشعر ، لاسيما في ظل وجود العباقرة والمبدعين الذين كانوا يحرصون على أقتناء صحيفة الثورة والجمهورية و14 أكتوبر وآخر ساعة والاهرام وروز اليوسف واكتوبر والشبكة والموعد والهلال والكواكب ةالحوادث والعربي الكويتية والدوحة والكويت ومجلة المجلة والشرق الاوسط وغيرها من المجلات والصحف الرائدة

كان المجتمع اليمني نظيف العقل والقلب واليد واللسان بقيمه الفاضلة وانسانيته وتسامحه وتعايشه وتكافلة وحُبه وتعاونه وتعاطفه وامانته وصدقه ووطنيته وهويته وعروبته واسلامة المعتدل ..بينما شاهد الحال اليوم أن المجتمع اليمني تحول وتم تفكيكه وهيكلته وهدم قيمه السامية التي كانت محل فخر واعتزاز للقاصي والداني وعنوان لتاريخه الحضاري.

كان المجتمع اليمني ينظر الى الطالب بتقدير واحترام ، وكانت الكثير من المطاعم والبوافي في تعز وصنعاء وغيرها تُقدم وجبة الصبوح أو الشاي مجاناً للطالب الفقير او الذي ليس لديه مصروف من باب التعاون والتكافل والتشجيع لجيل الغد ، وكان المسؤول يشعر بالمسؤولية القانونية والاخلاقية والانسانية وأحترام الآخرين ، وكأن الكرسي مفصل عليه لكفاءته وخبرته ونزاهته رغم وجود هامش ضئيل من الفساد.

والغريب في الامر اليوم ، ولاغريب الا الشيطان ، ان التعليم دخل غرفة العناية المركزة وان التربية في خبر كان وان التنوع الثقافي تم اختزاله في لون واحد او أثنين على الاقل وان المناصب والوزارات والمؤسسات والهيئات والقضاء أصبحت حصرية وبعضها مقسم على الاحباب والمنافقين والمزايدن والانتهازيين والمتحولين سياسياً مثل الشرق الاوسط الجديد .

ومن محاسن الصدف ان كل جعنان اهدوا له وزارة وكل مدل عوضوه بمنصب ” وبعدها قلب اسمه صلاح ” ، وبدأ يشخط وينخط ويرعد ويزبد ويستقوى على الموظف الرسمي ويتكبر على المواطن ويتحايل على الحقوق ويستغل منصبة للاثراء الغير مشروع وكأن الوزارة والمنصب من تركة أبووووه ، وعندما تطالبه بحقوقك يقول لك انا جديد في المنصب وحقوقك يصرفها الوزير او الرئيس السابق الذي عينوه في بقعة جديدة ، رغم ان حالته كانت سابقاً قبل الاسلام والثورة المباركة عطل مثل التنك .

ولولا فوضى الولاءات الزائفة واللوبيات وتقاسم المناصب والمكاتب والاحياء والاموات والقفز على الدستور والقانون ومعايير وشروط الوظيفة العامة وغياب وتغييب هيئة مكافحة الفساد ضد مراكز القوى العابثة ورقدة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تأسياً برقدة أهل الكهف وشيطنة بعض النيابات والمحاكم والقضاة والمجاملات والاتصالات المشفرة لزُج بألاف الفاسدين في السجون وما وصل السواد الاعظم من الفاشلين والمحنطين والمعاقين والفاسدين الى وظيفة حارس مبنى أو امين صندوق أو مسؤول بيده رقاب الناس.

كل يوم نسمع ان بعض رجال الحكومة في محافظة اااالحديدة .. مابيفعلوا المؤمنين .. قالوا في عروس البحر الاحمر ” بيدفو .. صنعاء باردة وفقر بيدق حتى العصب السابع ، وذمار بيسرطين الركب ، وحجة وصعدة آخر حلاوى وبيت معدن مابش عليهم صلاة من شدة البرد وغياب المكيفات..

كل أسبوع والقائد والوزير الفلاني والمشرف العلاني في الحديدة .. لسان حال المراجعين يقول .. أين بويونس ..أين بو عنتر .. الجواب في الحديدة .. مابيفعل في الحديدة ياجماعة الخير .. قالوا بيدفئ .. مستبرد بينه زكمه .. في مهنة .. برد صنعاء مايخارج والمكينة حقه ثمانية سلندر مالها الا عسل ولحوم واسماك وقات شاااامي طارد للرياح وجناح خمسة نجوم يدفي البدن ..

السؤال متى بايعودوا سواح وموظفي حكومة التغيير والبناء وغيرهم من الحديدة للنظر في قضايا الناس وشكاوى ومصالح المواطنين العاجلة والمؤجلة .. قالوا أش قسطك ياااااخبيررر .. كما جاء بو رررررعد بانتصل لك .. وعليها وكان الله في عون المواطن ، بينما رجال الجمارك والضرائب والزكاة شغالين قرعة ودافيين بالعسل والسمن والزبيب والجواكت الشتوية طوال العام حتى وان صنف البعض زيارة مدينة الحديدة للاستجمام والاستحمام فزيادة الخير خيرين .. يدفئ ابو حنيفة ولايبالي .. ارزاااااق!!

وامام هذه التخمة والاريحية والاسراف العجيب والعمل عن بُعد علينا ان نحترم مشاعر ونفسيات ابناء الحديدة الذين هم تحت خط الفقر والجوع والعطش .. الذين أصبحوا هالكين .. طايحين .. في عداد الموتى من البرد القارس والفقر المدقع والجوع القاتل ، والعودة للنظر في قضايا الناس.

والحقيقية ان شاهد الحال يقول ان السواد الاعظم من ابناء الحديدة يبحثون عن بطانية في الشتاء والبعض يفترش كرتون تحت جسدة وفي الصيف يدوروا ملايه او ناموسية كدرع واقي من النامس .. وملائكة الرحمة واللحمة شغالين ماشاء الله بالمكيفات والغرف الفندقية والاجنجة والقوازي والعريكة وهات ياموائد ومعارك غذائية على طاولة عروس البحر الاحمر ، بينما ابناء المدينة يتضورون جوعاً دون من يلتفت الى معاناتهم ومآسيهم وحياتهم البائسة بعين الشفقة والرحمة.

نتذكر الزمن الجميل والافلام الجميلة واغنية..ادلع يارشيد.. التي كانت تُردد في احد الافلام الجميلة في رحلة الى الاسكندية والناس تتفاعل وتغني” ادلع يارشيد على وجه الميه” ، وحالات البساطة والسعادة والفن بلاحدود قبل ان تقرح البلد جووووووو.

ماتزال الذاكرة تستعرض ذكرياتنا في صنعاء وزياراتنا المتعددة لعروس البحر الاحمر وطيبة وبساطة أهلها وجمال وحلاوة الريف واسواقها الشعبية أيام الرخاء والازدهار والامن والاستقرار ، بينما اليوم حُرمت علينا محافظة الحديدة كما حُرمت على سعيد اليهودي وأصبحت السياحة اليها لمن استطاع اليه سبيلا .. بعد ان تم تجفيف الحقوق والمرتبات والحوافز وصارت الاسعار على نار هادئة ، واصبح الكثير يعجز عن توفير مائة ريال يمني لقضاء مشوار خاص به او الانتقال الى مستشفى او سوق على دباب أجرة فما بالنا بمجرد التفكير في رحلة الى الحديدة بعد ان تعطلت العقول والجيوب والبطون والبيوت ورفعت الاقلام وجفت الصحف واصبح لسان حال الفقير الى الله .. ياحسرته على العباد .

أخيراً ..كان الكثير من اليمنيين يشغل سيارته فجأة أول مايخطر باله على الحديدة أو يركب سيارة بيجو بأرخص الاثمان ناوياً السفر الى الحديدة للسياحة والسباحة والراحة وتغيير الجو بسعادة لاتوصف وفي ظل أمن واستقرار دون ان تعترضه نقطة او برميل او قاطع طريق وفي الطريق يردد اغنية السنيدار ” خطر قبالي في الحديدة اسمر ، أو اغنية ايوب طارش .. دق القاع دقة ، اليوم الكل بيدقدق المواطن بطريقته وأصبحت زيارة الحديدة لمن استطاع اليه سبيلا ، بعد ان حيرف الشعب اليمني وجاع المواطن وتجعجع الناس واصبحت الحديدة عبارة عن ذكريات جميلة مثل احلام اليقضة بعد ان فقدت جمالها وضاع أهلها ونُهبت اراضيها من المتهبشين السابقين واللاحقين ..
لذلك لسان حال ابناء الحديدة يقول ..ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء.

عن اليمن الحر

شاهد أيضاً

إلى محلّلي الفضائيات..!

د.عديل الشرمان* صحيح أن مشاهد القتل والقصف والدمار والإبادة التي نشاهدها على شاشات التلفزة العربية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *