بقلم/ فيصل مكرم:
خطاب هيئة تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع منذ اجتياح قواتها مُحافظات سوريا وصولًا إلى العاصمة دمشق وإسقاط نظام بشار الأسد، ثم السيطرة على السلطة، يبعث على الإعجاب ويجد القَبول لدى الشعب السوري والشعوب العربية والمُحيط الإقليمي والأقطاب الدولية، وفي المقابل يثير الكثير من المخاوف من أن يكون خطاب تطمين أو من وسائل التمكّن والسيطرة لفرض أمرٍ واقعٍ في دمشق في قادم الأيام، وفي اعتقادي أن كلا الأمرين يتقاطعان مع حقيقة التطورات المهمة التي تحدث اليوم في سوريا بعد نظام الأسدين ومنظومتهما الفاسدة، وهناك تحول كبير في خطاب الشرع من التشدّد الديني الرافض لكل ما يعتبره مخالفًا للدين ورفض الآخر، أي آخر كان، في سبيل رفع راية الجهاد ومحاربة الكفر وقيام الخلافة الإسلامية، إلى خطاب أقرب إلى الليبرالية منه إلى الجهادية، وأقرب إلى المدنية منه إلى الثورية، وفيه الكثير من الوعود التي يتطلع الشعبُ السوري إلى تحقيقها لجهة المشاركة الوطنية والحريات العامة والديمقراطية بعد نصف قرن من القمع والفساد وحكم الفرد الأوحد والحزب الواحد. القائد الذي ظفر بإسقاط النظام ودخول دمشق أحمد الشرع لم يتوقف عن طمأنة الشعب السوري بأن القادم أفضل لسوريا، وبأن كل مُكوّنات وطوائف وتيارات الشعب السوري ستكون شريكةً في صنع مستقبل البلد، وفي آخر تصريحاته بعث برسائل تطمين للدول العربية بأن الثورة انتهت بسقوط نظام الأسد وبأنها لن تشكّلَ أي مخاوف للدول العربية لأنها غير قابلة للتصدير، وأكد أن سوريا الجديدة بحاجةٍ للعالم العربي لمواجهة كل التحديات، وهو بالطبع أرسل رسائل غير مباشرة إلى إسرائيل، التي دمرت إمكانات الجيش السوري بمئات الغارات تزامنًا مع دخول هيئة تحرير الشام إلى دمشق، حيث قام نتنياهو باحتلال المنطقة العازلة وأدخل قواته لاحتلال جبل الشيخ وعشرات القرى في العمق السوري في خطوةٍ توسعيةٍ واضحةٍ، فقال الشرع إنه لا يوجد لدى دمشق رغبة ولا قدرة على محاربة إسرائيل، وأكد أن عَلاقته بتنظيم القاعدة أصبحت من الماضي، وأنه لا مكان في سوريا لأي جماعاتٍ إرهابيةٍ بعد الآن. بالطبع كل هذه التطورات التي حدثت في سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية ولا يزال يترقبها العالم بحذرٍ شديدٍ ينظر إليها غالبية السوريين بأنها تترجم تطلعاته المستقبلية بعد الانعتاق من حكم الأسد، حيث يعتقد السوريون أنه من المبكر جدًا الحكم على الشرع، وأن من حقه الحصول على الفرصة الكافية ليتم الحكم على مصداقية أقواله بالأفعال الملموسة، فالدولة السورية الجديدة تحمل إرثًا ثقيلًا من المِلفات الملغومة، وعليها تفكيكها دون خسائر جانبية والكثير من الأزمات، من أجل استعادة السيادة والموارد، عليها أن تتجاوزها بتكاتف وإرادة شعبها، ولكن عليها أولًا ألا تبتعد عن عمقها العربي وأن تختارَ لنفسها صيغة حكم رشيد يقودها نحو الاستقرار وينفض عن كاهلها غبار الحرب والفساد والوصاية والعقوبات الدولية وإرث النظام السابق، وكلها أحمال ثقيلة يتوجب على الشرع أن يدركَ تبعاتها على المدى المنظور والمدى الطويل، وبالتالي لا بدّ من حكومةٍ انتقاليةٍ جامعةٍ يشاهد فيها الشعب السوري كل ألوان المكونات الوطنية تخلف الحكومة المؤقتة الحالية في مارس القادم، وتنتقل بالبلد من المرحلة الثورية ذات اللون الواحد إلى مرحلة بناء الدولة المدنية بكافة مؤسساتها، تعبّر عن إرادة الشعب في دستورٍ جامعٍ وضامنٍ لا يُقصي طرفًا ولا يستثني آخر، ذلك أن الشعب السوري قادر على تحمل مسؤولية مستقبل وطنه وترتيب أولوياته الداخلية وضبط إيقاع عَلاقاته الخارجية وإعادة سوريا إلى عمقها العربي ومركزها الإقليمي والدولي الذي تستحقه، وهنا يحضرني ما قاله الفنان السوري بسام كوسا لإحدى الفضائيات قبل أيام حول التغيير الكبير في خطاب قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع لجهة بناء الدولة المدنية والمشاركة الوطنية الشاملة وتحقيق مساراتٍ سياسيةٍ جديدةٍ تستوعب كل مُكوّنات الشعب السوري، بأنه يحمل مبادئ نبيلة تُدرس في التاريخ السياسي السوري والعربي المعاصر، فقط نتمنى وننتظر أن تتحولَ من أقوالٍ إلى أفعالٍ… وللحديث بقية.
صحفي وكاتب يمني
fmukaram@gmail.com
@fmukaram