علي الزعتري*
فليسمح لي مُعجبي ڤلاديمير پوتين أن أضعهُ في خانةِ المساواةِ مع “صديقهِ” دونالد ترمپ في شهوة مَدِّ النفوذ! فإن كان ڤلاديمير لا يخشى لومةَ لائم في حمايةِ نفوذ وأمن روسيا العُظمى عندما يضم إلى روسيا مناطق من الجِوار فها هو دونالد يقول ذات الشيء بخصوص قناة پنما وجزيرة غرينلاند الدانمركية وكندا وغداً ربما بعضاً من المكسيك.
الشهية الاستعمارية لم تتوقف منذ بدء الاستعمار الأوروبي وعلى الرغم من موجة الاستقلال لا تزال عديد المناطق تحت سلطة دول أوروبية وأمريكا وروسيا. للولايات المتحدة ١٧ وللملكة المتحدة ١٤ ولفرنسا ١٢ ولأستراليا ١٠ ولهولندا ٦ والنيوزيلاندا لها واحدة أما البرتغال فلها اثنتين وروسيا ثمانية. تتوزع هذه المناطق بين القارات والبحار وأغلبها جزرٌ لكنها ترفع أعلام بلادٍ بعيدةٍ تسيطر عليها منذ بدأت الأساطيل الأوروبية “إكتشاف” البحار والاستيلاء بالقوة والقهر بإسم التجارة ونشر الدين وحماية الإرساليات التبشيرية. أو لأسباب جغرافية استراتيجية كموقع الجزر وجعلها قواعد إمداد وتسكين مواطنيها في هذه الجزر ثم حمايتهم. أو في أوقات لاحقة لاستخدام الجزر والأراضي النائية للتجارب العسكرية مثلما فعلت كل الدول المالكة للسلاح النووي، ومنها ما فعلته فرنسا في الجزائر. وكانت هذه الدول الاستعمارية وتبقى مستعدةً لقمع محاولات استقلال أو تحريرِ هذه المناطق والجزر طالما تستفيد منها مثلما فعلت بريطانيا في الفولكلاند عام ١٩٨٢ وفعلت فرنسا في غيانا الفرنسية العام الماضي.
في وقتنا هذا لا تتورع الولايات المتحدة عن احتلال أراضٍ في سوريا وتحذو حذوها “إسرائيل” كلما أرادت ولا يوقفهما وازعٌ أو قانونٌ بل يدفعهما ما يقرران أنه مقتضيات الأمن القومي لهما. وإذا اعتبرنا أننا كما يقولون في الخليج العربي “طوفة هبيطة” (جدارٌ مائلٌ) نُغري الغير بغزونا متى شاء فما بال كندا وغرينلاند أمام طمع ترمپ وهي ليست هبيطةً أو مائلةً بأي حالٍ نعرفه؟
في الواقع لا يمكن نفي القيمة الثمينة جداً لقناة پنما وغرينلاند و كندا لأمريكا ولا نفي العقلية الترمپية التجارية الاستحواذية لكن ما هكذا تُؤكلُ الكتف، أليس كذلك؟ يعني بالإمكان إبداء الاهتمام بالحوار واقتراح الاتفاقيات إلى آخره وبما يُرضي الجميع. لكن العجيب هو أن رئيساً قادماً وأعوانهُ يتداولون الموضوع علناً بالخرائط والترهيب وهو يعكسُ راحةَ مجانين العظمة الحديثين في إبداء الرغبةِ بالاستعمار حتى ممن هم حلفاء لهم. وعندما انتفض جاستن ترودو رافضاً الرغبة الأمريكية قام إيلون مصك بالسخرية منه بوصفهِ بالفتاة وهو وصفٌ تستخدمه فئات الشواذ لوصف رجلٍ شاذ، وتثور شائعاتٌ منذ فترة أن ترودو لديه ميول شاذة. أما المستشار الألماني شولتز فقد غضبَ من انتقاد مصك له فوصفَ مصك أنه مجنون. هذه لغةٌ غير مألوفة بين الحلفاء تعيدنا للتاريخ الاستعماري الذي كان يشهد التراشق اللفظي ثم العسكري بين الممالك الأوروبية في صراعها على المستعمرات ومناطق نفوذها. فهل سنشهد تصعيداً استعمارياً بين حلفاء العالم الأول؟ وماذا سيكون موقف روسيا والصين والمجموعات الدولية المختلفة؟ الكثير منهم يرون في ترمپ ورهطهِ زلاّٰتِ ألسنةٍ ستعقلها السياسة الحقيقية عندما يصلون للبيت الأبيض وهي السياسة القائمة على تجنيب العالم ما يمكن أن يجر القوى لصراعٍ مباشرٍ قد يجلب الدمار الكلي للعالم وساكن البيت الأبيض يعلم أن الهواتف الحمراء ستستخدم إذا عبرت السياسات المعلنة والخفية خطوط النفوذ المتعارف عليها. لكن هذا لا يمنع الصراع بالنيابة مثلما يحصل في أوكرانيا و مؤخراً في سوريا أو غيرها مما سنكتشف.
امتداد النفوذ شهوةٌ كمينةٌ لدى القوى الصغيرة والكبيرة لكن نوعية الامتداد الاستعماري تختلف بحسب الظروف والغايات. منهم من يتمدد عسكريا بموافقةٍ أو غصباً ومنهم من يسيطر تجارياً ومنهم من يسيطر ثقافياً وحضارياً ولغوياً. هناك موازين تعتمدها الدول والقوى لحفظ مصالحهم، مثل المعاهدات الدولية و الثنائية، و أجهزة رقابة ومتابعة لها. تختل الموازين عندما تعتقد قوةٌ أنها أكبر من معاهدة أو أنها ظُلِمتْ بتغير الظروف فتسعى لتعديل موقفها. ما نراه اليوم هو اقتناع قوى مثل روسيا و أمريكا و”إسرائيل” أن بمقدورها تغيير الجغرافيا والتاريخ لصالحها. هل سنرى “إسرائيل” الكبرى من النيل للفرات؟ هل سنرى كندا وپنما وغرينلاند تحت العلم الأمريكي؟ هل سنرى نصف أوكرانيا تحت العلم الروسي؟ و قِسْ على هذا الأطماع الباقية المعروفة والتي يحتفظ بها الساسة في الأدراج انتظاراً للوقت المناسب.
ملاحظةٌ أخيرة هي بعض حقيقة وبعض طُرفة وبعض نبوءة. تخيلوا في هذا الزمان ذو الذكاء الاصطناعي و “الهيومانويدز” أن يصل المريخ مركبة فضاء أمريكية ممتلأةً بآليات الذكاء الصناعي المتحركة كالإنس ومعها أعلامٌ أمريكية تزرعها بأرض المريخ وتبدأ بإقامة المستعمرات لتعلنه الولاية الفضائية الأولى لأمريكا؟! معقول؟ نعم، معقول. في ولايته الأولى أنشأ دونالد ترمب سلاحاً جديداً هو السلاح الفضائي الذي يمتلك سلسلة القيادة والشعار. لم يُنشر عنه الكثير غير أن المهمات العسكرية الفضائية الأمريكية لا تتوقف وتبقى في الفضاء بمهمات سرية لأسابيع وأشهر. وما المريخ عنها ببعيد.
*كاتب اردني
شاهد أيضاً
أيها الحكام العرب.. لا تغيروا الموضوع!
د. وليد عبد الحي* عندما تستمع للإعلام الرسمي لأية دولة عربية، او تطالع صحفها الرسمية، …