فؤاد البطاينة*
في قوانين الطبيعة، ميزان القوة بأسبابها وحده الحاسم في الصراعات. وأمريكا الصهيونية التي تتفوق بالقوة الغاشمة عالمياً، تستهدف العرب بإمبرياليتها وصهيونيتها، كعجل سمين وضعيف، وتستخدم قوتها بشكل مفرط في الكم والنوع بمعزل عن أي معيار قيمي أو سياسي أو عسكري، كاستراتيجية إرهابية للضحية ولغيرها، وللنصر السريع.
ماذا ننتظر كأمة عربية، والصهيونية الأمريكية هذه قد نالت منا وتنال وستنال أكثر لنصبح حسب رغبتها المثل الثاني للهنود الحمر؟ فالمسألة لا تتوقف عند فلسطين، لكن فلسطين مرجعيتهم ومرجعيتنا كعرب لحسم الصراع. وما زالت مستعصية عليهم بفعل صمود شعبها وصلابة مقاومتها بقوة العقيدة الإيمانية ورفض الإستسلام، رغم الحصار بين جدران. فماذا ينتظر العرب، ومصيرهم كان ً وما زال مرتبطا بمصير هذه المرجعية (فلسطين).
ماذا ننتظر ودولنا بمعظمها مستعمرة تنتظر تغيير شكل ومضمون المستعمرات لشرق أوسط صهيوني، وأخرى تتهاوى، والأولوية المفترضة هي التحرير السياسي، بينما حكامها يعيشون بين حالتي الإنكار النفسية والتواطؤ. ومهما طوروا أنفسهم للأسوأ وانبطحوا حماية لأنفسهم سيبقى أمر تبديلهم أمراً حيوياً للقوة الغاشمة لتحقيق أهدافها المتُقدمة المعلنة وغير المعلنة. وشعوبنا في بيات شتوي عصي على الصحوة، ونخبها بمؤسساتها السياسية والمهنية والحزبية والفكرية مدجنة، والكل في حالة الّا فعل والّا ردة الفعل، وفي موقع الإنتظار والتوقع والتنفيذ بلا نقاش، عسكر يعملون بشعا ر نفذ أولاً. فهل نرقد وننتظر تحرير بلادنا لصنع بيئة إعادة بناء الإنسان العربي ليدرك واقعه وواقع بلده وينهض؟ أم ننتظر أن تقوم في دولنا أنظمة حرة وتبني قوة عسكرية تردع القوة الغاشمة في هذه الظروف السائدة والمتأخرة؟ هذا تخريف وهراء. فنحن في حرب شاملة علينا.
من هنا، وبناء على ما تقدم، تصبح ضالتنا وقضيتنا وأولويتنا في سؤال هو، كيف نواجه القوة الغاشمة التي تفرض واقعنا المشلول؟ أليست العودة لمربعنا الأول فلسطين؟. لدينا في هذا وسيلة واحدة منطقية وعلمية وتاريخية ومشروعة. ووحدها المُصممة في قهر القوى أو القوة الغاشمة التي تستهدف الشعوب بوجودها وأوطانها، إنها المقاومة بكل أشكالها. لكنها المقاومة المتحررة من القيود. وأمامنا من أنواع القيود ما تسبب بنكسة حزب الله الذي كان مقيداً بقراراته كونه جزءا من منظومة دولة استغلتها القوة الغاشمة أبشع استغلال عندما نقلت حربها على الشعب اللبناني الأعزل بإفراط في استخدام القوة.
فالمطلوب هو الاتجاه لفلسطين، لبناء مقاومة ممأسسة مأسسة شاملة بلا قيود على حركتها وقراراتها، متجددة تجنح للتغيير والتطوير في طبيعتها وساحتها النضاليتين لملاحقة العدو في كل مكان متاح. فحق الدفاع عن النفس وعن ما هو أغلى من النفس لا محددات له أو تُفرض عليه من قبل العدو القوة الغاشمة. فكل ما يوجع العدو ويقربنا من الإنتصار لوجودنا يصبح مشروعاً استخدامُه، بصرف النظر عن المكان والزمان، فالعدو المستهدف لنا كمقاومة، لا يُمكن أن يفرض علينا قواعده للإشتباك. ولا أن يُخضعنا للظروف الجغرافية والسياسية أو الحصار. ومن الطبيعي أن يكون الفلسطينيون طليعة هذه المقاومة المشار اليها، فهذا قدرهم وهذه هي الظروف الدولية والعربية. ولكن ليس من الطبيعي أن لا تكون الشعوب العربية والإسلامية جزءا أساسيا من هذه المقاومة، مشاركة ودعما بكل أوجهه، وستكون بإذن الله.
وربطاً ببشائر حماس الأسطورة وشقيقاتها في المقاومة الفلسطينية. فقد كانت تدرك بأنها في حرب وجودية قوامها كسر الإرادات، وتمكنت من كسر إرادة العدو واختراق قوانين القوة الصهيوأمريكية الغاشمة، وانتصرت عليها بأثمان باهظة بصمودها وصمود شعب غزة. أثمان عز نظيرها تاريخيا، قدمها الفلسطينيون إيماناً واحتساباً وحفاظاً ووفاء لتاريخ من النضال الفلسطيني عمره قرن من الزمان وسبع من السنين. إنه نصر للشعوب كلها ودرس للدارسين وخنجر في صدر مفهوم اليأس والإستسلام للباطل، ومفتاح الأمل للتغيير في بلادنا ونهضة العرب والمسلمين لتحرير فلسطين. وعلى حماس التي فرضت نفسها على جبروت الصهيو أمريكي وجرائمه الجبانة ضد المدنيين ودفنت مخططه في وحل غزة، أن تقيّم أيضاً تجربتها وتستفيد من أسباب معاناتها وتقف على ما أخطأته وأصابته. فحرب التحرير طويلة والتحديات متغيرة ومتجددة. ولعلها تخلي نفسها من مسؤولويات الدولة وتصبح المنطلق ً لبناء المقاومة على أسس استراتيجية متحررة وأكثر شمولية وفاعلية وأن لا تعيقها المستجدات غير المواتية
ففي سورية ولبنان وبكل ما سبق، لا أخذ باعتباري التصريحات والخطابات العربية الرسمية، بل لما أراه على الأرض من معطيات، وهي في سورية ًمعطيات تترسخ في انضمامها للمعسكر التطبيعي، وتؤشر إلى بيع عروبة سورية وإسلاميتها والتنكر للقضية الفلسطينية كما يُعرّفها التاريخ ويُعرّفها العربي والمسلم كقضية احتلال لعدو وجودي. ومرشحة لتكون محلاً لانطلاق التآمر الأمريكي، وللتجزئة في المحصلة، عرقياً ومذهبياً وعلى غير مفهوم الفدرالية الديمقراطية، وتحت السيادة الصهيونية. وفي لبنان، أصبح افتراسه صهيونياً، متاحاً. ويبدو من عبارة أن يبقى لبنان “عربي الإنتماء والهوية ” التي وردت في خطاب رئيسها الجديد مرشح العدو، والتي جاءت مغطاة بحزمة من الوعود لا أساس لتنفيذها، لا تدل وأقصد هذه العبارة، على جهل بعمق ما يجري في الدول العربية وبعمق أطماع الصهيونية في لبنان، بل جاءت موجهة إلى إيران وحزب الله تحديداً. وأذكّر بهذه المناسبة أنها عبارة لا يجرؤ في هذه الأيام أي حاكم عربي أن يرددها عن بلده. والمحصلة هي الإعتماد على النفس.
أما في الاردن، فيجب أن نضع في حساباتنا كشعوب عربية بأن كل حكام الأنظمة العربية المطبعة بالذات والمستجيبين أو الخاضعين لقرارات ومطالب أمريكا وبالتالي الكيان، ليسوا صالحين ولا مؤهلين لمتطلبات الأمروصهيوني الجذرية للمرحلة القادمة في البلدان العربية. فمهما تعهدوا بتقديم كل ما يطلب منهم من مستجدات فلن يكون كافياً. وسيبقون مستهدفين بالتغيير باستهداف دولهم وعروبتها كأوطان. وهذا للعدو هو تبديل للجيد بالأجود للضرورة، ولنا هو تبديل الموجود بالأسوأ. ولعل شموخ حماس وكسرها لشوكة من يرعب حكامنا، أن يغير ما بنفوسهم. لكن طبيعة استهداف الأردن هي كطبيعة استهداف فلسطين، وهذا عامل أساسي للتغيير. وسيكون مرتبطاً فعلا وتوقيتاً وتعليلاً ً بضم الضفة الغربية وخطة التهجير وهذا بدوره سيكون مرتبطاً لحد كبير بصمود المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
لا ندري فيما إذا كان التغيير(إن أتى)، سيأتي سلساً أم عنيفاً. فهذا يعتمد على ردة فعل قيادة النظام إن كانت تفاوضية أو متعاونة أم رافضة. وإذا أفترضتُ بأن قيادة النظام مخدوعة بأصدقائها وبالقانون الدولي والمعاهدات وبمساندة أوروبا، فإنها ستُخذل وتتفاجأ بعدم وجود متسع من الوقت للتصرف كما ترغب. وسيكون عندها الحزر بوسيلة التغيير فيما إذا كان باستخدام القوة والإرهاب، أم بالتوافق وسلساً، متعذراً. أما إذا افترضتُ بأن هواجس الإستهداف بالتغيير وحساباته موجودة عند القيادة ومحل بحث ودراسة، فقرارها بالتأكيد مُتخذ وجاهز. والمعطيات بالإمعان بسياستها الداخلية والخارجية وإقصاء الرأي الأخر وبسكوتها العملي عما يجري، كله يشير الى أنه قرار سلمي. وكلامي مستند لمعطيات حقيقية ويبقى في مجال التحليل. وبقي القول بأن آلية اختيار البديل لا سمح الله ولا قدّر، يعتمد على وسيلة التغيير. فلكل وسيلة أليتها برأس أمريكا وخاصة أل ( (Cia. وبقي القول أن كل ما ذُكر يخضع للمستجدات الميدانية في داخل العدو وداخلنا وحضر منها عجزهم عن الإنتصار على حماس.
*كاتب اردني
