حماد صبح*
فضحت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وجنوب لبنان، وانتهاك إسرائيل لحرمة الأراضي السورية؛ حال العرب اليائسة البائسة، وعرتهم قوما بلا نخوة ولا عزة ولا كرامة. أكثريتهم الغالبة لم تقف عاجزة متفرجة على ما حدث ويحدث في المناطق العربية الثلاث، بل سارعت إلى معاونة إسرائيل فيه علنا وسرا، والسر أدهى وأعظم. تفعل إسرائيل بأهل قطاع غزة ما تشاء قتلا وتدميرا وإبادة لكل أساسيات الحياة الإنسانية، وأقصى وأقسى ما يقذفها به بعض العرب هو الإدانة التي يهتمون بأن تكون بأقسى العبارات تسترا على عجزهم الفعلي ونفاقهم كأن هذه الإدانة الشديدة ستردع إسرائيل عن مواصلة جرائمها وفواحشها البربرية. وتنتهك إسرائيل سيادة الدولة السورية وحرمة أراضيها، وهنا لا نسمع أي إدانة من الإدانات العربية المبتذلة.
يوما، في محاضرة، قال ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي إن قدامى العرب كانوا لا يفصلون بين الكلمة والفعل. عرب اليوم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. وتعلم إسرائيل هذا وتبتسم رضا، بل تضحك اطمئنانا، وتمضي في جرائمها ودمويتها الهوجاء معززة بأقوى وأظلم وأقبح قوة في التاريخ البشري إلى اليوم دون نبسة شفة عربية معترضة على التعزيز الأميركي.
ومن ثم حق وصح أن يقال إن عرب اليوم فقدوا نخوة الجاهلية وعزة الإسلام العظيم، وصاروا جديرين بأن يتساءل الشاعر الراحل نزار قباني ” متى يعلنون وفاة العرب؟!، والتساؤل عنوان قصيدة له مشهورة. وكتب الشاعر الفلسطيني الراحل عمر خليل الذي خدم ضابطا في جيش التحرير الفلسطيني مسرحية ” مرثية الشرف العربي ” الشعرية. والعملان الأدبيان كتبا بداهة قبل الأحداث المأساوية الحالية، فماذا لو شاهداها ؟! عرب الجاهلية كانوا أهل نخوة قبلية وقومية وإنسانية.
حين قست مقاطعة أهل مكة للرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وقرابته مزق المقاطعون وثيقة المقاطعة، واستأنفوا التواصل مع آل أبي طالب. واشتكى تاجر يمني لوجوه مكة من مِطال العاص بن وائل في سداد ثمن البضاعة التي اشتراها منه، فبادر هؤلاء إلى تأليف حلف الفضول، أي أهل الفضل، وأجبروا العاص على دفع ثمن البضاعة، وعزموا على نصرة كل ضعيف أو مظلوم . وفي يثرب، كان أحد أعيان اليهود يرغم أهل كل فتاة على إرسالها إليه ليدخل عليها قبل زوجها.
فذهب إليه مالك بن عجلان بأخته مخفيا سيفه في ثيابه، وانقض عليه، ومزقه، وأنقذ العرب من شره المستطير، وهرب إلى الشام مستنجدا بملك غساني، فرسم هذا له خطة، صفوتها أن يخبر وجوه اليهود أنه، الملك، سيقدم إلى يثرب، والواجب أن يستقبلوه، فاجتمعوا في اليوم الذي قدر فيه وصوله، وفاجأهم بهذا الوصول مع جيش، وفتك بهم جميعا، ولا بأس أن نقول إن ما فعله محمد علي حاكم مصر بوجوه المماليك في القرن التاسع عشر شبيه بما فعله الملك الغساني بوجوه اليهود مع اختلاف السبب . وفي يوم سمع مدلج الطائي أصواتا وحركة قرب بيته، فخرج مسرعا، وشاهد عددا من أفراد قبيلته، فسألهم عن أمرهم، فأخبروه أنهم يطاردون سرب جراد حط قرب بيته، والعرب كانوا يأكلون الجراد، ولا يزال بعضهم يأكله، فسارع إلى سيفه ورمحه، وركب حصانه، وأمرهم بالانصراف فورا إن كانوا يريدون سلامتهم، وأخبرهم صادقا حازما أن الجراد في حماه، فإذا ابتعد عنه فهم أحرار في ملاحقته .
وعزة الإسلام نقلت العرب من القبلية المتفرقة إلى المجتمع الموحد فالأمة، وبسطت هذا المفهوم من حدود الصين شرقا إلى شاطىء الأطلسي غربا، وجعلت لغتهم وعاء حضاريا لشعوب كثيرة، واتساع استخدام اللغة عالميا من أقوى شواهد العزة القومية . وأسس الإسلام لمفهوم استراتيجي عظيم، هو وحدة أمن الأراضي الإسلامية وسلامتها، وقوامه أن الاعتداء على أي أرض إسلامية يجعل الدفاع عنها فرض عين على سائر المسلمين . ووضع صورة العرب القديمة في موازاة صورتهم اليوم يعطينا مأساوية الفارق بين الصورتين والزمنين . أميركا وإسرائيل فضحتا حال العرب المخزية المحزنة . ومسلم به تسليما مطلقا أن إسرائيل وحدها لا تستطيع أن تفعل شيئا .
وحربها الحلية تجري بحماية اميركية عسكرية وتسليحية وسياسية ومالية ودبلوماسية، وأميركا هي التي انقذتها مع فرنسا من توابع الاشتباك مع حزب الله . فالدول العربية إجمال خاضعة خاشعة أمام جنون عربدة إسرائيل امتدادا لخضوعها وخشوعها ومذلتها لأميركا . والدولتان الآثمتان لا تعربدان فاجرتين إلا في المنطقة العربية . أميركا هزمت في فيتنام وفي أفغانستان . وفي ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة وفي جنوب لبنان نذير لكل العرب بشر شامل مستطير ينتظرهم دون تمييز بين دولة عربية وأخرى . وفي الرسالة الحادة التي وجهتها إسرائيل مؤخرا إلى الرياض حول الدولة الفلسطينية والتطبيع بعض شرر هذا الشر .
*كاتب فلسطيني – مقيم في غزة
