بقلم/فيصل مكرم*
▪︎كان مشهدا مؤلماً ومحزناً من بين الآف المشاهد والصور المأساوية التي لم تتوقف يوما ولا لحظة وهي تروي بالصوت والصورة أكبر معاناة إنسانية عبر التاريخ لجثث وأشلاء الأطفال والنساء والسكان الفلسطينيين في قطاع غزة ، كانت تلك الطفلة التي لم يتجاوز عمرها ثمان سنوات وهي تحاول الوصول بقدرها المعدني الصغير إلى موزع الطعام بين المئات من أقرانها الجياع ، صوتها الطفولي كان مثقلاً بالخوف والجوع تصرخ ” وحياتك ياعمو محمود امليلي هالقدر حتى ارجع لأمي واخواتي جوعانين ياعمو ” صوتها يعكس صدى الموت جوعا والموت قصفا والموت قهرا وهذه الطفلة وكل أطفال غزة ونسائها ورجالها يثبتون للعالم بأن للموت صوت تهتز له أطلال الدمار ويتسلل بين الدمار والمقابر والحصار وأبشع ما صنع البشر من الآت القتل وقذائف الموت وهي تستهدف طفولتهم وبرائتهم من الأرض ومن السماء ، أيها القاتل المتربص بطفل مثقل بخوفه وجوعه وقسوة العالم من حوله ، أيها العالم الصامت بأي لغة تناشدكم غزة واطفالها ، غزة تشهد منذ 17 شهرا مذابح الأطفال وجرائم الإبادة الجماعية والحصار المميت من قبل كيان محتل لاعلاقة له بالرحمة ولا صلة له بالإنسانية ولا يهتم لصراخ العالم وبيانات التنديد ولا يأبه للقوانين الدولية والعدالة الإنسانية ، ورغم أنف عدوها المتعطش للدم تمضي تلك الطفلة الفلسطينية قدما لتحصل على مايمكنها الحصول عليه من طعام في قدرها الصغير لتعود به إلى من تبقى من أقاربها الجياع علها تسد رمقهم أو تستشهد معهم بغارة القاتل النهم وقد تذوقوا من طعامها ونالوا منه شيئاً في مقابل أهوال مالاقت للحصول عليه وحتى لا يضيع صراخها هدراً وهي تنادي “عمو محمود الواقف على قدر العدس وشيء يسير من البرغل يوزعه على قدور الأطفال المحلقة من حوله” هذا المشهد الإنساني المتخم بالمأساوية لم ينتهي بعد ، لايزال نتنياهو مستمتعاً بتفاصيله الرهيبة ، وكل يوم يبتكر جهابذة التطرف والعشق الدموي في حكومته طرائق جديدة للقتل والتدمير والحصار ثم تحويل قطاع غزة إلى كنتونات للجياع ومقابر للموتي ،ولايزال العالم صامتاً والضحايا يسألون أما آن لهذا المشهد أن ينتهي ويُسدَل الستار على أبشع واخطر جرائم العصر في قطاع غزة ، متى يُسدل الستار على مشاهد القتل والذبح والجوع والخوف والحصار المجرم تسكنه الرغبة والمتعة في الضحك والرقص على جثث الموتى وأنين الأطفال وبكاء الأمهات الثكلى ، فلا تزال أزقة غزة تبكي فقدان أحبتها ، وتئن مقابرها المزدحمة بقبور أطفالها ونسائها وبابها ورجالها لمآسي أحيائها ، والعالم لايزال على صمته وبيانات التنديد وكلمات الإستنكار ، ولعل تلك الطفلة “حاملة قدر الطعام” عادت إلى حيث تبغي وربما قابلها الموت في الطريق أو سقطت مضرجة بدمها الطهور وهي تدافع عن قدرٍ الطعام حتى لايموت من ينتظرها ، وكل ذنبها انها طفلة فلسطينية في غزة لا تلعب مع أقرانها وإنما تُطلق لقدميها العنان لتسبق القاتل المتربص بها وتتحدى الموت في عقر دارها وفوق تراب أرضها الذي تشهد كل ذراته على ملاحم من سقطوا دونه ومن يسطرون اليوم ملاحم الإباء والصمود والصبر والفداء والتضحية والتحدي في سبيل الحرية والكرامة وتطهير الأرض من دنس المحتل وغطرسته وقبحه ودمويته .
*نقلا عن جريدة الراية القطرية