الثلاثاء , أبريل 22 2025
الرئيسية / اراء / روسيا وتسليم الأسد!

روسيا وتسليم الأسد!

نبيل أحمد صافية*
يثار في الأوساط السياسية تساؤل مثير: هل يمكن أن تُقدم روسيا على تسليم بشار الأسد والأموال المنهوبة من الشعب السوري، استجابةً لطلب شعبي سوري ورسمي من السيد الرئيس الشرع خلال زيارته المرتقبة إلى موسكو؟ ففي ظلّ تغيّر موازين القوى الدولية وازدياد الضغط على موسكو، لا يبدو هذا السؤال خيالياً بقدر ما كان في الماضي، ولكن هل تتوافق مصلحة روسيا الوطنية والقومية مع بقاء الأسد أو تسليمه؟.
منذ تدخُّل روسيا في سوريا عام 2015، ربطت موسكو جزءاً كبيراً من نفوذها الإقليمي ببقاء النظام السوري، فبشار الأسد كان الضامن لاستمرار القواعد الروسية في حميميم وطرطوس، ولتمرير مشاريع اقتصادية واستراتيجية في شرق المتوسط، ومع ذلك، فإنّ روسيا ليست مرتبطة بشخص الأسد بقدر ارتباطها بمنظومة تحقّق لها النفوذ، فإن تغيّرت الحسابات وتوفّر بديل يضمن المصالح الروسية بشكل أفضل، فليس من المستبعد أن تراجع موسكو موقفها، وهنا يتبادر للأذهان السؤال الآتي:
هل مصلحة روسيا تقتضي إلغاء وجودها العسكري مقابل حماية الأسد؟!، فالوجود الروسي في سوريا يمثّل إحدى أوراق الضغط الاستراتيجية في وجه الناتو وأمريكا، ومن الصعب تخيّل أنّ موسكو ستفرّط بسهولة في قاعدتي حميميم وطرطوس مقابل حماية شخصية واحدة مهما بلغت أهمّيتها، لكن، لو أصبح بقاء الأسد حِملاً ثقيلاً دولياً على روسيا، وكان الثمن رفع العقوبات عنها، أو تحسين وضعها الاقتصادي والسياسي، فسيكون ذلك خاضعاً لحسابات أخرى دقيقة، وما مصلحة روسيا في حماية الأسد؟!.
ad
الأسد قدّم لروسيا كثيراً من التنازلات الاقتصادية والعسكرية، كما أنّ موسكو استخدمته لإظهار قدرتها على حماية الحلفاء وفرض كلمتها في الساحة الدولية، لكنّ السؤال الأهم:
هل لا يزال يمثّل ورقة رابحة؟! في ظلّ الانهيار الاقتصادي في سوريا، وتعقّد المشهد السياسي، قد تجد موسكو أنّ مصلحتها تقتضي البحث عن بديل مقبول إقليمياً ودولياً، وهل يمكن لروسيا تسليم الأسد مقابل إسقاط ملاحقة بوتين أمام المحكمة الجنائية الدولية؟!, وهنا يدخل البعد الدولي في اللعبة، فتسليم الأسد قد يُستخدم كورقة مساومة كبرى في إطار صفقة تشمل تخفيف الضغط عن بوتين، خصوصاً بعد مذكّرة المحكمة الجنائية الدولية ضده، ومن الناحية القانونية، لا توجد صفقة مباشرة ممكنة، لكن في السياسة، يمكن التوصّل إلى تفاهمات خلف الكواليس تشمل مقايضات سياسية، قد يكون من ضمنها الأسد، فالكرة ليست فقط في ملعب موسكو، بل في معادلة معقّدة تشمل اللاعبين الإقليميين والدوليين، والشعب السوري نفسه، وتسليم الأسد أو الإبقاء عليه لم يعد قراراً سورياً خالصاً، ولا حتى روسياً خالصاً، وإنّما مرهون بموازين قوّة متغيّرة، وصفقات قد تُحاك في الظلّ.
وهنا يأتي سؤال مهم: هل من المتوقّع اغتيال الأسد وإعلان انتحاره ؟.
ad
الانتحار في الحالة السورية ليس مجرّد فعل شخصي، بل سيكون حدثاً سياسياً ضخماً، لكن حتى الآن، لا توجد مؤشرات علنية توحي بأنّ الأسد قد يُقدم على هذه الخطوة، أو يتم اغتياله.. بشار الأسد يُعرف ببرودة أعصابه وتمسّكه الشديد بالسلطة، حتى في أحلك الظروف (2011–2015)، ولم يظهر عليه أيّ تردّد أو ضعف داخلي علني، ولكن قد يُطرح الانتحار كخيار للهروب من المحاكمة أو الإذلال السياسي، لكنه يظل احتمالًا ضعيفاً حتى اللحظة، واحتمال اغتياله أمر وارد ليعلن أثناء ذلك عن الانتحار، وهذا الاحتمال أكثر واقعية، وإذا تغيّرت المعادلات الدولية خصوصاً في حال تخلّي الروس عنه _ وإن بعد فترة من الزمان وليس الآن قطعاً_ فقد ترى روسيا أنّ التخلّص منه أنسب من تسليمه، لتجنّب الفضيحة السياسية أو كشف أسرارها.
وهذا ما يدعونا لتساؤل آخر: هل انتحار الأسد أو اغتياله يخدم روسيا أو يضرّها؟ وهل ستكسب روسيا أو تخسر إذا فُقِد كاتم أسرارها؟!.. فما الذي تكسبه روسيا من اختفاء الأسد؟،
سيكون أول أمر: التخلص من العبء السياسي في حال ازدادت الضغوط الدوليّة والشّعبية السورية أو الرسمية، وهو ما يُمكن أن يُمنح لموسكو كـفرصة ذهبية لإعادة صياغة المشهد السوري سياسياً، وهي حينذٍ تفكّر في الاستثمار السياسي والاقتصادي، وقد يفتح باب صفقة كبرى أمامها، فربّما تعرض موسكو نفسها كـشريك في الحل، وتفاوض على تسوية شاملة مع الغرب، تتضمّن: رفع جزء من العقوبات، وضمان بقائها العسكري في حميميم وطرطوس، ووقف الملاحقة القانونية الدولية ضد بعض قادتها، بما فيهم بوتين وزراعة بديل موالٍ، تحافظ من خلاله على النفوذ الروسي دون ضغوط وجود الأسد.
وما الذي تخسره روسيا؟، من الطبيعي يأتي في مقدّمها ضياع أسرار كبرى، فبشار الأسد كاتم أسرار مرحلة كاملة من التفاهمات، وتنسيق العمليات الجوية ضد المعارضة آنذاك، ومعه أُبرِمت صفقات السلاح والغاز والفوسفات، وجرائم الحرب المحتملة التي اشتركت فيها روسيا أو على الأقل غطّتها، واختفاؤه قد يفتح المجال لتسريبات خطيرة، وإذا قامت بتسليمه، يمكن أن يتمّ انكشاف الدور الروسي في تلك الجرائم، وهذا قد يحرج موسكو بشدة أمام المجتمع الدولي في حال تمّ كشف أسرار تعاونها العسكري والسياسي في سوريا، فروسيا قد تستفيد إذا كان اختفاء الأسد مدبّرًا ومتحكَّمًا به، وتستثمره ورقة سياسية، وموسكو ستُفكّر ألف مرة قبل أن ترفع الغطاء عنه، إلا إذا ضمنت البديل والسيطرة على الرواية، وهذا ما سيكون مجال بحث قادم، بعنوان: رحيل الأسد: فرصة استراتيجية أو كابوس روسي؟!..
*كاتب وعضو اللجنة الإعلامية لمؤتمر الحوار الوطني في سورية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

مصداقية ترامب بخصوص فلسطين وأوكرانيا..!!

رامي الشاعر* قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن الرئيس الأمريكي سينسحب من محاولة التوسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *