د. حكم امهز*
تشهد العلاقات الأمريكية الإيرانية تصعيدًا لافتًا في الآونة الأخيرة، تمثّل في تهديدات عسكرية أمريكية صريحة، يقابلها خطاب تحذيري إيراني مدجج بإشارات الانسحاب من الالتزامات الدولية. ومع اقتراب موعد مفاوضات محتملة، تبدو الساحة مشحونة بمواقف تستدعي قراءة متأنية لأبعاد هذا التصعيد ومدى قدرته على إحداث اختراق في جدار الأزمة النووية.
عودة الخطاب الأمريكي إلى نبرة التهديد باستخدام القوة، وتحديدًا نشر قاذفات B-2 في دييغو غارسيا، يشير إلى محاولة إدارة ترامب فرض معادلة “الردع بالقوة” في مرحلة ما قبل التفاوض. الرسائل واضحة: لا مفاوضات بلا تنازلات، ولا أمن لإيران إذا استمرت في تخصيب اليورانيوم بمستويات عسكرية.
غير أن التهديد باستخدام القوة لا يعني بالضرورة وجود نية فعلية للحرب. فالإدارة الأمريكية تدرك أن أي مواجهة مفتوحة مع إيران ستكون مكلفة، ليس فقط عسكريًا، بل اقتصاديًا وجيوسياسيًا، خاصة في ظل اشتعال أكثر من جبهة في الشرق الأوسط. لذا، فإن التصعيد يُقرأ كتحرك محسوب يهدف إلى فرض شروط تفاوضية أفضل.
إيران، من جهتها، لم تتأخر في الرد. تهديد بطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتصريحات قوية ضد أي آلية عقوبات أممية، تصب جميعها في إطار استراتيجية “حافة الهاوية” التي دأبت طهران على اتباعها في مواجهة الضغوط الغربية.
الخطاب الإيراني يحمل رسائل واضحة: لا تفاوض تحت التهديد، ولا تراجع عن الحقوق النووية. ومع ذلك، يلاحظ أن إيران لم تغلق الباب نهائيًا أمام الحوار، بل أبقت على قنوات التأويل مفتوحة، ما يشير إلى رغبة ضمنية في إبقاء خيار المفاوضات قائمًا، شرط توافر مناخ أقل عدائية.
واقع المفاوضات المقبلة يبدو معقدًا. من جهة، يدرك الطرفان أن فشل التهدئة قد يعني اندلاع مواجهة عسكرية شاملة في المنطقة، بما يشمل طرفًا ثالثا كإسرائيل . ومن جهة أخرى، فإن الهوة العميقة في الثقة بين الطرفين، خصوصًا بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، تجعل من الصعب تصور حلول مرنة وسريعة.
مع ذلك، لا تزال هناك فرصة حقيقية. الولايات المتحدة، رغم نبرتها التصعيدية، لا تبدو راغبة في خوض حرب جديدة. وإيران، رغم صلابتها الخطابية، تعرف أن اقتصادها المرهق بحاجة إلى انفراجة. من هنا، قد تثمر المفاوضات – وإن بعد مماطلة – عن تفاهم مرحلي يخفف حدة التوتر، ويمنح كل طرف ما يحفظ به ماء وجهه.
ما يجري اليوم هو صراع إرادات، تتداخل فيه حسابات الداخل الأمريكي والإيراني، كما تتأثر بتطورات إقليمية متسارعة. وبينما تعلو أصوات الطائرات في القواعد، لا يزال باب السياسة مواربًا. فهل تنتصر لغة المصالح على طبول الحرب؟ أم أن التصعيد بلغ نقطة اللاعودة؟
الإجابة ستتضح – إلى حد كبير – على طاولة المفاوضات المرتقبة يوم السبت المقبل.
*كاتب ايراني
