اسيا العتروس*
خمسة عشرة دقيقة هي المدة التي استغرقها لقاء الرئيس الامريكي دونالد ترامب مع الرئيس الاوكراني زيلنسكي على هامش جنازة بابا الفاتيكان وبدا من الواضح أنه أريد لهذا اللقاء الذي يمكن وضعه في اطار ديبلوماسية الجنائزألا يكون خلف الكواليس بل يكون تحت انظار الجميع في كاتدرائية القديس بطرس وفيما كان قادة العالم يتوافدون لوداع الحبرالاعظم ..يصر ترامب على وصف اللقاء بأنه مثمر فهل يمكن أن ينهي لقاء الخمسة عشرة دقيقة حرب الثلاث سنوات بين موسكو وكييف ؟بعيدا عن تصريحات الاستهلاك الاعلامي فلا شك أن اللقاء او بالاحرى الصورة أثارت أكثر من نقطة استفهام حول أهداف اللقاء الذي تحول الى عنوان بارز في مختلف المواقع الاجتماعية حتى كادت تغطي على اخبار رحيل البابا رجل السلام الذي دعا الغرب لانهاء الابادة في غزة حتى اخر حياته و يتحول اللقاء أو بالاحرى الصورة التي جمعت ترامب و زيلنسكي الى موضوع قراءات و تأويلات بالنظر الى توقيته والى مواقف الرئيس الامريكي من الحرب الروسية الاوكرانية وتبنيه خيار انهاء الحرب والدفع الى مفاوضات روسية امريكية في غياب اوكرانيا انطلقت في السعودية ..
ليس من الواضح ان كان الرئيس الفرنسي اقصي من اللقاء بعد ظهوره في المشهد ثم انسحابه على عجل بما يوحي بأن الرئيس الامريكي يريد أن يحصد ثمار انهاء هذه الحرب لنفسه و ربما يكون ذلك مقدمة لحضوره شهر جوان القادم أشغال القمة السنوية لحلف الناتو في لاهاي ويواصل بالتالي فرض توجهاته بشأن مستقبل الحلف وبشأن رفع المساهمات العسكرية للدول الاعضاء ..
لا خلاف أنه يمكن تحميل صورة لقاء ترامب زيلنسكي أكثر مما تحتمل في غياب المعلومات عما دارفي هذا اللقاء وهو الاول منذ لقاء البيت الابيض في الثامن و العشرين من فيفري بعد عودة ترامب الى البيت الابيض حيث ظهرزيلنسكي في وضع التلميذ الصغير الذي يتعرض للتوبيخ من استاذه ..
ad
من جانبه حرص زيلنسكي على الاشارة الى “أن اللقاء كان رمزيا و لكن يمكن ان يصبح تاريخيا ” وهو ما يعني بكل بساطة أن زيلنسكي يراهن على تحول في
تغيير في توجهات ترامب قبل قمة الحلف الاطلسي المرتقبة في لاهاي نهاية شهر جوان القادم ..يصر الرئيس ترامب على ان الامر يتعلق بمسألة انسانية و يصر على أن وقف القتل و انقاذ البشر في روسيا و اوكرانيا هو هدفه و هو بالتأكيد كلام مهم و لمن ليس من الواضح ما اذا يمكن أن يحقق أهدافه في انهاء حرب دخلت عامها الثالث على التوالي وكلفت أوروبا والعالم الكثيرفي أمنه الاقتصادي ولتجاري والغذائي والبيئي ..غداة لقاء الفاتيكان أعلنت الخارجية الامريكية عن محادثات هاتفية بين وزير الخارجية الامريكي روبيوو ونظيره الروسي لافروف ..وهي تطورات تأتي بعد جولة المحادثات الروسية الامريكية في العاصمة السعودية الرياض ..
من الواضح أنه بمرور مائة يوم على تولي ترامب ولايته الجديدة أنه يسعى الى تعزيز شعبيته و هو يراهن خلال ما تبقى من الوقت قبل قمة الناتو المرتقبة تفعيل شعار حملته امريكا اولا و امريكا اقوى , و الارجح أنه سيتجه الى مزيد الضغط على حلفاءه الاوروبيين للرفع من النفقات العسكرية للناتو و هو ما كان وزير خارجيته اعلنه خلال اجتماعات وزراء خارجية الناتو في فيفري الماضي .و سبق لترامب أن وجه رسائل متعددة في هذا الشأن معتبرا أنه لن يتعامل مع دول الحلف اذا لم يسددوا الاموال المطلوبة و يرفعوا مساهماتهم العسكرية الى 2 بالمائة من الدخل الخام و هو ما حدث فعلا منذ مشاركة ترانب أول قمة له للناتو خلال ولايته الاولى في بروكسيل في 2018 , و سيتعين انتظار ما ستكشفه الاحداث في الايام القليلة القادمة مع بدء العد التنازلي لقمة لاهاي و ما سيكون عليه رد فعل بقية دول الحلف أولا بشأن مال الحرب الروسية و الاوكرانية و الاستمرار في دعم و تمويل زيلنسكي و ثانيا فيما سيكون عليه موقف هذه الدول من الرسوم المؤجلة التي كان ترامب أعلنها في حربه التجارية على الحلفاء و الاعداء على حد سواء و ثالثا ما سيكون عليه موقف الحلفاء من تصريحات ترامب بشأن ضم كندا و ضم غرينلاند و شراء قناة بنما و التي اضاف اليها قناة السويس التي يريدها ان تفتح للسفن الامريكية مجانا ..
-سباق مجنون للتسلح
يبقى الاهم من كل ما سبق مرتبط بما كشفه معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام هذا الاسبوع وأن الإنفاق العسكري العالمي ارتفع 9.4 ٪ عام 2024 مسجلا 2.7 تريليون دولار – أكبر زيادة منذ نهاية الحرب الباردة – بفعل الحروب والنزاعات الممتدة. أوروبا، بما فيها روسيا، تصدرت القفزة بنمو 17 ٪، بينما ضاعفت موسكو إنفاقها إلى 149 مليارا وخصصت أوكرانيا 34 ٪ من ناتجها المحلي للدفاع. الولايات المتحدة أنفقت 997 مليارا، والصين 314 مليارا، في حين قفزت ميزانية إسرائيل 65 ٪ وتراجعت إيران 10 ٪ تحت وطأة العقوبات
وسجلت الأرقام زيادة سنوية بنسبة 9.4 ٪ للعام العاشر على التوالي مع تميز اوروبا والشرق الأوسط بأعلى نسب ارتفاع.
وبحسب البيانات، أنفقت أوروبا، بما فيها روسيا، 693 مليار دولار بزيادة 17 ٪، فقد خصصت موسكو 149 مليارا بزيادة 38 ٪ بينما رفعت أوكرانيا إنفاقها 2.9 ٪ إلى 64.7 مليار دولار، ما يعادل 34 ٪ من ناتجها المحلي.وتقدمت ألمانيا القائمة بتسجيلها زيادة نسبتها 28 ٪ لتصل إلى 88.5 مليار دولار، متقدمة لأول مرة كأكبر مساهم دفاعي في أوروبا الوسطى والغربية..ازاء كل ذلك يبقى من الواضح أن سباق التسلح سيكون على أشده في زمن الذكاء الاصطناعي الذي دخل بقوة مسرح الحروب القائمة من غزة المدمرة الى اوكرانيا بما يدفع للاعتقاد أن ارتهان الدول والانظمة العربية على الدول المصنعة لعقد الصفقات والفوز بما لم يتم تسويقه من أسلحة أصابها الصدأ متروكة في مخازن السلاح تنتظر من يدفع ليعزز نفقات مصانع سلاح الغرب ..
*كاتبة وصحفية تونسية
