فَرْهَادُ بَاشَاوَنْد*
تُعْقَدُ الْمُفَاوَضَاتُ الْأَخِيرَةُ بَيْنَ إِيرَانَ وَالْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ فِي عُمَانَ فِي ظُرُوفٍ حَسَّاسَةٍ وَمُعَقَّدَةٍ، حَيْثُ يُخَيِّمُ عَلَيْهَا ظِلُّ الاتِّفَاقِ النَّوَوِيِّ وَعَدَمُ الثِّقَةِ الْعَمِيقُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ. فِي هَذَا الْجَوِّ الْمُتَوَتِّرِ، السُّؤَالُ الرَّئِيسِيُّ هُوَ: هَلْ يُمْكِنُ لِهَذِهِ الْمُحَادَثَاتِ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى تَحْسِينِ الْعَلَاقَاتِ أَمْ سَتَكُونُ مُجَرَّدَ خُطْوَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لِإِدَارَةِ الْأَزَمَاتِ الْإِقْلِيمِيَّةِ؟
إِنَّ لِقَاءَ مَسْؤُولِي إِيرَانَ وَالْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ فِي عُمَانَ يُمَثِّلُ نُقْطَةَ تَحَوُّلٍ فِي الْعَلَاقَاتِ الثُّنَائِيَّةِ، وَقَدْ أَعَادَ مَوْضُوعَ الْوُصُولِ إِلَى اتِّفَاقٍ شَامِلٍ وَمُسْتَدَامٍ إِلَى صَدَارَةِ الاهْتِمَامِ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الظُّرُوفَ الْحَالِيَّةَ مُحَاطَةٌ بِمَوَانِعَ جِدِّيَّةٍ مِثْلَ التَّوَتُّرَاتِ التَّارِيخِيَّةِ وَعَدَمِ الثِّقَةِ الْعَمِيقِ الَّذِي لَا يَزَالُ يُلْقِي بِظِلَالِهِ الثَّقِيلَةِ عَلَى أَيِّ مُفَاوَضَاتٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ مُنْذُ الِانْسِحَابِ الْأُحَادِيِّ لِلْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ مِنَ الاتِّفَاقِ النَّوَوِيِّ فِي عَامِ 2018.
إِنَّ عَوْدَةَ دُونَالْد تَرَامْب إِلَى الْبَيْتِ الْأَبْيَضِ وَمَوَاقِفَهُ الْمُتَشَدِّدَةِ تُجَاهَ إِيرَانَ قَدْ فَاقَمَتِ التَّوَتُّرَاتِ وَحَوَّلَتِ الْوَضْعَ الْحَالِيَّ إِلَى مُعَادَلَةٍ مُعَقَّدَةٍ تَجْعَلُ الْوُصُولَ إِلَى اتِّفَاقٍ مُسْتَدَامٍ مُحَاطًا بِتَحَدِّيَاتٍ جِدِّيَّةٍ. وَفِي هَذِهِ الظُّرُوفِ، تَتَوَقَّعُ مُعْظَمُ التَّقْدِيرَاتِ أَنَّ أَيَّ اتِّفَاقٍ سَيَتِمُّ التَّوَصُّلُ إِلَيْهِ سَيَكُونُ عَلَى الْأَرْجَحِ مَحْدُودًا بِاتِّفَاقَاتٍ حُدِّيَّةٍ لَنْ تَكُونَ قَادِرَةً عَلَى حَلِّ الْمُشْكِلَاتِ الْهَيْكَلِيَّةِ وَالْجِيُوبُولِيتِيكِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ. سَيُعْتَبَرُ مِثْلُ هَذَا الاتِّفَاقِ أَدَاةً لِتَخْفِيفِ التَّوَتُّرَاتِ الْفَوْرِيَّةِ وَالْحِفَاظِ عَلَى قَنَوَاتِ الِاتِّصَالِ الْمُتَبَقِّيَةِ، وَلَيْسَ حَلًّا شَامِلًا وَمُسْتَدَامًا.
يُعَدُّ عَدَمُ الثِّقَةِ أَحَدَ الْمَوَانِعِ الرَّئِيسِيَّةِ الَّتِي تَعْتَرِضُ هَذِهِ الْمُفَاوَضَاتِ. تُؤَكِّدُ الْجُمْهُورِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الْإِيرَانِيَّةُ عَلَى ضَرُورَةِ وُجُودِ ضَمَانَاتٍ مُعْتَبَرَةٍ وَلَا تَقْبَلُ أَيَّ اتِّفَاقٍ دُونَ ضَمَانَاتٍ قَانُونِيَّةٍ وَاقْتِصَادِيَّةٍ شَفَّافَةٍ وَمُعْتَبَرَةٍ. يُظْهِرُ هَذَا النَّهْجُ بِوُضُوحٍ تَغَيُّرًا فِي سِيَاسَاتِ إِيرَانَ الَّتِي حَوَّلَتْهَا مِنْ لَاعِبٍ نَوَوِيٍّ إِلَى قُوَّةٍ إِقْلِيمِيَّةٍ ذَاتِ دَوْرٍ نَشِطٍ فِي مِحْوَرِ الْمُقَاوَمَةِ. إِنَّ أَيَّ تَغْيِيرٍ فِي سِيَاسَاتِ وَإِجْرَاءَاتِ إِيرَانَ، وَلَا سِيَّمَا فِي مُوَاجَهَةِ الضُّغُوطِ الْخَارِجِيَّةِ، يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرَاتٌ وَاسِعَةُ النِّطَاقِ فِي الْمُعَادَلَاتِ الْإِقْلِيمِيَّةِ وَالْعَالَمِيَّةِ.
مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّ الْوَضْعَ الدَّاخِلِيَّ فِي أَمْرِيكَا وَتَطَوُّرَاتِهَا السِّيَاسِيَّةِ لَهَا أَيْضًا تَأْثِيرَاتٌ مَلْحُوظَةٌ عَلَى مَسَارِ الْمُفَاوَضَاتِ. إِنَّ الشُّكُوكَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْكُونَغْرِسِ وَبَيْنَ الْمُؤَسَّسَاتِ الْحُكُومِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ بِشَأْنِ اتِّخَاذِ سِيَاسَةٍ وَاحِدَةٍ وَمُنَسَّقَةٍ تُجَاهَ إِيرَانَ يُمْكِنُ أَنْ تُعْطِّلَ سَيْرَ الْمُفَاوَضَاتِ وَتُحْدِثَ عَدَمَ اسْتِقْرَارٍ فِي صُنْعِ الْقَرَارَاتِ الرَّئِيسِيَّةِ. وَبِشَكْلٍ خَاصٍّ، فَإِنَّ الضُّغُوطَ الْمُتَزَايِدَةَ لِلْجَمَاعَاتِ الْمُؤَيِّدَةِ لِإِسْرَائِيلَ فِي وَاشِنْطُنَ تُمَثِّلُ أَحَدَ أَكْبَرِ الْمَوَانِعِ أَمَامَ أَيِّ اتِّفَاقٍ. إِنَّ رَئِيسَ الْوُزَرَاءِ الْإِسْرَائِيلِيَّ، بِنْيَامِين نَتَانْيَاهُو، الَّذِي كَانَ دَائِمًا مُعَارِضًا لِأَيِّ اتِّفَاقٍ يُؤَدِّي إِلَى تَخْفِيفِ الضُّغُوطِ عَلَى إِيرَانَ، يَسْتَغِلُّ كَافَّةَ الْقُدُرَاتِ الْمُتَاحَةِ لِمَنْعِ أَيِّ تَقَدُّمٍ فِي الْمُفَاوَضَاتِ.
إِنَّ نُفُوذَ الْجَمَاعَاتِ الْمُؤَيِّدَةِ لِإِسْرَائِيلَ فِي سِيَاسَاتِ الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ، وَلَا سِيَّمَا فِي الظُّرُوفِ الْحَالِيَّةِ الَّتِي تَقْلَقُ فِيهَا إِسْرَائِيلُ مِنْ قُوَّةِ إِيرَانَ الْإِقْلِيمِيَّةِ، يُؤَثِّرُ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى سَيْرِ الْمُفَاوَضَاتِ. تُؤَدِّي هَذِهِ الضُّغُوطُ إِلَى تَرَدُّدِ الْمَسْؤُولِينَ الْأَمْرِيكِيِّينَ أَمَامَ أَيِّ اتِّفَاقٍ يُؤَدِّي إِلَى تَعْزِيزِ مَوْقِعِ إِيرَانَ فِي الْمِنْطَقَةِ. وَلِهَذَا السَّبَبِ، تَسْعَى إِسْرَائِيلُ دَائِمًا بِشَكْلٍ نَشِطٍ إِلَى تَوْجِيهِ الْمُفَاوَضَاتِ بَيْنَ إِيرَانَ وَأَمْرِيكَا بِطَرِيقَةٍ لَا يُمْكِنُ لِأَيِّ اتِّفَاقٍ أَنْ يَمَسَّ الْمَصَالِحَ الْأَمْنِيَّةَ لِإِسْرَائِيلَ.
فِي النِّهَايَةِ، تُشِيرُ الشَّوَاهِدُ إِلَى أَنَّهُ بِالرَّغْمِ مِنَ الْجُهُودِ الْمُسْتَمِرَّةِ لِإِحْيَاءِ الدِّبْلُومَاسِيَّةِ، لَا تَزَالُ هُنَاكَ تَحَدِّيَاتٌ كَبِيرَةٌ فِي طَرِيقِ الْوُصُولِ إِلَى اتِّفَاقٍ حَقِيقِيٍّ وَمُسْتَدَامٍ بَيْنَ إِيرَانَ وَأَمْرِيكَا. إِنَّ عَدَمَ الثِّقَةِ الْعَمِيقَ، وَالشُّكُوكَ الدَّاخِلِيَّةَ فِي وَاشِنْطُنَ، وَنُفُوذَ الْجَمَاعَاتِ الْمُؤَيِّدَةِ لِإِسْرَائِيلَ فِي سِيَاسَاتِ الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ، وَالتَّعْقِيدَاتِ الْجِيُوبُولِيتِيكِيَّةِ لِإِيرَانَ، كُلُّهَا عَوَامِلُ سَتُؤَثِّرُ عَلَى سَيْرِ الْمُفَاوَضَاتِ. وَلِهَذَا السَّبَبِ، يَبْدُو أَنَّ الْمُفَاوَضَاتِ بَيْنَ إِيرَانَ وَأَمْرِيكَا سَتَنْتَهِي إِلَى اتِّفَاقَاتٍ حُدِّيَّةٍ وَمُؤَقَّتَةٍ سَتُسْتَخْدَمُ بِشَكْلٍ أَكْبَرَ كَأَدَاةٍ لِتَخْفِيفِ التَّوَتُّرَاتِ وَالْحِفَاظِ عَلَى قَنَوَاتِ الِاتِّصَالِ الْمُتَبَقِّيَةِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، وَلَيْسَ كَحَلٍّ شَامِلٍ وَهَيْكَلِيٍّ لِلْمُشْكِلَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْجَوَانِبِ الَّتِي أَثَّرَتْ عَلَى الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ إِيرَانَ وَأَمْرِيكَا.
*كاتب ايراني