خالد شحام*
كم عاصفةً ترضين كي نمسح القرى ؟ كم زلزالا تطلبين حتى ندمدم أسدود أو يافا أو الجليل ؟ كم صاعقةً تستدعين للمجدل والكرمل ؟ كم من جيوش الإنس والجــان تحتاجين ؟ كم معتصمــا وكم صلاح دين ؟ أين أنت آلان وفيم تفكرين وكيف تتحملين ؟
يا ايها التسعة المحلقون في فضاء غزة ونحو كوكب فلسطين يمكنكم آلان أن تطفئوا التيار الكهربائي عن مدن الملذات وتلصقوا على بواباتها ملصق مدن الحرام ، إياكم ان تتلفظوا بأية ألفاظ بذيئة مثل جامعة الدول العربية أو الأمن القومي العربي أو الأخُوَّةِ العربية أو جيوش الدفاع العربية ، يا أيها الصغار الذين لم يعرفوا لماذا قُتلوا اكتبوا معلقات الشهادة وألقوا دماءكم على وجوه الجنرالات أو الرؤساء أوالزعماء لعلهم يرتدون مبصرين، أسقطوا لحمكم المحترق على الطائرات والدبابات العربية لعل الصدأ يستحي عنها ويعود لها الألق وتدب فيها الروح كي ينطق الحجر، أشهروا وجوهكم البريئة أمام كبير المجرمين حتى يرتعد في منامه ويستسلم عندما نقبض روحه، أصدورا وامر الإخلاء لكل الشيوخ والرؤساء وسائر العبيد كي يتحركوا نحو جهنم ويقيموا في خيام النازحين.
ماذا نحكي لك يا سيدة الملائكة الصغار؟ ماذا نحكي لك وحياتنا كلها سجل من عار؟ مم أنت مخلوقة كي تتحملين كل هذا الألم الذي يملأ الفضاء؟ يا سيدة غزة لقد اهتزت السماء لألمك، وانكسر حياؤنا أمامك ، وبكت أطلال غزة مع خفقان قلبك.
تسألين يا سيدة غزة: لماذا صمتت المدن آكلة الميتة عن اطفالي؟ ثم نجيبك كيف يتكلمون عن تسع ولم تهزهم عشرات الألوف؟ لا تسأليهم واتركيهم في احتفالاتهم وانفصالهم عن البحر
تسألين يا سيدة غزة: ألم تهز براءة الاطفال بلاد الحريات والنزاهة والديموقراطية؟
كيف لهم أن يهتزوا لأطفالنا وهم من يطلبون ذبحنا؟ وهم من يصنعون سبيكة القذيفة؟
يا للهول يا شيوخ المساجد الكرتونية والسنة والجماعة، أليس من كلمة تجبر خاطر الأمة بفقدان الطبيبة لتسعة من ملائكتها الصغيرة؟ يا للهول يا جنرال المعبر ألم يرق قلبك لهذه السيدة لتدخل لهم علبة دواء؟ يا للهول يا شعوب الرقص والطرب والتسوق والمولات ألم تقشعر جلودكم من فظاعة المشهد؟ ما الذي يمكن أن يهزكم أيها الأصنام؟ ألا ترون أن أيامكم تذهب سراعا وحياتكم تأكلها سباعا ؟ الا ترون انكم في الساهرة تتبعها الراجفة ؟ إلى متى يستمر الموت في غزة يا أيها المجرمون؟ إلى متى يستمر عذاب هؤلاء الصحابة يا أيها الفارون إلى جهنم؟
يا أيتها الأرواح التسعة عليكم سلام الله وطمأنينة رضاه وسكينة جنانه، نعدكم بأننا لن ننسى ولن نغفر ولن نسامح ولن يذهب دمكم هدرا، سوف نطالب بكل حقوقنا حتى آخر الزمان وندوس فوق كل هذه الأحزان، سنطالب بثمن كل صورة وكل مشهد وكل ألم وكل طفل وكل ام وكل أب وكل مقاتل وكل بيت، لن ننسى أبدا صورة الأواني الممدودة جوعا وسنعيد لكم نفس المشهد، لن ننسى أبدا حرقكم للمشافي والجرحى وقتلكم للرضع وسنعيد لكم نفس البضاعة دون نقص ، لن ننسى أبدا التجويع والترويع والتهجير ومرارة النزوح وجرعات الألم وسنعيد لكم هداياكم دون أي حذف .
يا سيدة غزة صَلِّي صلاةَ الجنازة معنا على كل ممالك التراب ومدن الملح وخرابات البحر، يا سيدة غزة لا تحزني لو تساقطت كل النياشين وكل جيوش الطين فقد جاءهم الامر بالركون إلى جانب الطريق، يا سيدة غزة انهم يريدون سرقة الامل منك ومن أهل غزة، لا تحزني وقري عينا فكتائب البطولة لا تزال تقف وترد النار بالنار وتطوف في الأرجاء تحرسك ونحميك وتحمي شرف الأمة الضالة بأكملها، يا سيدة غزة لأجلك يرمي ابن اليمن الجاريات يسرا والمغيرات صبحا، لا تحزني فغدا ستشرق الشمس لأجلك وترتقي زرقة السماء بك وستجودي علينا مرة أخرى بيحيى، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين، لقمان، وسيدرا.
هنيئا لك يا سيدة غزة، يا درة الصمود وتاج الصبر ومنارة للتاريخ في امثولتك ، هذه الأرواح التسعة ، عليها تسعة عشر، أعدوا خصيصا لكل الذين شاركوا الجريمة بصمتهم أو مالهم او طعامهم أو كلماتهم، عليها تسعة عشر ولكل منهم باب مقسوم مختوم بالإسم وأجنحة خاصة أعدت للجنرال وشيخ المسجد الكبير وأصحاب الجلد المصاب بالبهاق.
غزة لن تستسلم، المقاومة وشعب غزة روح واحدة ستقاتل حتى النهاية وحتى آخر رمق وحتى آخر طلقة بندقية، غزة ستبقى والمقاومة ستبقى وأنتم سترحلون إلى الجحيم .
*كاتب فلسطيني
