الأربعاء , يوليو 9 2025

علي الزعتري*
سيبدو هذا المقال ساذجاً للبعض في تذكيرهِ بوقاحةِ هذا العالم، و لا أستثني فيهِ أحداً ممن يتنطعون بِحُكْمِ مناصبهم للتصريح عن شؤون العالم.
“إسرائيل” صنعت في غزة أفراناً لشوي الفلسطينيين أحياءً. تحرقهم كما حرقت الجنود والمدنيين بقنابل الناپالم في حزيران ١٩٦٧. يومها نشرت مجلة “العربي” الكويتية التي لها أفضالٌ على أجيالٍ من العرب صوراً لضحايا الناپالم الصهيوني العرب مُحترقين أحياء. صوراً حفظها وجداني وسيحفظها للنهاية. الآن هذه “الإسرائيل” تحرق الفلسطيني حيَّاً في خيمةٍ أو صفيحٍ أو مُكَعَّبٍ من طوب فتبدأُ النارُ تُذيبُ الجلد والشعر وتشوه الوجه و تسلب من الجسد الروح حرقاً وراء حرقٍ إلى أن يسقط الجسد أشلاءً و محروقاً و شهيداً. ليست “النازية” بل “الإسرائيلية اليهودية الصهيونية” تفعل هذا. العالم يعلم ولا يريد أن يعلم. لا تعرض وسائل إعلامهِ صور المحروقين وهم يحترقون خوفاً على مشاعر العموم. لا أحد في الغربِ، الصاخب بنشوةِ شم رؤساءه الكوكايين، ولا المنتفخ أوداجاً ساكن البيت الأسود، ولا وزراءه القادمين من أَسقطِ مجتمعات أمريكا، ولا حتى أغلبية قادة العرب والمسلمين يستطيعون أن يقولوا أن المحرقة الفلسطينية تساوي في الأقل المحرقة اليهودية، أو تقترب منها أو أنها في الواقع تطغى عليها. لا. إنها الوقاحة أن يُعتبرَ اليهودي بمحرقةِ النازية إنساناً ويُعتبرَ الفلسطيني بمحرقةِ الصهيوني لا شيئاً يُذكر.
الدكتور حُسام أبو صفية مسجونٌ منذ أشهرٍ تحت العذاب الصهيوني. طبيبٌ مشهودٌ له قادَ فريقه تحت أَشَدِّ الظروف التي لو واجهها طبيبٌ من الغرب لوضعوا له تمثالاً أو صنعوا له قصةً وفيلماً. لكنه طبيبٌ فلسطينيٌّ من غزة وفيها كتب أُسطورتهُ، سارَ رافعاً يديه مستسلماً للجلاَّدِ بمِعطَفِ الطبيب الأبيض ثم اختفى داخل ناقلة الجند القبيحة الممتلئة بالوقاحة. لا منظمة صحة عالمية خصصت له ولفريقه جلسةً و لا مجلس حقوق إنسان و لا حملت “نيويورك تايمز” أو “دير شبيغل” قصته. وقاحة.
لكن تنحني الوقاحة احتراماً واستسلاماً لنوعٍ صهيونيٍّ متجددٍ من طفراتها. يقول الصهيوني أن المرشد الإيراني كان ضمن قائمة القتل لكنه اختفى فلم يستطيعوا اغتياله. هو لا يزال إسماً في القائمة مثلما وضعوا أسماءً لقادةٍ من قبل ووصلوا لهم وقتلوهم ولا يزال هدفاً يريدونه. هم كذلك افتخروا بقتل علماء إيران في منازلهم مع أهلهم. لم يُخفوا القتل ولا النية و لا الترصد والتعمد، فهي جريمةٌ كاملةَ الأركان. لكنهم لا يُحاسبونَ عليها. ولا أحد يختفي من قوائمهم ولا هم حين يقتلون يخافون لومةَ عالَمْ. العالمُ هنا إما أنه يحتفي بشجاعتهم أو يُغمض عينيه تجاهلاً مُتعمداً أو يعترضَ على استحياء. و لا “أمينَ عام” من كل منظمات الأمم قال لهم أنتم مجرمون، أو أنتم تخرقون قانون البشرية أو ما شابه من قوانين. لا أحد. تخيلوا عالَماً يخافُ أن يُقالَ أنه “آنتي سيميتيك” على أن يقف بوجه المجرم المعترف بالجرم والمصمم على تكراره. تخيلوا لو أن مسؤولاً عربياً أو إيرانياً أو مُسلماً في سوْرَةِ غضبٍ (أي غير قاصداً) قال أن بلاده ستقتل الحاخام الأكبر؟ ماذا كان حدث؟
في ٢٧ يونيو ١٩٩٣ وبعد اتهامات طويلة للعراق بمحاولة اغتيال الرئيس السابق جورج بوش الأب أثناء زيارةٍ له للكويت، وهي قصةٌ لم تثبت، قصف الرئيس اللاحق بيل كلينتون بغداد بصواريخ كروز. ليلتها قتلت الصواريخ الأمريكية المُبدعةَ العراقية الفنانة ليلى العطار. مجرد انتقامٍ يفردُ فيها الرئيس الوسيم آنذاك عضلاته بمؤامرة نفاها العراق الذي لم يقل أنه سيقتل رئيساً أو وزيراً. لكنه العهر العالمي المستعد لإلصاق التهمة والعقاب حين يريد وكيف يريد ومتى يريد. وقتَها لم يجتمع مجلس الأمن ليناقش أو يُدين قصفَ بغداد فهي مذنبةٌ دون دليل. عالمٌ وقحٌ. و حين قصفت “إسرائيل” مفاعل العراق النووي و مشروع مفاعل سوريا في دير الزور لم تتوقف ساعة العالم لتستنكر. حقٌّ “لإسرائيل” و مارسته. جميعنا لها عبيداً، هكذا تقول والعالم يُصادق. وكذلك الأمر حينما قصفت أمريكا مصنع الدواء في السودان و قصفت “إسرائيل” معامل سلاحٍ للجيش السوداني في قلب الخرطوم. حقٌّ “إسرائيليٌّ” و أَمريكيٌّ مثلما قال ترمپ قبل ساعات أنه سيقصف إيران مرةً ثانيةً لو استدعى الأمر. وقاحة.
“هآرتس” نالت من غضب النتن فهي تجرأت وقالت أن قتل الفلسطينيين الآملين بالطعام من مراكز التوزيع في غزة كان أمراً مباشراً من قادةِ الجيش للجنود الصهاينة. قال النتن أنها “آنتي سيميتيزم” من “هآرتس” أن يُجبَرَ الجندي أن يقول أنهُ أُمِرَ بالقتل. الأمرُ لا يجبُ أن يُنتقدَ أما القتلُ فهو طبيعي لأن القاتل مأمورٌ توراتياً بإبادةِ غير التوراتي خاصةً إن كان عربياً فلسطينياً. لكن من غير المقبول انتقاد القاتل ولو كان الناقد يهودياً لديه المعلومة الموثقة. هُنا العالَمْ عَبَّرَ عن قلقهِ و اعتراضه بالفعل المجهول ضد مراكز التوزيع اما من وضعها لاصطياد الجائعين ومن يقتلهم فيها فهم خارج نطاق الاعتراض. إنها الوقاحة.
وكما فعلت عندما أنشأت جيش أنطوان لحد العميل لِيُنكلَّ باللبنانيين والفلسطينيين أنشأ النتن جيش أبو الشباب. لا ينتقد أحدٌ هذا. أبو الشباب هو المستقبل الذي يراهُ النتن و الإدارة الأمريكية لغزة، وسيكون لباقي فلسطين أبوات شبابٍ جاهزون. لا أحد يقول أن منهج أبو شباب غزة لا يختلف عن منهج عصابات المجرمين التي يطاردها دونالد ترمپ ويطردها من بلاده لسجون السلڤادور و كولومبيا لكنه “أبو الشباب” المُفضلَّ المجرم صهيونياً وأمريكياً وعربياً على كل شريفٍ فلسطيني ما دام يرضى أن يكون مداساً للصهيونية. إنها الوقاحة.
إنها الصهيونية. إنه العالم المستسلم لها والخائف منها والمتزلف لها. إنه العالم الوقح. و الأوقحَ منه هو عربٌ حين يحتفلون لأي سببٍ فكيف يكون هناك سببٌ لاحتفال؟ وقاحة.
*كاتب أردني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

حين قالت الجامعة لا لإسرائيل!

د. محمد كرواوي* في حياة الشعوب لحظات لا تقاس بالأرقام، ولا تختزل في بيانات، وإنما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *