الياس فاخوري*
حاول الغرب زراعة “اسرائيل” في قلب المنطقة وأمدّوها بكل وسائل التفوق عسكرياً و”حضارياً”، كما حافظوا عليها مفتوحة بلا حدود او قيود استنزافاً لموارد المنطقة وثرواتها واستنفاذاً لقواها وطاقاتها والأزمنة .. لكن “اسرائيل” بالثقافة التوراتية التي تقوم على اجتثاث ورفض الآخر، ما انفكت تعمل، وبالتأويل الدموي الصاعق للنص، على تنفيذ مشروعها التوراتي!
وهذا السناتور ليندسي غراهام يعلنها جهاراً ان لا بد من قيام “اسرائيل الكبرى”، تمهيداً لظهور “الماشيح” الذي يأتي لليهود ب”الصولجان الالهي” لتبدأ قيادتهم للعالم فنستذكر هنا قول “الحاخام” عوفاديا يوسف “لولا اليهود لما وجد هذا العالم”! اما الفيلسوف اليهودي/الأميركي نورمان فلنكشتاين فردّ بالتعليق الساخر {اذا كان الرئيس دونالد ترامب يرى في الصين المنافس الاستراتيجي لبلاده في إدارة البشرية، عليه أن يعلم أن “اسرائيل” هي المنافس الايديولوجي}!
وهذا نتنياهو – الذي يعمل بإمرة “رب الجنود” كما دأب على التصريح – يلقي اليوم بوجه العالم بقنبلةٍ هي أشد فتكاً من القنبلة النووية .. انها القنبلة التلمودية التي تُغَلِّفُ مهمتة التاريخية الروحانية العاطفية المتعلقة برؤية ـ والحقيقة رؤيا/حلم خيال في المنام ـ “اسرائيل الكبرى” .. دولة تقلب صورة الشرق الأوسط ليدور حول الهيكل بالايديولوجيا التلمودية التوراتية .. دولة تقفز فوق التاريخ وتحط على ظهر العالم .. دولة تُطلق الغرنيكا الدموية والنارية لتسود الامم ويظهر “الماشيح” يتبختر متغطرساً في المقابر وعلى الجماجم ل”يسوق” الكوكب أنّى وكيفما شاء!!
انه حلم وهاجس او هو، بالحري، جاثوم وكابوس نتنياهو التلمودي ظنّاً منه – وبعض الظن اثم – ان دنيانا قد رضخت وارتضت الإقامة الابدية في زنزانة “الحرملك الأميركي” وبين جدرانه بوصف ذلك بوليصة تأمين مدى الحياة لحشرنا في الزمن القبلي، الامر الذي يُحٓرِّمُ علينا ويحرمنا من التعاطي او التفاعل مع ديناميات العصر ومقتضيات التطور والحداثة!
انه الحلم التوراتي الذي يحاول العديد من الفلاسفة والمؤرخين اليهود إيقاظه منه ولقد اشرت الى ذلك في العديد من المقالات .. واليوم اكتفي بقول سارة نتنياهو اذ تترقب سقوط زوجها: “لقد حزمنا حقائبنا لنرحل، ولتحترق اسرائيل” .. وهذا ما توقف عنده هؤلاء الفلاسفة والمؤرخون الى جانب ما جاء في العديد من الصحف الأوروبية ان “بقاء نتنياهو في الحكم هو الذي يحرق اسرائيل” .. وبعد، فهم يُعَبِّرون عن خشيتهم مُحَذِّرين من أن تكون غزة قد انفجرت داخل اسرائيل — أوَليست هي القنبلة التي توجس منها دافيد بن غوريون!
فلا يغرّنك التهويل العسكري والاعلامي وإثارة الغبار والقنابل الصوتية والتطبيل بالتطبيع والتتبيع والانتشاء بالسُّعُر الصهيواوروبيكي متمثّلاً بجنون وسفه واهتياج و”طرنبة” نتنياهو وكَمائنِه، والتَّحرُّش، والتآمُر، والقَتلُ والتجويع والتَّهجيرُ والسبي والمجازرُ وتدميرُ القرى وبُلدانِ الآمِنينَ ونهبُها .. وهذه التصريحات الإجرامية التي سرّبتها وسائل الإعلام العبرية عن رئيس جهاز المخابرات الصــهيوني أهارون حاليفا تكشف بوضوح أن إبــادة 50 ألف فلســطيني كانت هدفاً مقصوداً ومطلوباً .. لا يغرّنّك صراخ العثمنة والتتريك والسلجقة، ولا تغرّنك جماعاتُ الإرهابِ الأسودِ وافتعال الأزماتِ والفتن المُتنقِّلة في سوريا والعراقِ وليبيا والسودانِ واليمنِ وإيران وباكستان – ولن ينجوَ منها بلد عربي او مسلم رزقه الله بالثرواتِ والموقع الاستراتيجي .. لا تغرّنك تداعيات الهيستيريا الايديولوجية في “دولة الكيان الإرهابي” بالتأويل الجنوني للنصوص المقدسة، وممر داوود .. لا تغرّك ايديولوجيا الاجتثاث الخارجة سواءً من التفسير التلمودى او من كهوف تورا بورا!
قالتها الكاتبة العربية الاردنية منذ نيف وعقد من الزمان: “اسرائيل” الى زوال – كما على ثرى فلسطين، كذلك في السماء: لا اسرائيل التلمودية التوراتية، ولا اسرائيل الكبرى او الكبيرة، ولا اسرائيل العظمى او العظيمة، ولا “يهودا والسامرة”، ولا 78% من فلسطين التاريخية .. ولا “اسرائيل” المقدسة ولا امريكا المقدسة .. لا الولايات المتحدة الإبراهيمية ولا الولايات الإبراهيمية المتحدة — هي، في كلتا الحالتين، “الويلات المحتدة” .. والمقاومة هم شعب الله المختار، وهم اصحاب القرار على ارضهم .. وخير لدولة الكيان وأمريكا (حيث تبيّن أن “اسرائيل” أصبحت عبئاً على الاستعمار الأميركي لا سيما في ظلّ معادلات قوة وقوى عالمية وإقليمية تتشكل الآن – قمة ألاسكا مثلاً) ان تقبل بإعلان “الجمهورية العربية الفلسطينية” المستقلة على 46 % من مساحة فلسطين التاريخية بعاصمتها القدس الشريف على أساس حل الدولتين والعودة الواحدة تنفيذاً للقرارين الأمميين 181 و194 (وهما شرط قبول عضوية “اسرائيل” في الأمم المتحدة أصلاً) .. وعليه، لا تتعدى مساحة دولة الكيان (سَمِّها ”اسرائيل الصغرى”) 54% من مجموع مساحة فلسطين البالغة 27027 كم2 — وإلّا، فالحل بالعودتين والدولة الواحدة!
باختصار أُكرر، هو حل الدولتين والعودة الواحدة (تكتيكياً)، وحل العودتين والدولة الواحدة (استراتيجياً)!
الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين بغزتها وقدسها و”الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ” ..
سلام الأقصى والمهد والقيامة والقدس لكم وعليكم تصحبه انحناءة إكبار وتوقير لغزة واهلها – نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
*كاتب أردني
اليمن الحر الأخباري لسان حال حزب اليمن الحر ورابطه ابناء اليمن الحر