الأحد , ديسمبر 14 2025
الرئيسية / اراء / كذبة السلام الأعظم وترامب.. الذي أوقف الحروب الكرتونية!

كذبة السلام الأعظم وترامب.. الذي أوقف الحروب الكرتونية!

 

د. ميساء المصري*

في قمة شرم الشيخ المزعومة، لا تُفتّش عن السلام، فتلك سلعة نُفدت منذ زمن من رفوف السياسة العالمية، واستُبدلت بعطور دبلوماسية مُعلّبة، تُرشّ على رائحة الدماء لتبدو مناسبة للتصوير. القمة كما تسوّقها أبواق واشنطن ستكون (تاريخية) كسابقاتها، ولكن التاريخ نفسه يقف على الشاطئ مذهولًا، يتساءل، هل دخلنا العصر النووي، أم حللنا ضيوفًا على سيرك انتخابي يرتديه ترامب كبدلة فاخرة؟.
فخامة مُخترع السلام في أوقات الفراغ، دونالد ترامب، قرر أن يسبق قمة شرم الشيخ بخطوة استعراضية أمام العالم ككل بزيارة سريعة لتل أبيب، والتييبدو ان بنيامين نتنياهو بحاجة لها، بقدر ما احتاجها ترامب ليُؤكّد للمُضيفين في شرم الشيخ من هو صاحب الدعوة الحقيقي. لم يحضر نتنياهو القمة، لكن مَن يحتاج حضوره الجسدي ما دام قد سلّم قائمة الطلبات إلى (حمامة السلام البرتقالية) القادمة من واشنطن؟…
ترامب زار إسرائيل، ولم يزرها. صافح نتنياهو، ولم يصافحه. بارك خطوات الحكومة الإسرائيلية، ثم يطير إلى القاهرة ليبيع صكوك السلام. هذا هو فن الدبلوماسية الحديثة، أن تُرضي القاتل، ثم تُقنع الضحية بضرورة الإبتسام للكاميرا.
أكاذيب ترامب لا تتوقف في كل مناسبة انتخابية من السلام الأعظم الى أنه أوقف “ثمان حروب”.و لم نعد نعرف ما إذا كان يوزّع أوسمة السلام على نفسه، أم يُعدّها كضمان اجتماعي انتخابي؟…أم خطط توزع بالمجان.

ad
ولنراجع قائمته الذهبية سريعًا من سد النهضة؟ الحرب الاثيوبية المصرية والتي هي مجرد خلاف دبلوماسي، حوّله ترامب إلى حرب كونية لم تحدث، ثم أعلن النصر من ملعب الغولف. وحرب كشمير؟ التي هي مجرد اشتباكات محدودة، نُسبت له تهدئتها رغم نفي الهند، وتلعثم باكستان. ثم حرب صربيا وكوسوفو؟ وكلنا نعلم ان الحرب انتهت منذ 1999، لكن ترامب بعث بها من الأرشيف ليُضيفها إلى سيرته البطولية. وحرب أرمينيا وأذربيجان؟ حيث إلتقط صورة في البيت الأبيض تُكافئ حسب قاموسه وقف إطلاق نار، حتى لو لم يوقّع أحد.
وكذلك حرب الكونغو ورواندا؟ أو الاتفاق الهشّ،الذي لم يشمل الفصيل الأهم، لكن “الجنرال ترامب” أعلن النصر بتغريدة من تويتر.
ثم تأتي التحفة الكبرى، غزة. الحرب لا تزال مستمرة، القنابل لا تزال تسقط، والمساعدات العسكرية تتدفق، لكن ترامب يؤكد للعالم أنه هو من أوقفها… على الورق، داخل خطابه، وفي عقل ناخبيه.
ad
كلنا نعلم أن شرم الشيخ الآن تستعد لعرض مسرحي دبلوماسي فخم. فندق خمس نجوم، مصابيح وردية، قادة عرب، مائدة فاخرة، وبيان ختامي مُعد مسبقًا يؤكد التمسك بالسلام الإقليمي، والإدانة الشديدة للعنف في المريخ. كل شيء محسوب، حتى التصفيق والصور التذكارية.
لكن خلف الستار، يعرف الجميع أن الإجتماع الحقيقي تم في تل أبيب.والخطاب الاصدق كان في الكنيست الاسرائيلي ، و قاعة شرم الشيخ لا تحتوي على قرارات، بل على أوامر نُسخت من أوراق نتنياهو، وعُدّلت بخط يد ترامب، ثم وُزعت على الحاضرين بعنوان، (من فضلكم…عليكم أن تصوّتوا على السلام).
وهكذا، يتحوّل القادة من صانعي قرار إلى ضيوف شرف في عرس سياسي عروسه ترامب، وشاهداه نتنياهو والغاز والسلاح…..
العبقرية الترامبية لا تكمن في إحلال السلام، بل في إعادة إخراج الحروب القديمة بنسخ جديدة، بلون برتقالي وموسيقى تصويرية. هو لا يتدخل ليمنع الحرب، بل لينتج نسخة محسّنة منها تُناسب مزاجه الإعلامي.
إنه رجل الصفقات، لا المبادرات. رجل العقوبات، لا التهدئة. رجل المصلحة، لا العدالة. رجلٌ حين يقول (السلام)، تقرأ خلف شفتيه(الربح).
ونتنياهو رغم أنه لم يحضر قمة شرم الشيخ، إلا أنه سيكون هناك في كل كلمة، في كل بند، في كل فاصلة.فلا تتوهمون ،حتى الكراسي مرتبة بعناية حول فراغه، ستشير إليه كأنه البابا السياسي الجديد، وستتعامل معه على أنه المقياس والمعيار.
ومن المثير للشفقة، أن بعض القادة العرب سيجلسون على الطاولة وهم يتأكدون من رضا تل أبيب، لا من مصلحة شعوبهم. قمة شرم الشيخ ستكون فعليًا (اجتماعًا عربيًا للمصادقة على جدول أعمال نتنياهو، وتوقيعه بختم ترامب).
و في نهاية القمة، سيقف ترامب أمام الكاميرات، يفتح ذراعيه كقديسٍ حديث، ويقول للعالم (لقد أنقذت الشرق الأوسط) انها الحرب ربما الإثنى عشر بالنسبة له فمن يدري تعداد حروبه . بينما في الواقع، ترك وراءه قنابل موقوتة، وصفقات سلاح، وخريطة جديدة تُرسم بالحبر السري.
هذا هو ترامب،لا يُوقف الحروب، بل يُجمّدها داخل صفقات. لا يُنهي النزاعات، بل يُخيطها على مقاس مصالحه. هو نبيُّ السلام الجديد… حامل الإنجيل التوراتي للربح، والوصايا العشر للمصالح المشتركة.
فمن يرفض خطته… يُشطب. ومن يوافق… يُصافَح. ومن يجرؤ على الإعتراض… يُدرج على قائمة أعداء السلام الأعظم.
إذن صدقوني لا تنتظروا من قمة شرم الشيخ شيئًا سوى المزيد من (السلام الأمريكي)، الذي يعني أرضٌ أقل، سيادةٌ أضعف، خريطة جديدة، وتوقيعٌ بحبرٍ غير مرئي… على بياض.
كل ذلك… برعاية ترامب، وبرضى نتنياهو، وتصفيق من لا يملك القرار….
*كاتبة سياسية من الأردن

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

عبدالقادر هلال : رجل ترك بصمة في قلب صنعاء

  بقلم / عادل حويس في كل عام عندما يحل الثاني عشر من ديسمبر تلتقط …