اليمن الحرالاخباري-زكريا حسان
استنفذت “خديجة” كل وسائل الصبر، ولم تستطيع الصمود أكثر أمام المعاملة القاسية، والعنف المستمر لزوج تتصاعد عصبيته وانفعالاته مع كل يوم يبقى فيها داخل المنزل، بعدفقدان عمله بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، فسقطت على الأرض بلا حراك مصابة بجلطة دموية شلت حركتها،وأفقدتها القدرة على النطق.
تجاوزت الأربعينية “خديجة” – اسم مستعار- وأسرتها كثير من المحن، والظروف الصعبة التي مرت بهم في الماضي، إلاأن المعاناة الشاقة بدأت مع سريان قرار حكومة صنعاء التابعة لجماعة الحوثي في 17من مارس الماضي بإغلاق عدد من المحال والمرافق، من ضمنها صالات الأعراس التييعمل زوج خديجة في واحدة منها بأمانة العاصمة،بالإضافة إلى محلات الكوافير والانترنت والحمامات البخارية وغيرها.
عنف غير مبرر
لم يكن الزوج معتاد على البقاء في المنزل لفترة طويلة، فمنذانقطاع راتبه الحكومي من المؤسسة العسكرية التي ينتمي إليها عقب اندلاع الحرب في 2015، واضطر للعمل في صالة الأعراس لتوفير ما أمكن من متطلبات الحياة، وتأمين إيجار منزله المتواضع بمساعدة أكبر أطفاله الذي لم يتجاوز عامه الرابع عشر، ويعمل في محل تجاري شمال أمانةالعاصمة.
تحول زوج “خديجة“ إلى رجل عصبي، يغضب لأبسطالأسباب، ويطلق عليهم سيل من الشتائم والسباب بشكل متواصل، تقول خديجة: “تغيرت أحوال البيت، وصار زوجيحاد الطباع، وتتصاعد عصبيته باستمرار حتى وصلت إلىالاعتداء الجسدي باللكم والصفع الذي ترك آثار متفرقة على جسدي وأجساد الأطفال، وصرنا عاجزين عن التعامل معه،ونعيش حالة من الرعب والخوف الشديد”.
وتضيف: “فكرت كثيراً بترك المنزل لكن خوفي على مصير الأطفال منعني، وفضلت تحمل الضرب والتعنيف، والبقاء لحمايتهم ما أمكن، ولو كنت غادرت لعاملهم بعنف أكبرلينتقم مني“.
منزل رعب
بقيت خديجة وسط جحيم المنزل، ولم تستطع أن تخبر أهلهاالذين يعيشون في محافظة أخرى عن المعاملة القاسية،والعنف الذي تتلقاه من زوجها، حتى لا تزداد الأمور تعقيداوتخرب بيتها بيدها، كما تقول.
خيم الصمت والرهبة على أركان المنزل، خوفا من ردة فعلغاضبة على أي تصرف غير مقصود أو أصوات مرتفعة من الأطفال، وتسلحت خديجة بكل صنوف الصبر وهي تحاولوضع حد لعصبيته المفرطة بالتخفيف عنه ومعاملته بلطف، وطمأنته أن كل شيء على ما يرام، وستمر الضايقة على خير، لكن دون جدوى.
تقول خديجة: كنت أرى علامات الرعب والخوف مرسومة طوال اليوم على وجوه الصغار، ولا أستطيع طمأنتهم حتى صاروا يكرهون والدهم، ويتمنون موته ليرتاحوا.
ضاقت حلقات الألم على خديجة، وازدادت مساحة المعاناة مع طلب مالكة المنزل للأسرة إخلاء المنزل الشعبي المتواضع الذي عاشوا فيه أكثر من 15 عاما لعدم قدرتهم على سداد الإيجار، وخشيت أن تصير وأطفالها على مشارف التشرد والضياع.
لحظة السقوط والانهيار
تمر الأيام طويلة، وتشعر “خديجة” أنها تخوض معركة خاسرة، في حياة تحولت إلى كابوس ثقيل جثم على صدر الأسرة لأكثر من 100 يوما قضتها مع الألم والدموع، وصارت تذبل مع كل صباح، حتى خارت قواها، وسقطت على الأرض فاقدة للحركة والنطق.
لحسن الحظ لم تكن الجلطة خطيرة على خديجة، وتمكنت من الشفاء، والعودة لطبيعتها بعد فترة العلاج، لكن ندوب قلبها بقيت مفتوحة حتى مع انتهاء فترة الإغلاق للصالات في 13 يوليو الماضي وعودة زوجها للعمل.
لم يفرض الحجر المنزلي في اليمن لكن وجود رب البيت المعتدي والغاضب مع ضحايا لا حول لهم ولا قوة، وقت طويل داخل منزل واحد يجعل الحياة لا تطاق، وتعيش الأسرة موتاًبطيئاً، ويتعرض الأطفال لضغوط نفسية كبيرة قد تدفعهم للهروب من البيت والضياع.
لا توجد إحصائيات عن عدد النساء اللاتي تعرضن للعنف خلال انتشار الفيروس، وحجبت ثقافة العيب التي تحرم على المرأة حتى البوح بأنها تعرضت للاعتداء، وما خديجة واحدة من كثير من قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن الذي تضاعف خلال فترة تفشي كوفيد 19،والانتهاكات التي تسدل عليها الأعراف والعادات والتقاليد ستار الصمت.
تعيش خديجة إلى حياتها الطبيعية بعد عودة زوجها إلىعمله، إلا أنها ما تزال تحمل ذكريات مأساوية عن تلك الفترة، وتخشى وهي تتابع أخبار الموجة الثانية من تفشي كوقيد19 أن يصدر قرار بإغلاق الصالات مرة أخرى وتعود إلى ذات الجحيم.
تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج ” الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد19″ الذي ينفذه مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA