عباس السيد
تكمن عظمة الثورات في عظمة الرسائل التي تحملها والمنهج الذي تسير عليه ، و أهدافها السامية التي تنشد الخير للفرد والمجتمع وتباركها السماء . وهنا ، لا قيمة لحجم القوة في العدة والعدد التي تسخر لنشر الدعوة أو تحقيق الثورة ، أو في مواجهتها ، فتلك أمور يتكفل بها المولى عز وجل .
اضطلع الرسول الأعظم محمد « ص » بالدعوة الإسلامية وبدأها بعشيرته الأقربين ، وقد كان يتيماً بلا قبيلة ولا مال أو نفوذ . وخلال 23 عاما ، تعرض لصنوف القهر والمحن ، لكنه رفض كل الصفقات لترك الدعوة التي حمل رسالتها .
ولأنها رسالة عظيمة ، انتشرت في أصقاع الأرض ، وبات المؤمنون برسالته يشكلون حوالي ربع سكان العالم ، وما تزال الرسالة المحمدية الأسرع انتشاراً بين الديانات .
في بداية العقد الأول من القرن الحالي ، نهض السيد حسين بدرالدين الحوثي بمهمة تصحيح مسار المجمتع وانتشاله من حالة السكون والضياع التي أضاع الناس في ظلها خير دنياهم ونعيم آخرتهم.
وخلال بضع سنوات عمل السيد حسين بدر الدين الحوثي على تعليم أبناء قريته النائية الجُمل الأربع المعروفة بـ « الصرخة » .
لم يؤسس ميليشيات ولم يعلمهم فنون القتال والحرب ، و لم يكن له مال ولا نفوذ ، بل كان مواطناً مستضعفا كباقي أبناء منطقته .
وحين كان عليه أن يختار بين ترك الصرخة أو الموت ، اختار الموت ، لكنه الموت الذي وهب الروح لصرخته والحياة لمشروعه ، فظل حياً خالداً بمشروعه ، ولم تفلح قوى الداخل والخارج خلال ست حروب في وقف الصرخة التي بدأت همسا في مران ، ومع انتهاء الحرب السادسة كان صداها يتردد من صحراء الجوف إلى سواحل حجة .
كانت تلك الانتصارات بمثابة آية ، إذ لا مجال فيها للقراءات السياسية والتحليلات العسكرية .
الآية الثانية تجسدت في مراسم تشييعه في يونيو 2013 في محافظة صعدة ، بعد تسع سنوات من إخفاء القتلة لجثمانه .
حينها كان مكون أنصار الله ما يزال بعيدا عن السلطة بما في ذلك سلطة محافظة صعدة ، لكن اليمنيين تدفقوا إلى صعدة من مختلف المحافظات للمشاركة في التشييع الذي لم يسبق أن شهده اليمن والمنطقة .
خلال الحرب الثانية التي شنتها السلطة على صعدة في مارس 2015، لم يكن أتباع مشروع السيد حسين بدر الدين الحوثي قادرين على ضبط زاوية مدفع هاون اغتنموه في صدهم زحف جيش السلطة على قراهم ، وفشلت أول تجربة لاستخدام المدفع بعودة القذيفة إلى جوار المدفع نفسه ، ومع نتهاء الحرب السادسة كانوا يتقنون التعامل مع كل الأسلحة والآليات التي كانت تستهدفهم .
وها نحن بعد 17 عاما من استشهاده ، نقف أمام آية آخرى من آيات الله ، يجسدها « معرض الشهيد القائد للصناعات العسكرية » فالمعرض يجسد قوة الله ، وليس قوة « الحوثيين » يجسد وعد الله لنصرة من ينصره ، ويدحض « ادعاءات » دعم إيران .
في أجنحة المعرض وزواياه تقرأ الكثير من الرسائل ذات الدلالات العميقة ، رسائل للداخل والخارج ، بشارات لليمنيين ، وإنذارات للمعتدين . ومثل مشروع الشهيد الذي بدأ بـ « الصرخة » يبدأ المعرض بصاروخ طوله متران وقطره نحو عشرين سنتيمترا يسمى « الصرخة » ، وينتهي بصاروخ « ذوالفقار « بطول 12 مترا وقطر يقارب المتر .
وبين « الصرخة وذوالفقار» وحولهما ، تعرض أربع نسخ من طائرة « الصماد » .. الصماد الذي شُبَّه لهم بأنهم قتلوه ، كما شُبَّه لهم من قبل أنهم قتلوا السيد حسين الحوثي ، ويحضر زلزال وبدر وبركان وتحضر القدس بصاروخها المجنح .
وعلى طريقة معارض التسوق التي تسبق الشهر الكريم التي توفر احتياجات المطبخ ، يوفر معرض الشهيد القائد إحتياجات كل الوحدات العسكرية ، البرية والبحرية والجوية ، فيمنحك شعورا بالقوة الممزوجة بالسكون والاطمئنان ، وتدرك أن هذه القوة ، هي من ستوقف الحرب وتحقق السلام . ألا يقول الأميركيون : « إذا أردت السلام فحمل السلاح « ؟ .
نعم ، اليمنيون ينشدون السلام ، السلام الحقيقي الذي يحفظ لهم كرامتهم وعزتهم ، ويحقق لهم سيادتهم على أرضهم وسمائهم وبحرهم ، ينشدون السلام الذي تتوقف معه مهزلة استباحة سواحلهم المترامية الأطراف ، السلام الذي يحمي جزرهم فلا تكون عرضة لنهب أي طامع يقوم باحتلالها بعملية أسهل من رحلة صيد ، كما حدث لجزر حنيش في ديسمبر 1995 .
هكذا يمر بك شريط النكسات والضعف الذي طبع سلطاتنا الحاكمة خلال العقود الماضية وأنت تتأمل في جناح الأسلحة البحرية داخل المعرض ، وفيها « الكرار وعاصف ، وثاقب والنازعات ، وبينها شهيد صفين « أويس». القائد اليمني الذي كان وحده مددا لنصرة الإسلام .
وهكذا يعلمنا معرض الشهيد القائد كيف نصنع ونكون سادة أعزاء في وطننا ، وكيف نحقق السلام بالقوة ، في عالم كالغابة لا تحكمه سوى القوة
“نقلا عن الثورة”.