خالد شـحام*
هل يمكن لأحدكم أن يقدم تعريفا لغويا سليما للمصطلحات الآتية : الكذب- التدليس -التهليس – التزييف – التضليل – التحريف – التشكيك – الطعن – التلفيق ؟
كما تلاحظون فجميع هذه المصطلحات اللغوية المعنوية تحولت إلى ( باكيج ) واحد في علم السياسة الذي نراه في تبعات العدوان على غزة ولم نكن ربما نركز عليه بالقدر الكافي سابقا ، جميع هذه المصطلحات تحولت اليوم إلى علم ومدرسة كاملة متكاملة في المنهجية الأمريكية والغربية بالمجمل التي نراها ونعايشها رأي العين وتكشفت ربما منذ الغزو الروسي لأوكرانيا .
طيلة الشهور العشرة التي تطول تباعا في العدوان الإرهابي على غزة أظهرت المعطيات الميدانية ركائز واضحة مثل الشمس حول حقائق ذات أهمية استراتيجية في مصير المعارك ، وأولها هو الجانب الأخلاقي والقيمي بشمول تفاصيله ومكوناته والتي يمثل الصدق بكل تشعباته جزءا هاما في مكونات المنظومة الأخلاقية التي نتكلم عنها ، في هذا الصدد كشفت المقاومة الفلسطينية لشعبها ولشعوب العرب والعالم عن مستوى رفيع من المصداقية في الوعود ونقل الحقائق والالتزام بالخطوط العريضة لمشروع المقاومة العربي بأدبياته وخطوطه الواضحة ، مقابل ذلك شاهدنا وسمعنا ولا زلنا نسمع متسلسلات عظمى من الخدع والألاعيب والوعود والتلفيقات الأمريكية التي تحاول بكل وقاحة وصفاقة أن تُغيّب وعي العالم وتتنكر بكل سطحية للحقائق الظاهرة التي لا يمكن إنكارها وتؤكدها كل وسائط الإعلام المنحازة وغير المنحازة .
بدأت سلسلة التزييف والكذب الأمريكية عندما تبنت الإدارة الأمريكية الرواية الصهيونية حول (قتل الأطفال والاعتداء على الاسرائيليات ) من قبل المقاومة ، ثم تطور الكذب إلى مستويات فجة عندما بدأت هذه الإدارة بإنكار أعداد الشهداء وتحويل المجزرة في غزة إلى تشكيك وإنكار وتسطيح للصور والأرقام ، وصدمتنا هذه الإدارة عندما أطلقت أكذوبتها الخالدة التي لا يمكن أن ننساها بأن ما يجري في غزة هو (دفاع عن النفس ) ولم يرتق إلى مستوى جرائم حرب ، تواصل الكذب الأمريكي في مواضع ساخنة انطلقت من خديعة الميناء العائم و امتدادا إلى المساعدات الجوية والضغط على فتح المعابر لإمداد المساعدات ، ولم يكن آخرها مسلسل دفع الهدنة والسعي في محاول إيقاف العدوان الإجرامي على شعب غزة ، إلى الحد الذي صرنا نضحك سخرية كلما أطل علينا صاحب الفك الخشبي السيد كيربي ليطقطق بفكه عن (الاقتراب من هدنة جيدة ) .
في داخل علم الكذب تقول القاعدة الأولى البسيطة بأن الأكاذيب الفعالة وذات الكفاءة يجب أن يكون لها مصدر أو منبع ويجب أن يكون لها داعمٌ ثم مُردِّد ثم مُستَقبِل مستهدف ، في حكاية الألم في العدوان على غزة كانت دويلة الكيان المجرمة هي المنبع الذي لا ينضب من الأكاذيب وقلب الحقائق وتزييف المصطلحات وعكس الباطل إلى حق وبالعكس ، وشاهدنا ولا زلنا نشاهد ذلك كل يوم ، رأينا كذلك كيف أن الولايات المتحدة تحولت إلى الداعم والراعي الرسمي لهذه الأكاذيب التي راح يرددها الإعلام الغربي والعربي المتصهين لتكون شعوب العالم هي المستهدفة في عملية غسل الدماغ هذه وتجييش العالم لصالح الآثام والجرائم الصهيونية -الأمريكية .
آخر الألاعيب الاسرائيلية السريالية المغشاة بالزيف والغش والكذب يقدمها لنا بطل رواية الأكاذيب بلا منازع السيد بيبي حيث تنكر في زي زائر إلى الولايات المتحدة يتم استدعاؤه على عجالة بشأن (تجاوز) و(اعتداء ) حزب الله على قرية مجدل شمس السورية المحتلة .
قرية مجدل شمس هي أرض سورية صرفة يسكنها ما يقارب 12ألف من أخواننا العرب الدروز والذين رفضوا بشدة هوية الاحتلال ومحاولة إذابتهم في مجتمع الكيان ولا زالوا حتى اليوم يتمسكون بإنتمائهم إلى الجمهورية السورية ويدينون بالولاء لحكومتها وقد ظهر ذلك جليا من خلال تصريحات كثيرة لهم تسيدها موقف السيد وليد جنبلاط الذي أفشل محاولة الإلتفاف وصناعة شق داخلي بين حزب الله والأخوة الدروز ،وفي جنازة الضحايا المهيية الذين سقطوا في التمثيلية الاسرائيلية لم نشاهد علما واحدا للدولة العبرية ، إضافة إلى المبادرة بطرد كل الثعابين الصهيونية التي حاولت الاندساس في الصف الدرزي بحجة إظهار التعاطف والدعم .
نتيجة هذه الحالة الثابتة من عدم التلاشي في الأرضية الصهيونية يحظى الدروز في كامل التاريخ السابق بنوع من عدم الرضى وبعمليات انتقامية باطنية من حكومات الكيان بين الحين والآخر .
تنكر السيد بيبي في ثوب الغائب غير الحاضر الذي تم الحدث في غيابه في التوقيت الصحيح لزيارة الولايات المتحدة ، وتم إطلاق الكذبة وترتيب الأوراق والبدء في شن حملة تهديدات متعددة الأفواه نحو حزب الله والاعتداء على لبنان ، لا شك بأنكم استمعتم لفرضيات متعددة حول سقوط الصاروخ الذي نفى حزب الله إطلاقه من الأساس بهذا الاتجاه ، وحتى تلك الفرضية التي تنص على أنه صاروخ ضل عن مجراه هي فرضية خاطئة لسببين إثنين ، اولهما هو الثقة المطلقة بجرأة ومصداقية حزب الله ، والثاني لأننا شاهدنا جميعا مستوى الدقة والتوجيه المصور الذي وصلته صواريخ حزب الله ، لو كان هذا السلاح مطلق فعلا كما تم الإدعاء لكانت هنالك أعداد ضخمة جدا من الضحايا ولأحدث دمارا أكبر بكثير مما شاهدنا وهذا رأي عديد من الخبراء العسكريين العرب الذين تابعوا الموضوع ودللوا على ذلك بقطر حفرة الانفجار.
إن السيناريو المؤكد هو أن الكذاب الكبير يقف وراء هذه الخطة في توقيت زيارته للكونجرس الأمريكي ، يجري رمي صاروخ معد مسبقا ومحمل بأجزاء من بقايا صواريخ ايرانية الصنع نحو قرية عربية -حيث لا يهم عدد ولا مسمى الضحايا العرب الدروز– ثم يتم الإدعاء على حزب الله بهذا الاعتداء واستخدام ذلك كذريعة لتمديد فترة العداون والحرب شمالا وجنوبا على غزة وحزب الله وربما اليمن كذلك وكل هذا يتطلب فتح المزيد من الخزائن الأمريكية وتبرير حزمة جديدة من المساعدات غيرالمحدودة في قتل الشعوب العربية وتعويض الهزيمة القاسية في غزة وربما كانت هنالك أجندات أخرى خفية مستجدة تنتظر في الضمير العبري المخادع .
بمعية لعبة الكذب الدائمة التي يقوم بها الكيان كركن أساسي في نشأته وتاريخه تصعد ظاهرة جديدة داخل دويلة العصابات هذه اسمها ظاهرة دويلة المليشيات ، والمليشيات التي ترونها وتتكاثر كل يوم تتمثل في تحول هذا الكيان المسخ من الإدعاء بدولة القانون وسيادة النظم والأعراف المطبقة على الجميع إلى مساحة متعددة السلوكيات ومتعددة الانفلاتات وتحولت المسألة إلى مهزلة لا تختلف عن دول العالم الثالث التي يعاب عليها هذه الظاهرة القبلية والعشائرية المتخلفة ، في داخل غزة يقوم الجيش المخرب بأفعال مشينة ومخزية لا تعيب مفهوم الجيش العالمي فحسب بل تعيب حتى الإنسانية لأن كل عصابة من هذا الجيش تقتل وتسرق وتعذب وتنسف بما يحلو لها خروجا عن أي ضابط أو رابط أو عرف ويتم دس هذا المحتوى الي يصور جرائمهم في صفحات التواصل الاجتماعي على أنه بطولات وإنجازات رخيصة من هؤلاء الجبناء ، في داخل السجون الصهيونية يتعرض الأسرى الفلسطينيون إلى حملة ممنهجة مزاجية من الإجرام يقودها مجنون رسمي يحضر بنفسه ليدوس ويهين بعض الأسرى ويطالب بحرمانهم من الطعام ويقيم لهم حفلات الضرب والاعتداء ويجهر بذلك على شاشات الأخبار العالمية بكل وقاحة ، في جانب آخر يتم تشكيل فرقة خاصة داخل المعتقلات الصهيوينة يشرف عليها مجنون من نوع آخر ليضع قوانينه الخاصة بتعذيب وتحطيم وتكسير عظام المعتقلين من غزة وآخر الفضائح التي تدينهم وتكشف عن وجود كيان المليشيات تتمثل في التعذيب والقتل البطيء والإهمال الطبي وقطع الأطراف و الاعتداءات الجنسية على المعتقلين المستضعفين من غزة في سجن (سدي تيمان ) في صحراء النقب حيث تطلق عليه الصحافة اسم (غوانتنامو الاسرائيلي ) ، إلى الدرجة التي دفعت الشرطة العسكرية الصهيونية للتدخل وكبح هذه الفضيحة التي أساءت لهم إساءة بليغة واعتقلت تسعة من المجرمين المعتدين على المعتقلين ، هذا التدخل دفع بالبلاد بالأمس إلى خليط من الفوضى بين اعتداءات مؤيدة واخرى رافضة من ذات المجتمع المليشياوي حيث هاجمت مليشيات مسلحة من المستوطنين الحثالة قاعة المحكمة والسجن فطلاق سراح من تم اعتقالهم ، لا ننس أن نقص عليكم الكتل والقطعان البهيمية من المستوطنين الذين أسسوا للظاهرة المليشية داخل الكيان من خلال عصابات تقدم عروضا دائمة في اعتداءتها وهجماتها على الفلسطينين والبيوت والمزارع دون حسيب ولا رقيب ، ولا ننس عصابات خاصة متخصصة في قطع الطرق ومنع وصول المساعدات إلى غزة المنكوبة بهم ، ولا ننس المليشيات التي هاجمت المؤسسة الأممية الأونروا وأمعنت في الحرق والخريب والتحطيم والقائمة أكبر من تعدادها .
كما تشاهدون فنحن أمام كيان كامل من الانحطاط الأخلاقي اولا ثم السلوكي ثانيا ، هذا المجتمع بقياداته ومكوناته وأفعاله الإجرامية القبيحة شرقا وغربا ، باطنا وعلنا هو المسؤول عما يجري في كثير من دول العروبة من برامج إفقار وتحطيم اقتصادي ، وهو المسؤول عن خلق الفاسدين وتحويل حياة الواطن العربي الى جحيم ، هؤلاء هم من يقف وراء المواقع الإباحية والرذيلة ويؤسسون للمثلية والفجور من الغرب حتى الشرق ، هؤلاء هم من يحرضون البشرية على القتل والاقتتال وسعار العدوان على بعضها البعض ، إنهم الجزء الأشد قبحا في كل البشرية وكلما جاءت الأيام كشفتهم وعرت حقيقتهم وعجلت في نهايتهم .
مقابل هذا الانحطاط الذي ساهم من حيث لا يدري في صقل الصورة المقابلة تأتي المنظومة الأخلاقية للشعوب المقاومة ، منظومة من الوفاء الانساني والقيمي تمثلته المقاومة الفلسطينية واللبناينة واليمينة في كلمة الحق والوفاء والصدق في الأقوال والأفعال ، نموذج اخلاقي رفيع كشفته غزة بصورة عفوية في كل مقابلة وكل صورة وكل موقف مهول في مجريات القتل اليومي لكل مواطن من غزة وكل إمراة حرة وكل طفل وكل عجوز في احتماله وصبره وتمسكه بخلق الإسلام الرفيع وتمسكه بقيم الإنسانية المسالمة الوفية لوطنها وعروبتها وعقيدتها ، هؤلاء من ستكتب لهم النجاة والنصر ، اما دول الكذب والمليشيات فإلى محرقة التاريخ .
*كاتب فلسطيني