د. معن علي المقابلة*
في مشهد يعيد تعريف كل المعادلات السياسية في المنطقة، صوّت الكنيست الصهيوني على ضم الضفة الغربية وغور الأردن، في خطوة تمثّل إعلانًا صريحًا بانتهاء أي وهم اسمه “عملية السلام”، وتدشينًا لمرحلة جديدة عنوانها “السيادة اليهودية الكاملة” على كامل الأرض من النهر إلى البحر.
هذا القرار ليس مجرد إجراء تشريعي داخلي لكيان الاحتلال، بل هو صفعة استراتيجية لكل من راهن على أن “الشرعية الدولية” قادرة على كبح جماح المشروع الصهيوني. فهل آن الأوان، بعد هذه الصفعة، أن تراجع السلطة الفلسطينية والأردن حساباتهما؟ وهل بات خيار دعم المقاومة، بكل أشكالها، هو الرد الوحيد الباقي أمام هذا الصلف الصهيوني المتغوّل؟
أولاً: السلطة الفلسطينية… رهينة المسار الميت
رغم كل ما جرى، ما زالت القيادة الفلسطينية متمسكة بمسار أثبت عجزه؛ تنسيق أمني مستمر، خطاب سياسي خافت، وشكل من أشكال “الإدارة الذاتية” تحت الاحتلال. الضفة تُبتلع قطعةً قطعة، ومع ذلك لا تزال التصريحات الرسمية تُراوح بين التنديد والمناشدة. فهل تنتظر السلطة أن تُستكمل خريطة الضم لتتحول هي نفسها إلى إدارة بلدية تحت السيادة الإسرائيلية؟
ثانيًا: الأردن… بين الخطر الصامت والرد الغائب
الخطوة الإسرائيلية تهدد الأردن في العمق؛ ضمّ غور الأردن يعني اقتراب الخطر من حدوده، ويعني شطب قضية اللاجئين عمليًا، ومقدمة لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الجغرافيا الأردنية. ومع ذلك، لا يزال الرد الأردني محصورًا في عبارات القلق والتحذير، دون أن يُترجم إلى مواقف ميدانية أو سياسات ردعية، وعلى رأسها دعم خيار المقاومة الفلسطينية بوصفه عمقًا استراتيجيًا للأمن القومي الأردني.
ثالثًا: المقاومة… اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو
التاريخ علمنا أن الكيان الصهيوني لا ينسحب إلا تحت النار. غزة، رغم الحصار والدمار، فرضت على العدو معادلات ردع. لبنان فعلها قبلاً. والضفة، إن تخلّت عن التنسيق الأمني وتحوّلت إلى ساحة اشتباك، قادرة على أن تعيد رسم الحدود السياسية للمشروع الصهيوني.
ولعل معركة الكرامة عام 1968، التي خاضها الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية كتفًا إلى كتف، كانت أول صفعة فعلية للعدو بعد نكسة حزيران، وأثبتت أن الدم العربي حين يُعبّأ في مواجهة الاحتلال، لا يُهزم. فالمقاومة لم تكن يومًا مشروع فوضى، بل كانت التعبير الأصدق عن إرادة الشعوب حين تتراجع الأنظمة.
أما الاكتفاء بالمذكرات الدبلوماسية، فلا يغيّر في قرارات الكنيست شيئًا، ولا يوقف جرافات الضم والاستيطان.
لا طحين بلا بارود
لقد أثبتت التجربة، مرارًا، أن من يُرد الطحين عليه أن يحمل البارود أولًا. فالكرامة لا تُستجدى من بوابات الأمم المتحدة، بل تُنتزع على خطوط النار. دعم الفلسطينيين لا يكون فقط بقوافل المساعدات الإنسانية، مهما بلغت أهميتها، بل بدعم مشروعهم المقاوم بالسلاح، بالمال، وبالقرار السياسي الحر. إن البارود هو الذي يحمي الطحين، لا العكس، وهو الذي يرسم معابر الشرف لا ممرات الذل.
في غزة، رغم الحصار الخانق، لم يكن الوصول إلى الطحين إلا بعد أن انطلقت الصواريخ، وتعطّلت عجلة الاقتصاد الصهيوني، وارتبك المجتمع الإسرائيلي نفسه. هكذا فُرضت معادلات الردع، لا عبر البيانات والمؤتمرات، بل عبر الميدان.
أخيرًا: من لا يدعم المقاومة سيدفع ثمن الانكشاف
الوقت لا يعمل لصالح أصحاب الحسابات الباردة. كل تأخير في دعم خيار المقاومة، سيُترجم لاحقًا بخسائر وجودية، لا سياسية فقط. فالمعركة اليوم لم تعد مع حدود 1967، بل مع كيان يريد ضم كل شيء، وإنهاء كل شيء، بلا مواربة.
فهل يستيقظ النظام الرسمي الفلسطيني والأردني من غيبوبته قبل فوات الأوان؟
أم سنبقى نُحصي الخسائر ونتلو بيانات الإدانة في جنازات الوطن؟
*كاتب وباحث وناشط سياسي اردني
اليمن الحر الأخباري لسان حال حزب اليمن الحر ورابطه ابناء اليمن الحر