بقلم/ أحمد الشاوش
عندما نقف بخشوع وروحانية ونتفكر ونتدبر الاية الكريمة “وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ” سورة الزمر أية رقم 70
نكون امام مشهد رهيب لذلك اليوم الذي تتم فيه الصيحة والصعقة الاولى لاسرافيل ، واذا كان الخلود ، خلود في الجنة كما وعد الله المتقين ، وخلود في النار كما توعد الله الكفرة والمشركين والطغاة والفاسدين والمنافقين ، فإن على المسلم من باب اولى أن يتبع الحق ويجتنب الباطل ويُحكم العقل والقلب ويوخز الضمير ويهذب النفس ليكون من السعداء والفائزين برضاء الله وتكريمه بمالا عينٌ رأت ولا اذنٌ سمعت ولاخطر على قلب بشر.
والمتأمل في هذه الاية الكريمة وغيرها من آيات الذكر الحكيم يتخيل الفزع الكبير والوجع الاكبر وحالات الالم والندم والحسرة والصراخ والاصطراخ في نار جهنم، وفقاً لقوله تعالى”وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَٰلِحًا غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ”
كما ان العاقل وصاحب كل ذي فطرة يُدرك كيف يساق الذين كفروا بالله عز وجل الى جهنم جماعات وكيف يُساق الذين أشركوا زُمراً متفرقة ، ونهاية مصير الطغاة والمستبدين والمتكبرين بعد النفخة الاولى والوعد الالهي بنهاية الكون والموت المحقق حتى لوكنا في بروج مشيدة .
كما ان الاية توضح لنا صوراً عن المجيء والهرولة يوم الحشر والبعث وكيف فتحت أبواب جهنم وحديث خزنتها ، الم يأتكم رُسُل منكم يتلون عليكم آيات الله وينذرونكم ويحذرونكم ، فينطق الكافرون والمشركون ” بلى ” وحقت كلمة العذاب ، بعد اقرارهم واعترافهم بالخطاء الفادح وعصيان أوامر الله، بعد ان اصابهم الندم والذل والخزي والخوف واليأس بتفتح أبواب جهنم والخلود فيها.
وما اجمل المشهد الرباني المهيب والمنزلة الرفيعة للمؤمنين الذين أتقوا ربهم وهم يساقوا الى الجنة فرحين بما انعم الله عليهم وكرمهم بالجنة التي اعدت للمتقين الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون ، حيث تُفتح لهم أبواب الخير والسعادة والفرح والسرور والسكينة والبركات والطمأنينة ، ويستقبلهم خزنة النار بقولهم ” سلام ” عليكم يوم طبتم فادخلوا خالدين .. وبهذا التكريم والفوز يقول المؤمنون الحمدلله الذي صدقنا وعده وأورثنا الارض وانزلنا الجنة .
ولنا ان نتفكر ذلك المشهد الرباني الذي يكشف لنا المقارنة بين منزلتين درجة وخالدة كرم الله فيها المؤمنيين الموحدين الصادقين الاتقياء والانقياء والمنفقين ممن اقاموا الصلاة وأدوا الزكاة وصاموا رمضان ايماناً واحتساباً وتصدقوا وحافظوا على صلة الرحم وجسدوا مكارم الاخلاق وكانت اعمالهم تثجسد اقوالهم فهنيئاً لهم دار القرار.
وفريق جهنم من الكفرة والمشركين والطغاة والظلمة الذين كذبوا بالقرآن والسنة النبوية ، وفصلوا القرآن الكريم وفق الاهواء والمصالح وحرفوا السيرة النبوية وفقاً للامزجه واغوو الامة وفتنوا الناس وتسببوا في سفك دماء الابرياء وأكلوا أموال اليتامى بالباطل وتحيلوا على ميراث بناتهم وزوجاتهم وأخوانهم وعصوا امهاتهم وابائهم وزين لهم الشيطان اعمالهم فتوعدهم الله بالخلود في نار جهنم.
قد يُزج بزيد او عمر في قسم شرطة او نيابة وجهاز مخابرات ويتلقى من التحقيق والايذاء وغيره بحق وبدون وجه حق وأحياناً لوشاية او عداوة قديمة أو اتجاه سياسي ومذهبي لشهر أو سنوات وقد يفرج عنه بمرسوم ملكي أو عفو رئاسي او يتوسط هذا الوزير ويشفع ذلك القائد ويتواصل ذينك الشيخ او تدفع الرشوة في سبيل اطلاق فلذة كبدها وتحريره من عذاب السجن ، لكن عدالة السماء لاتفرق بين ملك وامير وزعيم وقائد وسيد وعبد وغني وفقير لان الذي خلق السموات والارض ونظم الكون لايمكن ان يخل بالموازين ، فالكواكب والنجوم والاقمار والاجرام تمشي بدقة والليل لايمكن ان يسبق النهار وكل في فلك يسحون ، .
وعلينا جميعاً ان نتذكر ان باب التوبه مفتوح وانه سيأتي يوم تشهد علينا السنتنا واعيننا واذاننا ووجوارحنا ومامن قطعة إلا ينطقها الله عز وجل ، كما سيأتي كل مؤمن يوم القيامة وكتابه بيمينة وكل كافر ومشرك وظالم وطاغية ومستبد كتابه بشماله ، وسيكون القرآن الكريم خير شاهد علينا بهجره وسيشهد على اعمالنا واقوالنا ملائكة اليمين والشمال في تقرير مفصل عن كل كبيرة وصغيرة وشاردة وواردة يوم الحساب فلنتق الله ونعمل بإوامره ونجتنب نواهيه ، ونعلم ان هناك يوم لاينفع فيه مال ولابنون إلا من اتى الله بقلب سليم. .
وتبرهن الكثير من الايات انه بعزة الله وجلاله سيقط الطغاة والمتكبرين وتسقط القدسية والقداسة الزائفة والجيوش وفتنة المرافقين والخدم والحشم والاموال والقصور والبطانة التي أضلت الحكام والناس في ذلك اليوم الذي لاانساب بينهم ولاجاه ولاقبيلة وسيبُعث كل منا كما خلقه الله تعالى وستُفتح الصحف ويبدأ الثواب والعقاب ويسود ميزان العدال والحق .
أخيراً .. يقول الله تعالى : يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)
وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ جَنَّٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّٰتِ عَدْنٍۢ ۚ وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ.. التوبة 72
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 39 البقرة
وفي آية اخرى يقول عز وجل ” يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ” ايه 30 سوة ق
نسأل الله بحرمة هذا الشهر الكريم الذي أوله رحمة واوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ان يرحمنا برحمته وان يوفقنا الى مافيه الخير ويذهب عنا طمع الدنيا ويطهر قلوبنا بالايمان وان لايميتنا إلا وهو راضي عنا.