روضة عمران القبيسي*
التفاوض هو علم وفن في التعامل الإنساني، ولذلك جاء كتاب روجر فيشر «Getting to Yes» كأشهر الكتب في مجال التفاوض البنّاء، وفي لقاء مع الرئيس الإكوادوري السابق جمال معوض من قبل جامعة هارفارد العريقة عبر مركز قطر للقيادات، ناقشنا خلاله أهم مجريات حراكه السياسي وفن التفاوض في الفترة السياسية التي قضاها في الحكم منذ عام 1998م إلى عام 2000م، تمت مناقشة أحد أهم الأسئلة التي كانت تناقش معرفة السر الحقيقي وراء نجاحه في المفاوضات الوطنية الشائكة في بلاده، وخروجه من عنق الزجاجة بحلول مرضية للطرفين، فقال باختصار إنه طبق المحاور الخمسة الشهيرة التي بإمكانها أن تقود أي نقاش أو تفاوض مهما كانت درجة تعقيده أو سهولته إلى نتيجة مرضية للطرفين، من المُلاحظ جيدًا في أن العديد من المفاوضات الخاصة بتحرير الرهائن الأمريكية وخطف الطائرات، شخصيات خفية ساهمت في سيرها باستخدام مهارات التفاوض بشكل احترافي، وهو ما تحدث عنه البروفيسور روجر فيشر وعبّر عنه بمفهوم المحاور الخمسة المبدئية للتفاوض principled negotiation، حيث استند إلى طرح فكرة رئيسية تتمحور حول الفروق بين هزيمة الطرف الآخر لتبدأ حفلة المفاخرة بالإنجازات، وتحقيق النتائج المذهلة، من خلال أن يكون الشخص لينًا مع الناس وقويًا على المشكلة.
المبدأ الأول تمحور حول ضرورة التفريق بين الأشخاص والمشكلة، ومن وجهة نظري أنها إحدى أقوى المشاكل التي نعانيها نحن خلال تناولنا للقضايا العربية، حيث إننا نركز على: «من القائل»؟ وننسى فحوى ما قاله من معلومات مهمة أو نقاط قد نستفيد منها في بناء أفكارنا ومعتقداتنا المعرفية، وكما جاء في الحديث الشريف «الحكمة ضالة المؤمن»، كما أن المبدأ الثاني يتركز على دائرة الاهتمامات المشتركة وليس التركيز على موقفنا الحالي من المشكلة، حيث نهم بالدفاع عن أمر ما هو في الواقع ليس من صلب القضية، فإننا نتحول تلقائيًا من دون أن نشعر إلى أحد أطراف المشكلة، وقد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير، ولذلك من البديهيات التي قد ينساها المتفاوضون أثناء ممارساتهم الدبلوماسية الإصرار على الموقف بشكل عشوائي، وفي هذا الوقت تبرز لدينا أهمية تناول المبدأ الثالث الذي يتحدث عن المطالب المزاجية وغير العقلانية للمتفاوضين، كما أن المبدأ الرابع يحاكي الآليات الابتكارية والحلول المناسبة للاستفادة من تحقيق مطالب الطرفين وفق أسلوب نؤلف به قلب الطرف الآخر ونجذبه باتجاهنا لحلول لم تخطر على باله وتلبي جوهر مطالبه.
في الختام ندرك أن المبدأ الأخير هو معبر عما نمارسه بشكل يومي من ممارسات شرائية حينما ندخل إلى متجر ونحدد في أذهاننا سقفًا معينًا من الإنفاق، هذا ما يُسمى بمبدأ «باتنا» وهي منطقة غامضة لطرفي الصفقة، فالمشتري لا يعرف على وجه اليقين أدنى سعر يمكن أن يقدمه له البائع ولا البائع يعرف بشكل حاسم أقصى مبلغ يمكن أن يدفعه المشتري، هذه هي منطقة «باتنا» وهي اختصارات للحروف الأولى من مبدأ أفضل بديل لما يتم الاتفاق عليه، فلا يُعقل مثلًا أن يقبل المتقدم للوظيفة بأول راتب يعرض عليه في مقابلة وظيفية، من دون أن يحاول رفع السعر مستندًا إلى حجج وجيهة. وكثيرًا ما ينجح المشترون حول العالم لأنهم أدركوا أهمية المحاولة للوصول إلى أدنى سعر يمكن أن ينزل إليه البائع والعكس صحيح.
*خبير التنمية البشرية
Instegram: @rqebaisi
Email: rqebaisi@gmail.com
نقلا عن جريدة الراية