د. يوسف بن علي المُلَّا*
شعر ذلك المريض بثقل الزمن، وبات رويدا رويدا لا يفرق بين الليل والنهار، بل وأعياه السُّعال وهو ينظر بقلبه لا بِعَيْنِه إلى لياليه بالمستشفى، ويُحدِّث نفسه قائلا: ما زلت بين الحياة والموت. وهكذا كانت حقيقة بعض مرضى فيروس كورونا (كوفيد19)، وهذه قصتهم بين معاني الوباء والجائحة، وبين بدايتها والنظر إلى أفق نهايتها، وما تعدَّاه ناظرهم في تلكم المعاناة والقلق من الفناء!
في غضون ذلك، لا تزال الجائحة تنتشر بشراسة في أنحاء كثيرة من العالم، ولا تزال تهدد قطاعات كبيرة من البلدان عالية التحصين، بما في ذلك بعض مواطنيها الأكثر ضعفًا. بل ولا تزال مشكلة مجتمعية مشتركة. كيف لا؟ وها هو الفيروس يتطور حول اللقاح، لكنه ربما لا يمكن أن يتطور لينتقل عن بُعد عبر المساحات المفتوحة أو يشق طريقه عبر الأقنعة. ومع ذلك، فإن السلطنة حالها حال دول شتَّى تبذل قصارى جهدها للحصول على اللقاح وتوزيعه، على الرغم من أن معظم المواطنين أو المقيمين ما زالوا لم يحصلوا على جرعتهم الأولى، وعلى الرغم من احتمالية أن تكون أقل من المناعة المجتمعية (مناعة القطيع). وبدلًا من التساؤل (كيف ننهي الوباء؟) يبدو أننا يجب أن نتساءل، (ما هو مستوى الخطر الذي يمكننا تحمله؟) أو ربما، (من يتحمل هذا الخطر؟).
وبشكل ما أوضح هذا الوباء هنا، أن العالم معرَّض للأمراض المُعْدِية وعلينا تطبيع فكرة الاحتراز دائما وأبدا كما نرى في دول أخرى واجهت أوبئة مماثلة. وهذا يقودنا للتأكيد أن خلق حوافز للتطعيم الآن أمر حيوي؛ بينما التعامل مع إزالة تدبير وقائي مهم أو كما يظن البعض بعد حصولهم على جرعة أو جرعتين من اللقاح فهو حقيقة ـ إن صحَّ لي التعبير ـ حماقة. فكيف لنا أن ندعم ضمنيًّا السَّرد الفردي بأن التدابير الوقائية هي أعباء، ويحتاج الناس إلى الابتعاد عنها للعودة إلى الوضع (الطبيعي)؟!
ما أعنيه هنا، أنه أثناء هذا الوباء قد لا يزال الشخص الذي يتحمل كل المسؤولية الشخصية متأثرًا بانعدام السلامة والاحترازات الصحية. فهم تمَّ تطعيمهم، ولكن ربما يصابون بالمرض بالعمل في محل بقالة وسط أشخاص غير ملتزمين بالاحترازات الصحية أو لا يضعون الكمامات… وقد كان!
وهنا لا شك بأنه يمكن أن تنتشر اختيارات الفرد إلى الخارج لتؤثر على عائلته وقريته ومدينته؛ فيمكن لشخص مريض أن يبذِّر حالات في كل مكان. في المقابل، تعتمد احتمالات إصابة كل شخص بالمرض على اختيارات كل شخص من حوله، وجزما إذا لم يتم تحصينك للآن أو أنك تنتظر دورك بالتحصين فصحتك بين يديك! لا سيَّما وأننا نعي الآن بأن اللقاحات أضحت حلًّا جماعيًّا للأمراض المُعدية، خصوصًا إذا كان عدد كافٍ من الناس محصَّنين من أن الأوبئة فستنتهي من تلقاء نفسها. وحتى إذا لم نحقق المناعة المجتمعية، فإن اللقاحات ستوفر قدرًا من الحماية الجماعية، وتجعل الناس أقل عرضة لنشر الفيروس لبعضهم البعض. ناهيك عن أن الحالات النادرة التي يصاب فيها الأشخاص الذين تمَّ تطعيمهم بالكامل بعدوى مفاجئة، تكون هذه العدوى أكثر اعتدالًا وأقصر فترة زمنية.
ختامًا، إن أكبر ما يقلقني هو أن أولئك الذين لم يتم تطعيمهم سيكون لديهم شعور زائف بالأمان. قد تشعر أن التهديد قد تضاءل تمامًا إذا كان هذا في الأخبار، ولكن إذا لم يتم تطعيمك وأُصبت بهذا الفيروس، فإن مخاطرك لا تزال مرتفعة. ولعلَّ الأشخاص غير المحصَّنين أقل عرضة لمقابلة شخص مُعدٍ، ولكن في كل مواجهة من هذا القبيل، أصبحت احتمالات إصابتهم بكورونا أكبر مما كانت عليه في العام الماضي. وبشكل ما، لا شك أننا ندرك كيف سينتهي هذا… ولكن من سيتحمل المخاطر المتبقية؟
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي عماني