كمال خلف*
بعد متغيرات قلبت الموازين في الواقع السياسي والمعيشي اللبناني المأزوم تمثلت بكسر حزب الله وحلفائه الحصار عن لبنان، وإدخال الوقود من البحر عبر الحدود مع سورية، وفي ضوء ذلك اعطت الإدارة الامريكية الضوء الأخضر للحكومة اللبنانية للانفتاح على سورية بهدف تمرير الغاز والكهرباء من الأردن ومصر الى لبنان عبر الأراضي السورية، لتفادي تكريس حزب الله صورته كمنقذ وحيد للشعب اللبناني في ضوء عجز الدولة وتجنب الحكومات البحث عن مصادر متنوعة للطاقة والدعم خوفا من اغضاب الإدارة الامريكية ولو على حساب معاناة اللبنانيين. وعبر وفد رفيع رسمي لبناني بعد عشر سنوات من القطيعة الحدود واجتمع مع المسؤولين السوريين . ودخلت العلاقة مرحلة جديدة.
وإزاء هذا الوضع الجديد بات واقعا ان الاطراف السياسية اللبنانية التي تورطت في مشروع اسقاط النظام في سورية سابقا، وانخرطت في مشروع مواجهة وتشويه صورة حزب الله لدى الشعب اللبناني برعاية أمريكية وبمساعدة اطراف إقليمية، دخلت هذه القوى اليوم في حالة ارباك وتخبط و ازمة خطاب تجاه الشعب اللبناني والراي العام وخصوصا تجاه انصارهم. وهذه الأطراف والجهات والشخصيات السياسية، بدأت حملة عشوائية ضد الواقع الجديد، دون ادراك لحجم المتغيرات المتسارعة ليس فقط في الداخل اللبناني انما على مستوى الإقليم والعالم . ومن الواضح انها من ناحية تحاول توجيه السهام الطائشة، ومن ناحية أخرى تعاني من مشكلة ضبابية وضعها الداخلي وعدم فهم سياسات قادتها في الخارج.
هذه الأطراف بدت وكأنها فقدت عوامل وحوامل هجماتها وحملتها على حزب الله واتهامه المتكرر بانه سببا مباشرا للازمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وان المقاومة هي المسؤولة عن الحصار وعزلة لبنان والازمة المعيشية . وباتت هذه الأطراف تواجه بسؤال محرج ماذا فعلتم من اجل التخفيف من الازمة ؟ اين حلفاؤكم؟ اين الأموال التي تصلكم من الخارج؟ لماذا لم يرسل اصدقاؤكم مساعدات ووقود لإنقاذ لبنان، كما يفعل حلفاء حزب الله؟
ان تخفيف حدة الازمة عبر مبادرة حزب الله لجلب سفن الوقود من حليفه الإيراني بمساعدة حليفه السوري، وتقديم هذه الشحنات لكل الشعب اللبناني دون تمييز، بل وتقديم الوقود هبات دون مقابل للمستشفيات ودور العجزة ودور الايتام، وضع الحزب بموضع المنقذ الفاعل واظهر اخلاقيات القوة وايثار وتواضع المقتدر . واكثر من هذا استطاع حزب الله الفوز في لعبة التحدي للحصار الأمريكي والتهديد الإسرائيلي.
وهكذا اسقط بيد اعدائه بالداخل وسحب منهم لغة الخطاب لتنفيذ الهجمات ضده . خاصة ان الولايات المتحدة اثرت الصمت وعدم التصعيد، وإسرائيل اغمضت عيونها عن مرور السفن عبر المتوسط.
وإزاء هذا الوضع المستجد لجأت هذه الجهات الى خطاب غاية في الغرابة، كان مثارا للسخرية وقوبل بكم هائل من التندر والنكات على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد عبرت هذه الخطابات والاتهامات عن مدى التخبط الذي يعيشه جماعة السفيرة الامريكية في بيروت، وعن ازمة الخطاب التي بات يعاني منها هذا الفريق في لبنان.
واليكم قائمة بابرز تلك الاتهامات الخنفشارية وهي اتهامات اطلقت بالفعل من على منابر إعلامية او ضمن منشورات لسياسيين، وليست من وحي الخيال، او في اطار برامج الكاميرا الخفية .
الاتهام الأول: كان سابقا لوصول الوقود وفي لحظة اطلاق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مبادرة جلب الوقود من ايران. قالت هذه الأطراف حينها ان نصر الله يطلق مواقف سياسية غير واقعية، وهذا الامر غير قابل للتطبيق ومجرد عرض عضلات للاستهلاك الداخلي. وعند سؤال رئيس حزب القوات اللبنانية “سمير جعجع” عن اعلان السيد نصر الله هذا، أجاب بان “هذه مزحة سمجة وغير قابلة للتحقيق”، وأضاف مؤكدا ان ايران تعاني من نقص في الوقود أصلا فكيف يمكن لها ان تعطي لبنان؟ ولكن هذا الادعاء سقط مباشرة بعد اعلان السيد نصر الله ان السفن تحركت نحو لبنان.
الاتهام الثاني: جاء بعد ان اصبح وصول الوقود الإيراني امرا واقعا وحقيقة ماثلة امام الاعين، فبدأت ماكينة جوقة أمريكا اللبنانية تقول للجمهور ان الحزب خزن وقودا لبنانيا مهربا داخل الأراضي السورية سابقا ثم أعاد نقله الى لبنان على انه وقود قادم من ايران، أي لا وجود لسفن قادمة من ايران، وانما ما قام به حزب الله مسرحية فقط لإيهام اللبنانيين انه يعمل من اجلهم. وهو اتهام اثار سخرية عارمة لدى رواد التواصل الاجتماعي، واصبح يتم تداوله كنكتة للضحك، وطبعا هذا الاتهام لم يتكلف احد عناء تفنيده او الرد عليه لانتفاء الحاجة لذلك نظرا لهزلية الاتهام.
الاتهام الثالث: اشاعت تلك الأوساط المعادية لحزب الله ان الوقود الإيراني عديم الجودة ويؤدي الى اعطال في المولدات، ولا يصلح للسيارات في لبنان وفي حال تزودت السيارات منه فانها ستتعطل فورا. هذا الاتهام سقط أيضا بالتجربة العملية مع البدء الفعلي لتشغيل المولدات من شحنة المازوت الأولى التي توزعت في معظم المناطق اللبنانية والتي بدأت تعطي الكهرباء للمناطق ولمدة عشر ساعات متواصلة وبسعر زهيد جدا. اما شحنة البنزين ستصل الأسبوع المقبل، ولا نشك بان الادعاء حولها سيسقط أيضا.
الاتهام الرابع: وهو اخر تقليعة الاتهامات العجيبة ويفوز بجدارة بجائزة اكثر تصريح سياسي اضحاكا في القرن الواحد والعشرين . وجاء على لسان النائب عن حزب القوات “أنطوان زهرة” . الذي قال في لقاء تلفزيوني امس ان الغاز المصري الذي سيمر عبر الخط العربي من سورية سوف تقوم سورية بسحبه واستبداله بغاز اقل جودة. نعم صدق أولا تصدق هذا كلام قاله نائب في البرلمان اللبناني . أي ان سورية لديها مخزون كبير من الغاز قليل الجودة، ستقوم بثقب الانابيب وسحب الغاز المصري، ثم وضع الغاز السوري من الثقب وضخه الى لبنان، “لقد اكتشف الملعوب النائب الذكي”.
اما اكثر التصريحات السياسية سماجة تلك التي اطلقها بعض سياسيين “السيادة والاستئلال” ويسألون فيها: هل دفع حزب الله جمارك على الوقود الداخل الى لبنان؟ لا اعرف بالضبط ان كان هناك تعريفه جمركية على الوقود، ولكن اذا نظرنا الى الواقع اللبناني قبل أيام حيث توقفت افران الخبر، وانقطعت الكهرباء بشكل شبه تام، ونام الناس على الشرفات وداخل السيارات من حرارة الطقس، وتهددت حياة آلاف المرضى في المشافي ولم تنفع الصرخات، وأعلنت الدولة عجزها. ثم جاء طرف لبناني وبادر بمد يد العون وبجهد وعناء ومخاطرة وصلت حد الاستعداد لخوض حرب، ليمنح سبل الحياة مجانا للمؤسسات الاجتماعية ودور رعاية المسنين والايتام والمشافي والافران، وباسعار زهيدة للمؤسسات الخاصة وأصحاب المولدات لكهرباء المنازل. ثم يأتي سياسي من فريق متهم بتخزين ملايين ليترات الوقود، وحجبها عن الشعب واحتكارها بعز الحاجة والازمة، ليقول هل دفع حزب الله جمارك الوقود لدخولها البلاد. ماذا يمكن وصف هذه المفارقة؟
ان اطلاق التصريحات الساذجة لا يدل الا على حالة من فقدان التوازن في المعسكر الأمريكي داخل لبنان، وهي حالة بتقديرنا سوف تستمر وتتفاقم. عندما جنحت أمريكا الى سياسية التازيم في لبنان، كانت تعتقد ان ذلك سوف تضعف حزب الله، لكن النتائج جاءت عكسية. انها التقديرات الامريكية أيها السادة، ولكم في أفغانستان اسوة وعبرة.
*كاتب واعلامي فلسطيني
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …