الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / أثر “المقاطعة الدبلوماسية” لأولمبياد بكين؟

أثر “المقاطعة الدبلوماسية” لأولمبياد بكين؟

د/ تمارا برّو
عندما استضافة الصين الألعاب الأولمبية الصيفية في العام 2008، كان الرئيس الأميركي السابق جورج د. بوش حاضراً مع رؤساء آخرين لمشاهدة افتتاح أولمبياد بكين الصيفية. ولكن بعد 14 عاماً بقيت العاصمة الصينية بكين مقر الأولمبياد الشتوية لعام 2022 ولكن بوضع عالمي مختلف إذ أنه من المقرر أن تستضيف بكين دورة الألعاب الأولمبية الشتوية بين 4 و 20 شباط /فبراير من دون جماهير أجنبية بسبب تفشي فيروس كورونا المستجدّ، حيث سيقتصر الحضور على الصينيين المتواجدين في الصين. ومن جهة أخرى، تشهد العلاقات الصينية الأميركية تدهوراً غير مسبوق أرخى بظلاله على الرياضة. فقد أعلنت واشنطن مقاطعتها دبلوماسياً لدورة الألعاب الأولمبية بحجة انتهاك الصين لحقوق الإنسان، ولكنها سمحت للاعبيها بالمشاركة في الأولمبياد. من جهتها حذرت الصين الولايات المتحدة الأميركية بأنه سيتعين عليها دفع الثمن لمقاطعتها أولمبياد بكين وأنها(بكين) ستتخذ إجراءات مضادة حازمة.
وعلى خطى الولايات المتحدة الأميركية أعلنت كل من أستراليا، كندا، بريطانيا، وليتوانيا مقاطعتها دبلوماسياً أولمبياد بكين، أما نيوزيلندا فأرجعت عدم حضورها الأولمبياد إلى جائحة كورونا. قرار حلفاء أميركا بالمقاطعة الدبلوماسية لم يكن مستغرباً إذ شهدت علاقاتهم مع الصين برودة كبيرة في الأعوام الأخيرة بدعم من واشنطن التي حاولات تشكيل تكتلات لمواجهة النفوذ الصيني في المحيط الهادئ كإنشاء تحالف أوكوس وإعادة إحياء تحالف كواد. أما فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، فقد أقر البرلمان الأوروبي في شهر يوليو/تموز الماضي، قراراً غير ملزم يدعو المسؤولين الدبلوماسيين إلى مقاطعة الألعاب الأولمبية الشتوية ما لم تُظهر الحكومة الصينية تحسناً يمكن التحقق منه في حالة حقوق الإنسان في هونغ كونغ ، شينجيانغ ، التيبت ، منغوليا الداخلية وأماكن أخرى في الصين. يدرك الاتحاد الأوروبي أهمية الصين اقتصادياً بالنسبة إليه لذلك من المرجح أن لا تقاطع دول الاتحاد دبلوماسياً أولمبياد بكين.
جاءت المقاطعة الأميركية لأولمبياد بكين 2022 بعد أسابيع من الاجتماع الافتراضي الذي تم بين الرئيسين الأميركي والصيني والذي على ما يبدو فشل في التوصل إلى اتفاق حول بعض القضايا الخلافية بينهما لاسيما قضية تايوان، إذ أعلن جو بايدن بعد الاجتماع عن عقد مؤتمر قمة افتراضية بشأن الديمقراطية مستثنياً الصين من الدعوة، بالمقابل دعا تايوان لحضر القمة وهو ما عارضته بشدة بكين التي تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها، بالاضافة إلى قيام وفد من أعضاء الكونغرس الأميركي بزيارة تايوان التصرف الذي اعتبرته بكين انتهاكاً لـ مبدأ الصين الواحدة.
لا يخفى أن تصرف الولايات المتحدة وحلفائها آثار غضب بكين فقد قال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبن إن الدول التي سترسل رياضيين إلى الألعاب الأولمبية لكن ليس مسؤولين رسميين، “ستدفع ثمن” قرارها.
يدرك القاصي والداني أن السبب الحقيقي وراء مقاطعة أولمبياد بكين دبلوماسياً ليس بسبب انتهاك الصين لحقوق الإنسان، وإن كانت هناك ضغوطات كبيرة على الادارة الأميركية منذ مدة بمقاطعة الأولمبياد بحجة انتهاك حقوق الإنسان، بل لأسباب سياسية بحتة نتيجة التوترات التي شهدتها العلاقات الأميركية الصينية خلال السنوات الأخيرة إذ تسعى الولايات المتحدة إلى محاصرة الصين وكبح صعودها، وتضغط واشنطن على حلفائها كي تسير على خطاها، فضلاً عن عدم حضور الرئيس الصيني قمة قادة مجموعة العشرين وقمة المناخ الأمر الذي اثار حفيظة الرئيس بايدن.
لن تؤثر المقاطعة الدبلوماسية على أولمبياد بكين ما لم يستتبع ذلك مقاطعة الرياضيين للمشاركة، وستجري المباريات على قدم وساق، ولكن من الناحية المعنوية فإن هذا الإجراء ليس بالأمر السهل على الصين ، الدولة العظمى، إذ سيذكر التاريخ مقاطعة بعض الدول دبلوماسياً لأولمبيادها بحجة انتهاكها حقوق الإنسان. ويقع على الصين أن تتعامل بهدوء مع أي استفزازات يمكن أن تحصل في المباريات يكون فيها إشارة أو تلميحات الى انتهاك لحقوق الإنسان أو استقلال تايوان.
مما لا شك فيه أن مقاطعة أولمبياد بكين ستؤثر على العلاقات الصينية الأميركية وستزداد سوءاً، وإن كان العالم قد تنفسى الصعداء بعد توصل الجانبين إلى اتفاق لمواجهة تغير المناخ خلال انعقاد مؤتمر تغير المناخ كوب 26 في غلاسكو والذي على ما يبدو أنه اتفاق ظاهري وتبقى العبرة في التنفيذ. وسبق للصين أن أعلنت في أثناء زيارة المبعوث الأميركي لتغير المناخ جون كيري لأراضيها أن قضايا المناخ لا يمكن فصلها عن العلاقات العامة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.
وإذا كانت الصين قد حذرت باتخاذ إجراءات مضادة ضد المقاطعة الدبلوماسية فمن المحتمل أن تقوم بفرض عقوبات رمزية على بعض مسؤولي الدول التي تقاطع ديبلوماسياً الأولمبياد، وزيادة الضغط اقتصادياً عليها، وإذا استمر تدهور العلاقات بين واشنطن وبكين حتى انعقاد أولمبياد لوس انجلوس 2028 ، فمما لا شك فيه أن الصين ستقاطع دبلوماسياً حضور الأولمبياد. ويمكن للصين أن تنتقم من الولايات المتحدة الأميركية عبر فوزها بالمركز الأول في أولمبياد بكين وحصولها على أكبر عدد من الميداليات الذهبية. فالصين أصبحت قوة أولمبية عظمى وتجلى ذلك بوضوح في أولمبياد طوكيو 2020 حيث شهدت الأولمبياد تنافساً حاداً بين الصين والولايات المتحدة الأميركية التي حلت في المركز الأول تلتها الصين في المركز الثاني بفارق ميدالية ذهبية واحدة.
بالمحصلة، إن المقاطعة الدبلوماسية لن تؤدي إلى فشل الأولمبياد، ولكن كان هناك فرصة كبيرة لدعوة بايدن إلى حضور الأولمبياد والاجتماع وجهاً لوجه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ والتباحث حول النقاط الخلافية بينهما. وربما كنا سنشهد اجتماعاً ثلاثياً يضم كل من الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعلن أنه سيحضر الأولمبياد ، هذا الاجتماع الذي كان سيساهم في تخفيف التوتر بين الصين وأميركا من جهة وأميركا وروسيا من جهة أخرى، فضلاً عن الاجتماعات الهامشية التي كانت من الممكن أن تحصل بين أميركا وممثل إيران في افتتاح الأولمبياد فيما لو قرر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الحضور شخصياً أو إرسال وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان.
*باحثة في الشأن الصيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …