محمد مصطفى العمراني
بالأمس شن خطباء الجوامع في السعودية حملة شعواء على جماعة ” التبليغ ” وقالوا فيها ما قاله مالك في الخمر وأكدوا على “ضلالها وانحرافها وخطرها، وأنها بوابة من بوابات الإرهاب ” ، واتهموها بأنها ” جماعة حزبية ” وغيرها من الاتهامات التي كالوها للجماعة وحاولوا إقناع الناس بأنها الشر المستطير والخطر العظيم الذي يتهدد البلد.!
من المعروف أن خطبة الجمعة في السعودية ترسل من وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد إلى الخطباء وما عليهم إلا قراءتها ، فالخطيب في نهاية المطاف موظف لا يحق له الإجتهاد ، ولذا فإن الموقف من جماعة التبليغ هو موقف السلطات السعودية ، إذ ليس للعلماء ولا للدعاة وخطباء الجوامع أي حرية في القول والاجتهاد ، ومن خالف تم رميه في السجن ، حيث يرزح الآلاف من العلماء والدعاة في السجون في صمت عالمي مطبق ومريب .!
للأسف تستخدم السلطات السعودية منبر الجمعة وتوجهه لما يخدم خطابها ويدعم سياستها بغض النظر عن صحة سياساتها أو موافقتها للكتاب والسنة ومصالح الأمة .!
وإذا كانت السعودية قد بررت حربها على جماعة ” الإخوان ” بأنها ” تتطلع للسلطة ” فما هي تهمة جماعة التبليغ وهي جماعة دعوية بعيدة تماما عن السياسية ولا تتطلع للسلطة وتدعو للزهد في الدنيا وكل ما تفعله هو الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ؟!!
◼️اتهامات بلا دليل
وإذا قمنا بمناقشة التهم الموجهة لجماعة ” التبليغ ” بحسب البيان الصادر عن مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بخصوص الجماعة فلن نجد فيه مبررا لشيطنة الجماعة وشن الحملة عليها من منابر المساجد ، وكل ما في الأمر أننا سنجد أن كل الاتهامات التي ساقها للجماعة في حال صحتها هي أخطاء أو جوانب قصور بشرية ، باستثناء اتهامه للجماعة بأن لها ” مرجعية تكاد تكون وثنية ” وهو اتهام بغير دليل ، أما بقية الاتهامات مثل : أنهم ” متقوقعون ومنزوون على أنفسهم ” أو أن ” لديهم قلة في العلم والفقه ” أو أنهم يعيشون ” سلوك تصوفي ليس له صلة بالعلم النافع والعلم الصالح ” فكلها من الأمور التي فيها نظر ، وفي حال صحت هذه الاتهامات فإنها أخطاء والأصل أن ننصحهم ليقوموا بتلافيها وتسديد جوانب القصور في منهجهم ومسلكهم فالدين النصيحة وليس الحل بشيطنتهم ومحاربتهم واتهامهم بالضلال والانحراف وتصويرهم على أنهم الخطر الداهم الذي يهدد المجتمع السعودي والأمة كلها .!!
◼️ قصور يستدعي النصح لا الشيطنة
وإذا كنا لا نرى أن ” الإخوان ” يشكلون خطرا على السعودية فمن باب أولى السؤال : ما هو الخطر الذي تشكله جماعة التبليغ على السعودية خاصة وأنها جماعة دعوية يتركز نشاط أفرادها على التردد على المساجد والمحلات التجارية والأماكن العامة والسياحة في الأرض ودعوة الناس للإسلام وأركانه بما فتح الله عليهم من العلم ؟!
إن هذه الجماعة الدعوية المسالمة مرحب بها في مختلف دول العالم ولها منذ نشأتها في الهند في العام 1944م أكثر من سبعين عاما ولم نسمع يوما بأنها قد قامت بانقلاب مسلح في أي بلد أو هاجمت مقرا لأي جماعة أو جهة أو سفارة أو حتى وكرا للدعارة والمخدرات ، بل لم ينخرط عضوا منها في الأنشطة السياسية وليس لها ناطق رسمي أو مكتب أو ممثل معتمد وإنما لها أمير يدير شؤون الجماعة التي تنتشر في الكثير من دول العالم ولها جهود دعوية طيبة ومن عرف أفرادها أو خرج معهم أدرك مدى بساطتهم وطيبتهم وحبهم للدين ورغبتهم في نفع الناس ومدى سعة صدورهم وعظيم أخلاقهم ، وهم بلا شك لديهم جوانب من القصور كأي جماعة اسلامية الأصل كما قلنا أن ننصحهم والكمال لله .
◼️ أيهما أولى بالتحذير منه ؟!
وإذا كان الأزهر قد دق ناقوس الخطر قبل أيام محذرا من انتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي، و“وجود حملات ممنهجة للترويج لأخلاقيات وأفكار منافية للإسلام والفطرة، منها الشذوذ الجنسي الذي تقوده حملات ممنهجة لقوى ومنظمات عالمية بما تملكه من وسائل إعلام، وبرامج ترويحية وغنائية، ومنصات إلكترونية ، وتوظيف لشخصيات شهيرة ، وغير ذلك من الأساليب، بهدف الترويج لفاحشة الشذوذ الجنسي، وتقنين انتشارها بين الراغبين في ممارسة هذا الانحراف في مختلف المجتمعات حول العالم، بما فيها المجتمعات العربية ، في توجه خطير يسعى لهدم منظومة القيم الخلقية والاجتماعية لمؤسسة الأسرة ، ومَسخ هويّة أفرادها، والعبث بأمن المجتمعات واستقرارها ، داعيا إلى مواجهة هذه الحملات الخطيرة ، فإننا نستغرب أن تتجاهل السعودية هذه الحملات الخطيرة ضد المجتمعات الإسلامية وتخوض معركة جانبية ضد جماعة اسلامية تدعو إلى الإسلام والقيم والأخلاق في الوقت الذي يأتي الخطر من الجانب الآخر المسكوت عنه في السعودية بشكل مريب .!
والكارثة أن السلطات السعودية لا تكتفي بالسكوت على هذه الحملات المريبة التي تستهدف المجتمعات الإسلامية والأسرة والأخلاق بل تتناغم معها وتفتح أبوابها لكل الفرق الفنية والمطربين والممثلين من المسلمين وغير المسلمين وبكل ما يحملون من صفات لاأخلاقية وقد شاهدنا مؤخرا مشاهد عري مخزية وممارسات لا أخلاقية في موسم الرياض وفي مهرجان السينما بجدة ” مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي ” بالإضافة إلى فتح المجال الإعلامي وغيره للعلمانيين والليبراليين للنيل من الدين والتشكيك في السنة وبث الشبهات عن أسس الدين ومصادره وأحكامه وآدابه وما الكتابات التي تنال من الإمام البخاري وكتابه ” الصحيح ” ومن السنة النبوية عموما إلا بعض من هذه التناولات التي صرنا نطالعها في الصحف السعودية الكبرى دون أن تعترض وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد أو تتحرك لمنع هذا الاستهداف للسنة النبوية ما يجعلنا نتساءل : إلى أين تسير السعودية ؟!
قلنا ونكرر القول : الفرق بين السعودية وإيران أن السعودية تحارب كل جماعة سنية بكل ما تستطيع بينما ايران تدعم كل جماعة شيعية بقدر ما تستطيع ولذا فالسعودية تزرع وإيران تحصد .
ختاما : نتمنى على من بقي من العقلاء في السعودية أن ينصحوا السلطات السعودية بخطورة المسلك الذي تنتهجه في شيطنة الجماعات السنية وأن يحذروها من السياسات الخاطئة التي تتبعها في كافة المجالات فالسعودية بهذه السياسات تحرق ما بقي لها من سمعة في العالم الإسلامي بوصفها بلاد الحرمين وفيها قبلة المسلمين كما أحرقت من قبل رموزها وزجت ببعضهم في السجون وبعضهم في مواقف خاطئة فدمرت قواها الناعمة ، أما هذه الجماعات الإسلامية فأرض الله واسعة أمامها ، وننصحها بأن تتلافى جوانب القصور والأخطاء في نهجها ومسلكها وخطابها وأن تجري مراجعات جادة فالكمال لله والله المعين.
عن راي اليوم
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …