الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / في ذكرى معركة الكرامة..

في ذكرى معركة الكرامة..

د/ أحمد عبد المجيد القيسي*
يصادف الحادي والعشرون من آذار ذكرى معركة الكرامة ١٩٦٨، فقد استفّ العربُ خيبات نكسة ١٩٦٧م؛ وضيعوا أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فحطموا أحلامنا وأوهامنا المنسوجة من خطابات الوهم الزائفة التي أصموا آذاننا بها، نعم؛ كانوا كالمِسَن؛ يشحذون ولا يقطعون؛ وما زالوا إلى يومنا هذا يكثرون الحَزّ ويخطئون المفصل؛ في السياسة والحرب معا؛ ولا ندري! أضيعوا صواب الأداء الاستراتيجي في السياسة؟! أم ضيعوا صواب الأداء العملياتي في الحرب؟! لكنّ المؤكد أنّهم ضيعوا فلسطين من البحر إلى النهر، وضيعوا الجولان وسيناء؛ بل ضيعوا كرامتنا وكبرياءنا؛ حتى استنسر علينا البُغاث الصهيوني وتغنى بجيشه الذي لا يٌقهر! أتراه لا يُقهر حقا؟! كلا؛ لكنهم أصّلوا الهزيمة داخلنا ودربونا كي نعتادها!
عزاؤنا؛ إيماننا بأنّ الحرب مع العدو لم ولن تنتهي؛ هي دورة عملياتية، ما تلبث أن تنتهي معركة حتى تبدأ معركة أخرى، ذلك الوعد الحق كما جاء في سورة الإسراء، ولكننا نُعَاقب لتركنا العمل بقول نبينا العظيم: (لا تزال أمتي بخير ما حملت السيوف) فتجرأ عدونا وأعوانه، وقرروا استثمار النصر الاستراتيجي الذي حققوه بهزيمة ثلاثة جيوش عربية في آن واحد (نكسة ١٩٦٧م).
وفي صبيحة الحادي والعشرين من آذار ١٩٦٨، وبعد أقل من تسعة شهور على النكسة، عقد العدو الصهيوني راية الحرب مجددا، وزحف على غبيراء الظهر شرقا، مستدبرا أولى القبلتين، متجهما ثانيهما، من خلال ثلاثة محاور رئيسة عِبْر نهر الأردن ورابع تضليلي في صحراء وادي الحرب لا السلام (وادي عربة) فكان الجيش العربي الباسل وبعض حركات المقاومة العربية لهم بالمرصاد، كلما عَبَر النهر منهم علج نتن ناله من بواسلنا ناب أو مخلب، مجهضين أحلام قادة العدو على كتارات نهر الأردن الشرقية وفي بلدة الكرامة، محطمين المقولة الزائفة التي آمن بها المخذلون بأنّ جيش العدو لا يُقهر، فقهره بواسل الجيش العربي الباسل، بإرادة الله ثم إرادة قائد المعركة البطل مشهور حديثة الجازي، الذي انفرد بفضيلة أثيرة لا يجرؤ عليها إلا حصان كمشهور، إذ قطع اتصالاته الخلفية، وعزز اتصالاته مع قطعاته الأمامية في ساحة المعركة.
لكن لماذا يقطع القائد العملياتي اتصالاتٍ هو بأمس الحاجة إليها؟! ليجنب القيادة السياسية ضغوط البيئة الاستراتيجية خاصة البيئة الدولية المنحازة للعدو، ولأنّه ضابط وطني غير مشبع بالمبادئ الأجنبية، كافر بها، ولأنّ لسان تجاربه السابقة أصدق، ولم يكن عاجزا مطواعا ولأن سلامة الوطن هي قانونه الأعلى، كيف لا؟! وقد نشأ في بيئة بدوية وطنية أبية شعارها: من ابتدرنا بالسوأة فليس له إلا السيف، فرفض وقف إطلاق النار أو الهدنة وبقيت فوهات المدافع والدبابات والبنادق تمطر العدو المتقهقر، حتى جمع جزءا من بعضه ورحل، مخلفا علوجه مقيدين بسلاسل الجبن إلى مقاعد الدبابات الصهيونية الغازية المعطوبة، فكانت الإرادة وحرية القرار هما سببا النصر، واستعاد الجيش العربي بعض كرامة العرب المهدورة.
تساءل مشهور؛ “ما الذي آمن به الجيش العربي، الذي خرج من هزيمتي ٤٨ و٦٧ فجعله يُقبل على هذه المعركة كأنها معركته الأخيرة؟! ثم أجاب: ربما هناك ألف سبب لدى المحللين يفسرون بها انتصارنا في ذلك اليوم المشهود؛ ولكن لدي أعظم سبب؛ إنّه الإرادة الحرة؛ لو تحررت إرادتنا لما انتصر علينا عدونا” (انظر: يوم مشهود، أيمن العتوم، ص: ٣٢٩).
صدقت والله يا سيدي، أشهد لله أنك وقّافٌ على الحق، وشهادتنا فيك مجروحة؛ لأنّ شهادات الفعال أصدق من شهادات الرجال، فمهما وصفتك ما أنصفتك، لكنني أنحني احتراما لوطنيتك وفروسيتك لأقول لك إن جاز لي ذلك: جاد عملك وأحسنت يا باشا، أحسنت بصناعة النصر بعد الهزيمة النكراء، كما أحسنت بأن شخصت ما كان يلزمنا آنذاك وما زال يلزمنا لغاية الآن:” كان يلزمنا شيء ما، هل أحد منا نحن القادة العسكريين كان يدري ما هو؟! شيء في العقيدة القتالية، في القيادة الموحدة، وفي التدريب… كان يلزمنا الكثير!!!” (انظر: يوم مشهود ص ٢٤١) والله يا سيدي، لو تعلم حالنا الآن لتألمت ألما أشد من الآلام التي سببوها لك جميعها، فلم يعد لدينا عقيدة حتى لو كانت مشوهة، ولم يعد العدو التاريخي الغاصب عدوا، إذ آمن البعض بخرافات السلام وأوهامه، وتبعاتها؛ فقلمنا أظافرنا بأيدنا واستبدلناها بأظافر تجميلية شكلية ندفع ثمنها مرتين: الأولى: نقدا من قوت عيالنا ضرائب ظالمة، وسمسرة للفاسدين، الثانية وهي الأغلى: دمنا عند أول اختبار جدي لمواجهة عدو أهديناه عناصر القوة والتفوق جميعها ومجانا، يتألم الوطنيون المطلعون على ما آلت إليه أمورنا يا مشهور، أخجل من دم عمي الشهيد المدفعي راضي حمد القيسي، أستحي وأنا أنظر في وجه خالي اللواء الركن المتقاعد جميل الشمايلة أحد فرسان الكرامة، ووجه عمي اللواء الركن عبد الله اسماعيل القيسي قائد فصيل دبابات في الكرامة، أستحي من أبي جدعان الخرشة، أستحي منك يا مشهور؛ ضاع تعبكم وتعب أبطال الكرامة، يقتلنا الأسى؛ ونحن نرصد تضخم جيش العدو وتصلب أظافره وتحولها أنيابا قاسية تهدد أمننا الوطني والقومي، مقابل اضمحلال عناصر قوتنا جميعها بإرادتنا وبأيدينا.
أوجعتهم فعلا وقولا يا مشهور، الكرامة خير شاهد على فعلك، أوجعهم قولك يا مشهور: ” لو كان لدي طيران أو غطاء جوي لعبرت بدباباتي إلى فلسطين حتى أصل القدس” (انظر: يوم مشهود ص: ٣٢٩ )، أقضت وطنيتك وجرأتك مضاجع صهيون، ونبهت الغرب الحاقد فاختفت صقورنا على قلتها وغدت أوكارها مرتعا للغربان والغرباء، قلصوا طواقينا الخمرية التي كانت دائما في الأمام، لم نعد ننشد: مرحبا مدرعاتنا، كانت فخرنا على قِدَمِها فأُهملت لتعافها نفسونا ثم استبدل الأدني بالذي هو خير: (يا شايف الزول، يا خايب الرجا)، أعدموا كل منجنيق دك الحصون في خيبر، أو هدّم الجسور في الكرامة، أرعبتهم كتيبة القناصين فاختفت بين عشية وضحاها، رحلت السرايا الرابعة مبكرا بعد توقيع اتفاقية الاستسلام مباشرة فتنفست الميركافا الصعداء فرحا وزغردت طربا وانتشاءً، نعم؛ جردونا من كل ما قد يعيق تقدمها إن اشتهت التنزه شرق النهر وكبلونا أمامها بثوابيت ألعاب صوتية واهية عجزت عن اسقاط حائط طوب ١٥سم، نخدع أنفسنا فيها ونتغنى بأنها صناعة وطنية، وأقسم لك يا سيدي أنها ليست كذلك، وأن القائمين عليها سماسرة براء من الوطنية، وليس كل ما يعرف يقال يا مشهور، وحسبنا الله ونعم الوكيل.\
*كاتب اردني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …