السبت , ديسمبر 14 2024
الرئيسية / اراء / لماذا فرضت أمريكا على روسيا والعالم الحرب الاوكرانية؟

لماذا فرضت أمريكا على روسيا والعالم الحرب الاوكرانية؟

فؤاد البطاينة*
بالعودة للتاريخ السياسي للدول والإمبراطوريات نجده تاريخاً اتسم بالحروب العسكرية والإستعمار والإحتلالات والهيمنة، والغاية الأساسية هي اقتصادية من واقع أن الإقتصاد عصب الحياة والقوة المستدامة للدول. إنها حروب كان فيها التفوق العسكري في الوسائل المعروفة هو الحاسم للنصر. إلّا أنه ومنذ ظهور الأسلحة النووية والتدمير الشامل وتطورها، ظهر معها مفهوم عنصر،،الردع العسكري،،. ولم يعد التفوق العسكري بين الدول القوية والمالكة لأسلحة التدمير الشامل أداة أمنة أو ممكناً استخدامها للإنتصار والحصول على النتائج االمرجوه، ولا عاد بالتالي التفوق العسكري لعبة الكبار. بل أصبحت الدول الفقيرة والأقل تسليحاً وإمكانات وتمتلك سلاح الردع النووي في مأمن من استخدام التفوق العسكري ضدها وافتراسها، وترتقي لمصاف الدول الحرة والقادرة على حماية نفسها ومصالحها الحيوية. وبالتالي لم يعد التفوق العسكري دالة على عظمة الدول وقوة تأثيرها في القرارات الدولية.
ومن هنا أصبحت الحروب بين المتنافسين والطامعين بمقدرات الغير والمتطلعين لإستهداف الخصوم وإضعافهم تتخذ وسائل جديدة طورتها من الماضي تغنيهم عن المواجهة العسكرية غير المُنتجة لمرادها ولا المُمكنة. وجاءت على شكل حصارات وعقوبات اقتصادية وتوريط للعدو في حروب كلاسيكية منهِكة، ومناطق نفوذ وتحالفات اقتصادية حمائية عدوانية. وأصبحت الدول التي لا تمتلك السلاح الردعي ضحية سهلة ومناطق نفوذ.
ومن هنا أيضاً يُفسّر سلوك أمريكا الإمبريالية التي لا ترى سوى نفسها ومصالحها على الأرض، في صنعها لقرار الحرب في أكرانيا وبفرضها لهذه الحرب على روسيا والعالم مُستغلة نفوذها في أكرانيا والغباء السياسي الفظيع لقيادتها الصهيونية. وذلك بهدف إنهاك روسيا وإضعافها وحشد العقوبات الإقتصادية الدولية عليها. غير أبهة بامتداد أثارها المدمرة على دول العالم الكبرى والصغرى مما يُنذر بحرب عالمية اقتصادية تريدها أمريكا على البشرية.
هذا المشهد الذي تصر فيه أمريكا على إطالة أمد الحرب في أكرانيا وهي تعرف حتمية انتصار روسيا، إنما هو قمة ألامسؤولية والّا أخلاقية والعداء للبشرية. ولا يمكن قراءته بمعزل عن فشل نظام أمريكا وشعوره بالتراجع والضعف وبإسقاط سقوطه هذا على الغير. فالعالم يشهد اليوم ترجمة على الأرض لتلاشي القطبية الأمريكية لدرجات إلى الوراء، ويشهد بنفس الوقت تلاشي النظام العالمي المتمثل بتوافقات الدول الخمس، والإطاحة بمجلسهم وبالمثل المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة. ومن شأن ذلك أن يُدخل العالم في حمى الفوضى السياسية والمعاناة الإقتصادية والتجويع للبشرية وبروز تحالفات اقتصادية ضخمة تشعل حرباً باردة عسكرية – اقتصادية تأكل في النهاية نفسها وتضع العالم على شفا حرب عالمية أخيرة.
كمواطن عربي وبصدق لست معنياً بأقوام تذوق مجرد رشفة بسيطة من كأس تُسقيه لنا دون توقف ونعيش سمه في فلسطين وكل بلاد العرب، مُستغلين قوتهم الغاشمة. فلعل في هذا عبرة لهم ولشعوبهم وتهذيباً لنفوسهم. ولكني أعود وأقول لن نسمح لهم بفرض أخلاقهم علينا فقوميتي إنسانية ومعتقدي إنساني. وقوميتهم العنصرية اللّانسانية كفيلة بهم. ونقول حمى الله كل بريء وكل مُستضعف وحمى ناموسه على الأرض. ومن هذه الروح تأتي مداخلتي تالياً.
إن الدول الكبرى الخمس إضافة إلى دول الإتحاد الأوروبي ذي الطبيعة الإقتصادية والمهددة بالسلوك الأمريكي واليابان والصين الدولة المرشحة تالياً كلها معنية ومؤهلة لتكون بيضة القبان والدفع باتجاه وقف الحرب على معايير استراتيجة سليمة يسري أثرها من روسيا وأكرانيا إلى كل قضايا شعوب العالم المقهورة والمستهدفة وعلى رأسها فلسطين وشعبها الذي لم يتوقف عن دفع ضريبة الدم من أجل حريته وتحرير أرضه بصمت عالمي مُطبق. فهذه الدول قد تكون الوسيط المؤثر بثقلها على الهجمة الأمريكية نحو هذا الهدف واستباق دخول العالم بتلك الفوضى السياسية والاقتصادية التي ستطيح بالجميع. فسحق دولة كبرى أو عظمى إقتصادياً أو إخضاعها فكرة عبثية مجنونة تقود الى حرب عالمية إفنائية. فلا أمن ناجز إلّا الأمن الجماعي. ولن يكون الحل إلّا من خلال نظام عالمي جديد من رحم معاناة الشعوب وقضاياها العادلة. وكنت قد عبرت عن تصوري لبنائه كمثال في مقال سابق
أما بالنسبة للدول العربية الفاقدة لأي ثقل سياسي أو اعتبار، والأخذة أنظمتها دور العملاء والوكلاء، فإن معاناة العرب وانتهائها ليس سهلاً أن يكون مرتبطاً بانتها معاناة العالم سلمياً، بقدر ما هو مرتبط بحل مشكلتهم ذات الخصوصية في إزالة الكيان الصهيوني. وخصوصيتها هذه تكمن في حساسيتها الشديدة لدى المؤثرين بالعالم. حيث أن فكفكة هذا الكيان الصهيوني سيخلق مُشكلة لروسيا والأوروبيتين وتتضرر منه أمريكا. فمتهودي الخزر الأريين سيتجهون في هذه الحالة إلى المناطق التي كانت تمثل موطنهم الأصلي في أوروبا وانحاء العالم ويفتحون صراعاً أعمق وأكبر من السابق في إطار عودة المشكلة اليهودية ويطالبون بدولة هناك. هذا علاوة على أن هذا الكيان الذي صممته أمريكا ليكون جزءا من منظومتها العسكرية، قد استطاع بصمت العالم صنع ترسانة نووية. والتسريبات تتحدث عن امتلاكه قدرة نووية كبيرة وصواريخ عابرة للقارات وقواعد منتشرة.
ومداخلتي هنا، أن هذا الكيان استطاع القيام والبقاء بثلاثة عناصر هي ضعف العرب وخياناتهم آنذاك، ثم التآمر العربي – الأمريكي على مقاومة الشعب الفلسطيني، واعتراف الأنظمة العربية بالكيان وباحتلاله الذي مهد الطريق لاعتراف دولي واسع به. فهذه العناصر الثلاثة يجب التغلب عليها وصياغتها من جديد كتقدمة لزوال هذا الاحتلال. وفي ضوء هذا وما جاء بالفقرة السابقة فإن زواله قد لا يكون إلّا بانهياره من الداخل وهذا ممكن وسهل. فهوكيان لقيط من مستوطنين أغراب لا تربطهم ولا أجدادهم رابطة وطنية أو تاريخية بفلسطين والمنطقة. ووجودهم بفلسطين مرتبط بتوفير الأمن لهم ولمصالحهم. وحين يشعروا بتهديد حقيقي فسيفروا إلى بلاد جنسياتهم. وستوفر تعرية الوجه الأمريكي في الأزمة الأكرانية، والمرحلة الدولية المقبلة فرصة صحوة شعبية عربية تنتج أنظمة عربية بمفاهيم جديدة، وتتعزز الفرصة لدى الشعب الفلسطيني بإعادة ترتيب بيته الداخلي لإحياء مقاومة مسلحة ناجزة تدعمها الشعوب العربية والحرة وستكون كافية لتفكيك مجتمع المستوطنين الأغراب.
وفي الختام فإن تغيير المفاهيم في الأقطار العربية من حيث النظرة للقضية الفلسطينية وحده الحاسم في مستقبلها ونهوضها كقوة إقليمية في وطنها الكبير والثري بكل عناصر القوة. وكلمة السر في حالة الذل والسقوط التي تعيشها هي القضية الفلسطينية حين اعتبرناها تخص الفلسطينيين وعزلنا أنفسنا عنها، وكان هذا مقتلنا. فالغرب وإسرائيل يدركون الحقيقة التي تعامينا عنها وهي أن الفلسطينيين وفلسطين امتداد عضوي وجغرافي للشعب العربي والوطن العربي، والمنطق يقول بأنه ما دام استهداف فلسطين قائماً والإحتلال قائماً فلن يتركوا قطرا عربيا بخير. فمصيرنا كأقطار وشعوب عربية، ومصير أمنها الوطني والقومي، مرتبط بمصير القضية الفلسطينية وبأمن الشعب الفلسطيني. إنها القضية التحدي الأكبر أمام وجودنا كعرب وكمسلمين وقدر وقضاء علينا أن نجعلها التحدي الحقيقي والأكبر أمام أمن واستقرار العالم. وحتى لا أطيل على القارئ أرجو اعتبار تعليقي على المقال في هامش التعليقات جزءا مُتمما وهاماً منه.
*كاتب وباحث عربي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

ماذا يجري وإلى أين سنصل؟!

  د. محمد أبو بكر* ما يجري من أحداث متسارعة ومفاجئة على الساحة العربية، وفي …