السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / أموال عاطلة عن العمل.

أموال عاطلة عن العمل.

عماد الدين فارس*
يعد العمل واحداً من الضرورات الحتمية على أفراد المجتمعات لسد الاحتياجات اليومية واللوازم الحياتية ولتفادي الأزمات المالية وللحفاظ على الكيان الاقتصادي واستقلاليته ومن ثَمّ الاستقلال السياسي.
وإننا إذ نرسل أبصارنا في كتب التاريخ نقلب أوراقها فإننا نجد أن العمل واحد من المُسَلَّمَات التي اتفقت عليها المجتمعات منذ فجر التاريخ، ثم انصهر هذا المفهوم تحت مسمى الاقتصاد، والمال قوام هذا الاقتصاد، والمال لا يتأتى إلا بالعمل!
وما كانت المجتمعات لتقع في أزمات مالية واقتصادية لو أن هذا المفهوم بقي معمولاً به وسارت الأمم خلفه وعملت وأنتجت فأكلت ولبست حاجتها ثم باعت ما فاض عنها لغيرها فيكفي هذا المال الفقراء ويسد حاجاتهم ويغتني آخرون، وهذه سنة الحياة في أن ينقسم الناس بين فقير وغني.
إلا أنه ليس من الطبيعي أن يتركز المال في أيدي قلة يغتنون غنىً فاحشاً، يكنزون الذهب والفضة، وتبقى الأكثرية من البشر تعاني فقراً مدقعاً ويعيش الملايين منهم تحت خط الفقر، وما هذا إلا واحداً من نتائج توجه كثير من الكتل الاقتصادية نحو “البطالة المالية” وتجميد الأموال وتعطيلها عن العمل بغير إنتاج حقيقي فيما بات يعرف بـ”الاقتصاد الريعي”.
يقسم علماء المالية الاقتصاد إلى إنتاجي وريعي، والخطر يمكن في الاعتماد على الريعي وإهمال الإنتاجي.
فالإنتاجي يولد فرص عمل ويقوي صادرات الوطن ويزيد من الدخل القومي أو الوطني، أما الريعي فتذوب فيه المنافسة وقد تضعف فيه قوة العملة الوطنية، وتزداد فيه البطالة والبطالة المقنعة، والبطالة المقنعة أخطر من البطالة نفسها، مع خطورة الثنتين على المجتمعات.
وإن الاقتصاد الريعي وأرباب الأموال العاطلة عن العمل، والبطالة ومعها البطالة المقنعة الناتجة عن هذين الصنفين، يهددون مجتمعين الأمن المالي والاقتصادي للكيان المجتمعي والسياسي برمته.
فالعمل سبب “الإنتاج الحقيقي”، وهذا الإنتاج يقوي العملة الوطنية ويمحق البطالة ومعها البطالة المقنعة، ويزيد من قوة الوطن أو القطر أو الكيان السياسي والمجتمعي مالياً واقتصادياً وسياسياً، وهذا محور مفهوم الاقتصاد الإنتاجي.
أما الاقتصاد الريعي المعتمد على استجرار المال بالمال دون عمل فهو البطالة بأجلى صورها، ويهدد السلامة المجتمعية والأمن المالي والاقتصادي للكيان السياسي الذي يجمع السكان.
أموال ضائعة وبطون جائعة
ومن صور هذا النوع من الاقتصاد اعتماد الدولة على بيع الثروات الباطنية لـ”مشترين جاهزين من الخارج”، وعلى القطاع السياحي، ناهيك عن جري كثير من أصحاب الأموال وراء الفوائد البنكية عبر تجميد أموالها في البنوك، فينتشر الفقر في المجتمع، ويزداد عدد الجائعين والمهمشين في الوطن رغم كثرة المال إلا أن الاموال ضائعة والبطون جائعة.
سيزداد بطبيعة الحال عدد المعوزين والمحتاجين والعاطلين عن العمل تحت سطوة الاقتصاد الريعي وتوقف عجلة الإنتاج، فيلقي هذا بثقله على كاهل الأفراد والمجتمع والدولة مجتمعين، فتزداد، إضافة إلى البطالة، أعداد المتسربين من المدارس وينتشر الجهل بين أفراد المجتمع، فيحصد نتائج هذا كله الوطن الذي يهدد مستقبلَه الجهلُ والفقرُ، وإنهما ما اجتمعا في مجتمع إلا وفتكا به وخلفاه في ركب الحضارة وذيل الأمم.
ومن نافلة القول الإشارة إلى الإحصائيات الأممية التي تحذر من الأعداد الهائلة ممن يعانون انعداماً في الأمن الغذائي ويعيشون تحت الفقر، وتكدس الثروة بأيدي فئة من البشر قليلة.
وإنه مما تجب الإشارة إليه أن مصطلح العاطل على العمل قد ينطبق على أرباب الأموال الذين “يجمدون” أموالهم في البنوك ينتظرون أرباحها، في اقتصاد ريعي مخيف يهدد السلامة الاقتصادية للوطن وقراره السيادي والاستقلالي.
وليس من الضروري أن يقصد بالعاطل عن العمل، فقط، الخريج الذي لم يجد عملاً أو ما شابه، وان كان داخلاً فيه، وهذه البطالة أيضاً واحدة من نتائج الاقتصاد الريعي و”بطالة رؤوس الأموال” الذي يصيب اليد العاملة والمنتجة في مقتل، فتنشر بطالة الشباب انتشار النار في الهشيم، فيحصد المجتمع حصاداً مراً وهو يرى عماده “الشباب” يضيع بضياع عمره بلا عمل وإنتاج يسد حاجته ويبني وطنه ويعلي مكانته بين الأوطان، وإن مكانة البلدان والأوطان السياسية مرتبطة ارتباطاً عضوياً وثيقاً بقواها الاقتصادية، فإن الضعيف لا رأي له ولا مكان في عالم لا يفهم إلا منطق القوة في كل الميادين.
لهذه الأسباب وغيرها تتصدى بريطانيا العظمى، وهي واحدة من أقوى اقتصادات العالم، للفوائد البنكية والمصرفية، وتحاربها، وهي عند حدود الصفر بالمئة، وما ذلك إلا لأنها تعرف خطورة هذا النوع من الاقتصاد على أمنها المالي وتماسكها المجتمعي.
وتدرك بريطانيا، ومعها اليابان، وغيرهما، خطورة رؤوس الأموال العاطلة عن العمل، وتعلم جيداً أن “الأموال العاطلة عن العمل” مرض خطير إذا أصاب أمة قضى عليها وأزالها عن الوجود الاقتصادي، ليتبعه بلا أدنى شك زوال سياسي كما حدث في كثير من بلدان أشغلت نفسها وشعوبها باقتصاد ريعي وأهملت الإنتاج ونسيت قيمة العمل ودوره في عجلة التقدم والنمو، فنسيها قطار البشرية وصارت في مصاف الكيانات المنسية لا تمثل إلا حبراً على خريطة العالم لا تغني ولا تسمن من جوع، تتنظر غيرها من دول العالم يقرر عنها قراراتها ويحميها من تسلط عدو أو طمع جار.
*كاتب سوري

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …