السبت , أبريل 20 2024
الرئيسية / اراء / في رثَاء الحُرِيَّة الجَمِيلَة شيرين

في رثَاء الحُرِيَّة الجَمِيلَة شيرين

د/رزان جدعان
غِيَاب الحُريَّة يَعني سُقُوط القَلَم، يَعني صَمت الفِكر، يَعني تَوَقُّف العَقل، يَعني انعِدَام الطّمُوح، يَعني قَضَاء الإنسان، مِمَّا يَعني موت الحَيَاة، مِمَّا يُؤَدِّي إلى انتِهَاء الوُجُود بِأرضه، وهَوَائه، ونَاره ومَائه إلى مَا لا نِهَايَة مَجَاهِيل مَا بَعد الحَيَاة بِغَيبها في اللّا-مَعْرُوف غَير المُدرَك، الذي يَفُوق استِيعَاب جَمِيع الأَنَام.
هَل غَابَت الحُريَّة أم غُيِّبَت؟ هَل وُجِدَت الحُريَّة في الأَصل؟ أم حَلم بِها الإنسان، وحَكَى عنها وكَتَب، وصَوَّرها في أَحلَى حُلَّة، وفَسَّرها أجَلّ تَفسِير، ودَوَّنها على أوراق التَّارِيخ وأغلَق عَليها أبوَاب الأغلِفَة، لِتَبقى مَحفُوظَة فِيهَا، يَتَخَيَّلها البَشَر في سَرديَّات إدرَاكَاتهم، ويَتَوَهَّمُون الأخذ بِهَا وتَطبِيقها بين فَينَة سُلطَويَّة دُنيَويَّة وأُخرى عَبر التَّاريخ، سَيرًا في الحَاضِر، تَطَلُّعًا إلى المُستَقبَل المَأمُول بِالمَحَبَّة والسَّلام والعَطَاء.
مُرَاقَبَة لِلزَّمَن الحَاضِر، يَتِمّ مُلاحَظَة شُعُور مُتَأصِّل بِالحُريَّة في نَفس كُلّ فَرد على وَجه الكُرَة الأرضيَّة، لا يُمكِن أن يَزُول، لأنَّه نَبض الحَيَاة في الذَّات وبَين البَشَر. إلَّا أنَّ عَيش الإحسَاس والتّعبِير عَنه هو الذي يُوَاجِه أزمات الصِّيَاغَة والمُشَارَكَة في المُجتَمَعات وبَينها. فَلا ظُهُور لِلحُريَّة إلّا بِقُيُود وعَوَاقِب يَدفَع ثَمَنها الإنسَان بِأمَانِه وسَلامِه ورُوحِه في مُعظَم الأحيان.
حَاوَل العَالَم تَطبِيق الحُرِيَّة في الدِّيمُقراطيَّات، فَأخفَق إلى الديكتَاتوريَّة، حَاوَل تَثبِيتها في المُسَاوَاة وحُقُوق الإنسان، فَفَشل إلى العُنصُريَّة، جَرَّب إنجازها في فَهمه لِلأَديَان، فَوَقَع في خَطَأ العَبَثيَّة أو التَّطَرُّفيَّة، بَذَل جُهُوده في إنجازها في اقتِصَاد عَالمي شَامِل ، إلَّا أنّه زَلَّ في حُرُوب بَارِدَة ونَاريَّة بين رأسمَاليَّة تُتَوِّجها المُطلَقيَّة واشتِرَاكيَّة تَتَعَرَّشها الشُيُوعيَّة، حَتَّى أنَّه جَاهَد في تَحرير نَفسه في آفَاق أُمّه الطَّبيعَة، فَدَمَّرها، وثَقَبَ مُحيطها وتَدَخَّل في عَطَائها، إلى أن انقلَبَ عليه تَهَوُّره في غَضَبها عليه وحرمَانه مِن نِعمَة العَيش في غَنِيمَة، وكَرَم، وكَرَامَة وسَلام.
مِن هُنَا نُلاحِظ، أنَّ فَهم الإنسَان لِلحُريَّة مَأزُوم، مَلِيء بِالأَخطَاء المُتَتَاليَة -مُنذ بِدَايته-، التي صَنَعها وبَنَى عَليها بِالأنَانيَّة، وحُبّ التَمَلُّك، والسَّيطَرة والتَّسَلُّط، اعتِقَادًا مِنه، بِأنّه بِذَلك سَيَنجَح، ويَرتَقِي ويَبقَى مُخَلِّد على الدُّنيا، مَالِك كُنُوزها، ومُسَخِّر عِبَادها لِخِدمَته، مُتَوَهِّم نَفسه -بِجَهلِه-، في مَوقِع الخَالِق القَادِر عَلى كُلّ شَيء، وأَحَد وإلى مَا لا نِهايَة!
نَصْحُوا اليَوم على انعِدَام الحُريَّة العَالَميَّة ونَفزَع من عَدَمها، مَرَّة أُخرى مِن الكَثير. غَيّبَ المَوت اسم الجَمِيلَة ذَات الكَمَال، بِطَلَقَة كَتَمَت الصَّوت والصُّورة، ولَكِن دون تَمَكُّنه من اغتِيَال الحُضُور. فَحُضور الشَّخصيَّة، والهَويَّة، والخُلُق، والأمَانَة، والمِصدَاقيَّة، والمَوضُوعيَّة والأصَالَة في التَّفكِير والتّعبِير، جَميعها بَقِيَت وتَبقَى يَقِظَة، وَاعيَة، نَاضِجَة، ورَزِينَة، صَامِدَة، ثَابِتَة الوَقفَة شَامِخَة المَوقِف أمَام سُلطَة المَوت -بِنَوعه- الظَّالِم، فَمَا بَال المَلَأ عِند مُثُولها أمَام جَوْر السُلطَة الدُّنيَويَّة؟
غَيَّب المَوت -بِجَانِبه المُستَبِدّ- أيقُونَة تَرمز لِلحُريَّة الأصِيلَة، اختارَت أن تَبقَى قريبَة من الإنسَان بِجمَاليَّة رُوحها، مُشَارِكَة الرَّأي العَام العَالَمِي الوَاقِع بِكُلّ زَوايَا رُؤيَته، مُوَاظِبَة على حِكمَة الفِكر، مُحَافِظَة على جَوهَريَّة المَعلُومَة، جَادَّة في أمَانَة الحُضُور، مُجتَهِدَة في الإخلَاص لِلمَعرِفَة بَين الوَاقِع والبَدِيهيَّة والصُّورَة، وفي خِضَمّ كَوَارِث الاحتِلال التَّارِيخي، مُتَحَوِّر العُنف -إلى استِبدَاد استِعَماريّ مَا بَعد حديث- ونَكبات الإعلام العَالمي المَأزُوم.
حَدَث مُستَهتِر سَجِين اللَّامُبَالاة، استَفَزَّ بَاطِن العُقُول، واقشَعَرَّت مِنه الأَبدَان، وشَجنَت معه النُّفُوس، وغَضبَت عليه الشُّعوب، وانتَفَضَت الكَرامَة الإنسانيَّة، واهتَزَّ الاعتِدَاد بِالنَّفس، وتَخَبَّطَت الحُريَّة، التي تُحَاوِل أن تَجِد لِنَفسها مَخرَج -مُنذ الأزَل- مِن الأحلام، والأوهَام، والوَرَق والمُدَوَّنَات المَسرُودَة في عَنَدِ الإنسان وجَهله.
قَدَر المَوت، لَم ولَن يُغَيِّب حُضُوركم المُنَاضِل والمُتَفَائل، سَيِّدَتي: رمز الحُريَّة الجَميلَة، وعَليه أن يُحَرِّك الأذهَان والأبدَان إلى مُرَاجَعَة سِجِلَّات الثّقَافات، ومَكتَبَاتها ومَصَادِرها -مُنذ بِداية التَّارِيخ- في الحُريَّة، والأَخذ بِفَلسفَاتها والبَدء بِتَطبِيقها بِأصَالة، مَعًا على مَسِيرَة إيقَاظ العَقل الفَاعِل -في تسميَة الجابري- وإحيَاء الإنسَان، وكَسر حَاجِز الصَّمت إلى التَّواصُل، ونُهُوض القَلَم الذي يُنعِش الوُجُود بِأَرضه، وشَمسه، ومَائه ونَسمات الأمَل، وُصُولاً إلى الحُريَّة، اقتِدَاءً بِالرُّوح الجَمِيلَة ذات الكَمَال.
رَحمَة الله عَليكُم، الزّميلَة القَدِيرَة شِيرِين أَبُو عَاقلة

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

القدس عروس عروبتكم!!

عدنان نصار* رحم الله الشاعر العراقي العربي مظفر النواب.. كنت على موعد مسبق معه، واتفقنا …