د. محسن القزويني*
لايشك اثنان أن نهضة الامام الحسين كانت نهضة اصلاحية استهدفت تغيير نظام الحكم ضمن الكتاب والسنة (أي ضمن القانون الالهي). وكلما هلّ محرم وأقبل يوم العاشر منه هاجت الأمة وتحركت نحو أخذ حقوقها المسلوبة مِن حكام زمانها. فأكثر الثورات التي حدثت في التاريخ الإسلامي استلهمت من نهضة الامام الحسين أهدافها وبرامجها، وكان آخرها ثورة الشعب الايراني المسلم بقيادة الامام الخميني التي انطلقت من عاشوراء الحسين وتحولت الى أكبر حدث في سبعينات القرن الماضي، وقد أقرّ الامام الخميني بهذه الحقيق عندما صرح: كل ما لدينا مِن الامام الحسين وكربلاء. وما يشهده العراق اليوم مِن حراك في محرم الحسين هو شكلٌ من أشكال الاستلهام التاريخي من نهضة الامام الحسين (عليه السلام) سواء الحراك الذي يُنادي بالاصلاح ضمن الشرعية الثورية أو الشرعية الدستورية، فالعراق اليوم بحاجة الى عملية اصلاح شاملة وهي حقيقة يقرُّ بها الجميع لكن بأية صورة؟ وبأية وسيلة؟ هذا ما يختلف عليه الفرقاء الثلاثة الذين تظاهروا في الجمعة الماضية في ساحة الفردوس و في ساحة مجلس النواب وعلى بوابة الخضراء.
فالذين أرادوا عملية الاصلاح ضمن النموذج الحسيني عليهم أن يهتدوا بكلمات الامام الحسين وادبيات نهضته المباركة التي أطلقها وهو يسير نحو كربلاء معلناً عن مبادئ حركته الاصلاحية من أول لحظة مِن لحظات نهضته التي قال فيها (اني لم أخرج أشراً ولابطراً ولامفسداً ولاظالماً انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي أريد أن آمر بالمعروف وانهى عن المنكر).
وكان الهدف الرئيسي في الاصلاح هو تغيير الحاكم الذي خرج عن السياق الديني وحوّل السلطة الى مغانم وتحكّم بأرواح وأموال الناس. فقد كتب الى أهل الكوفة: أما بعدُ فقد علمتم أن رسول الله قد قال في حياته: مِن رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يُغيّر عليه بفعلٍ ولا قول كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله، وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، وأستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله، وحرّموا حلاله وإني أحقّ بهذا الأمر بقرابتي من رسول الله.
وهكذا أعلن الأمام الحسين (عليه السلام) أهداف حركته بشكل واضح، وهو تغيير السلطان بسبب ظلمه على العِباد وتجاوزه على الدستور (الكتاب والسنة) وسرقة أموال الناس، وعدم تطبيق مبادئ الشريعة الاسلامية. ومخالفته الصريحة للرحمن وطاعته للشيطان، فهذه هي صورة الحاكم يومذاك وهي صورة قد تتكرر لتصبح مدعاة للثورة في كل زمان ومكان اذا واجهت الامة حاكماً كيزيد بن معاوية.
أما عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي فقد خطب الامام وهو في طريقه الى كربلاء: إنه قد نزل مِن الامر ما قد ترون وإن الدنيا تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيشٍ كالمرعى الوبيل، ألا ترون الى الحق لايُعمل به والى الباطل لايُتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما.
فهذا الواقع المؤلم الذي كانت تعيشه الامة في سنة 61 للهجرة أصبح سبباً لظهور حركة إصلاحية، ولم يجد الامام الحسين غيرهُ الرجل المناسب للقيام بهذه الحركة الإصلاحية، فهو ابن بنت رسول الله ووارث مسؤولية الأمة عن أخيه وأبيه وجده، فمن غير الممكن أن يرى هذا الإخفاق الكبير في الدولة ويسكت عليه، فكانت نهضته على هذا الواقع بتغيير الحاكم المستبد الى من يتصف بالصفات التي ذكرها في الرسالة الجوابية التي كتبها الى أهل الكوفة، وورد فيها:- فالعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذلك لله.
اربع صفات يجب أن يتحلى بها الحاكم
اولاً: التمسك بكتاب الله منهجاً وسلوكاً وتطبيقاً.
ثانياً: القيام بالعدل.
ثالثاً: الالتزام بالحق لابمصالح شخصية او فئوية.
رابعاً: الارتباط بالله سبحانه وتعالى في كل صغيرة وكبيرة كمعيار أخلاقي وتعبدي وسياسي.
هكذا يضع الامام الحسين أمام الثوار منذُ ثورة المختار بن يوسف الثقفي وحتى اليوم، يضع أمامهم النموذج الصالح للإصلاح آلياته، وأهدافه.
آلياته: الالتزام بالكتاب والسنة
وأهدافه: انتخاب الحاكم الذي يحكم بالكتاب ويقوم بالقسط ويذوب في الحق ويحبس نفسه لله سبحانه وتعالى.
* كاتب وأكاديمي عراقي
