الجمعة , مارس 29 2024

هل تلجأ بريطانيا لاستخدام النووي ضد روسيا؟
أيوب نصر*
حرصت جهدي مذ زمن طويل على تتبع قضية متشابكة، تعارفت على تسميتها في كتاباتي ب “صناعة العقل الواحد” وقد أحالني على هذه المسألة، ونبهي إليها، عملي على المستشرقين، وتتبعي لخطواتهم، والبحث في أهدافهم، وقد كان لهم دور كبير في وضع عقل موحد للإنسان الأوروبي خصوصا والغربي عموما، وذلك من خلال وضع مسلمات عقلية وبديهيات ذهنية لذلك العقل الأوروبي والغربي، خاصة من خلال وسائل الإعلام، ثم حدث بعد هذا ما لم يكن يخطر على بال أكثر المستشرقين تفاؤلا، حيث انتقلت تلك البديهيات والمسلمات لتأخذ مكانها في العقل العربي، بل العقل العربي المثقف والمتصدر، وقد كان من هذه البديهيات الذهنية والمسلمات العقلية “الديمقراطية”، والتي أنزلت من الناس منزلة الآية المحكمة في النفس المسلمة المؤمنة، فكلما تكلم أحدهم، وجدته يمضغ في هذا اللفظ ويتلمظه ويدعو إليه، ويجعل منه المنقذ الوحيد لهذه الأمة العربية المسلمة، وأنه لا خلاص لها مما هي فيه من ضعف وهوان وقلة حيلة، إلا أن تقوم على نظام ديمقراطي.
وقبل أيام، وأنا أتجول في صفحات صحيفة رأي اليوم اللندنية، وقعت عيني على مقال للأستاذ “عبد الباري عطوان”، نشره قبل ثلاثة أسابيع، عنونه ب” رئيسة وزراء القادمة تهدد باستعدادها لاستخدام الأسلحة النووية ضد روسيا..”، يتكلم فيه على ما جاء في تصريحات وزيرة الخارجية البريطانية، والتي أصبحت رئسية للوزراء القبل أيام، ” ليز تراس”، والتي هددت باستخدام الأسلحة النووية ضد روسيا، في حملتها الانتخابية، إذا أصبحت رئيسة للوزراء.
ثم علق الأستاذ على هذا التصريح قائلا: “والأهم من كُل ما سبق أن رئيس الوزراء البريطاني ليس هو الذي يتّخذ قرار الحرب والسّلام، ناهِيك عن استِخدام أسلحة نوويّة، فهُناك حُكومة مُوازية سريّة (الدّولة العميقة) هي التي تتّخذ مِثل هذا القرار، وما على رئيس مجلس الوزراء البريطاني غير التّنفيذ فقط.”
ثم روى الأستاذ الكريم رواية يثبت بها صحة ما ذهب إليه من رأي، من أن “ليز تراس” لن تقدم على ما وعدت به، من أمر استخدام السلاح النووي ضد روسيا، إذا ما أصبحت رئيسة للوزراء، وإليك نص الرواية التي رواها الأستاذ:
“أقول هذا الكلام بناءً على تجربةٍ شخصيّة عرفت تفاصيلها بالصُّدفة، فبعد الغزو الثلاثيني للعِراق في آذار (مارس) عام 2003، وسُقوط الدّولة واحتِلال العِراق، نظّمت كليّة سانت أنتوني في جامعة أكسفورد مجموعة من النّدوات حول انعكاسات هذه الحرب على مِنطقة الشّرق الأوسط والعالم سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، وكُنت مُتحدّثًا في إحداها إلى جانب الزّميلة بريجيت كندل، المُحرّرة الدبلوماسيّة في كُل قنوات شبكة BBC العملاقة
بعد أن فرغنا من المُحاضرة، والأسئلة والأجوبة، ذهبنا إلى الطّاولة العُليا في المطعم الجامعة لتناول العشاء، واعتقدت أنها أخذت هذا التّوصيف بسبب علوّها عمّا عداها من طاولات، واكتشفت سذاجتي عندما عرفت أنها تستمدّ هذا الوصف (العُليا) من مكانة الجالسين عليها، وهُم رئيس الجامعة ومجموعة من عُمداء الكُليّات الأُخرى، ونَحنُ الضّيفان، وأجلسوني قُبالة رئيس الجامعة على ما أذْكُر.
الرئيس قال لي بلكنته الإنجليزية الإكسفورديّة الملكيّة، إنه أُعجِب بمُداخلتي الحماسيّة والعفويّة ولكنّه يختلف معي في نُقطةٍ أساسيّة، وهي قولي إن توني بلير رئيس الوزراء في حينها أخطأ بذهابه مع أمريكا إلى حرب العِراق، لأنّ التّحالف سيُواجه مُقاومةً عِراقيّة شَرِسَة وسينسحب مهزومًا من العِراق.
سألت رئيس الجامعة إذا كان رئيس الوزراء المُنتَخب ومُمثّل الحزب الحاكم لم يتّخذ قرار الحرب فمن اتّخذها؟ ابتسم وقال نحن ‘المؤسسة’ ” انتهى.
وهذا هو عين العقل وهو شيء يراد، وفي ثناياه هدم لصنم الديمقراطية، فهذه إحدى أكبر الدول في العالم، وأكثرها دفاعا عن الديمقراطية، لا تترك مصيرها بيد الخيار الديمقراطي والحزب الفائز فيه، وإنما لديها مؤسسة أو هيئة فيها أهل الصنعة من رجال الدولة وأهل الفكر وكبار العسكريين، هي التي تتخذ القرار، وهذا هو نفسه ما يسمى في الإسلام بأهل الحل والعقد، وهم من يجتمعون للشورى، ويقررون التوجه العام للبلاد.
وما نقله الأستاذ الكريم، هو نفسه الذي عليه العمل في أعرق الدول في العالم، وأكثرها قوة، وذلك أنه لا يوجد شخص أوتي نصيبا من العقل أو قسطا من الفهم، يرضى أن يلقى بزمام الأمر إلى شخص أو أشخاص ليسوا من أهل الشأن فيتحكمون في مصير دولة وأمة، خاصة أن الإنتخابات يدخلها كل من هب ودب، من النطيحة والمتردية وما أكل السبع، وإنما الأمر يوكل إلى أصحابه، ممن تربوا داخل الدواليب، وخبروا الأروقة، ووصلوا أطراف الليل بآناء النهار وهم يتدرجون ويتعلمون.
إن نظام الشورى الذي يقال عنه في البلاد الإسلامية، من طرف بعض المتنطعين والمتهوكين وشداد الآفاق، أنه نظام رجعي متجاوز، هو نفسه المعمول به في أعرق الدول الغربية، لتبقى الحكومة تلعب في مساحات ضيقة، أو تكلف بتطبيق المنهج المقرر من طرف الحكومة الموازية، أو الدولة العميقة، أو أهل الحل والعقد، أو وأو… مما شئت من الأسماء والألقاب، فلا مشاحاة في الاصطلاح.
*كاتب مغربي، باحث في العقائد، والمدارس الفكرية، والاستشراق.

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

ماذا جنينا من السلام مع إسرائيل؟!

المهندس. سليم البطاينة! ذات يوم سُئل الشاعر الفلسطيني (محمود درويش) عن اتفاقيات السلام العربية الاسرائيلية …