د.خديجة صبار*
استدعت وزارة خارجية الكيان الصهيوني رئيس مكتب الاتصال بالمغرب ” ديفيد غوفرين”، بسبب شبهات ” تحرش جنسي على موظفات مغربيات وفساد” ومخالفات مالية وإدارية من بينها اختفاء هدية قدمتها العائلة الملكية للمكتب بمناسبة ما يسمى بعيد “استقلال” الكيان ولم يتم إخطار وزارة الخارجية بموضوعها وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية. وذكرت أن وزارة خارجية الكيان تلقت قبل عام شكوى حول تحرش مسؤول كبير بنساء مغربيات. ويظهر أن عشرات من حوادث التحرش بالنساء التي مارسها تمت تحديدا في الفندق الذي كان يقيم فيه مدة عشرة أشهر. وفق ما جاء في الشكوى إحدى الضحايا: “سأكتفي أن أخبرك أن لدى العاملات في الفندق الذي أقام فيه السفير “غوفرين” لنحو عشرة أشهر عشرات القصص تتعلق بهذا الأمر” ووصف بأنه “مهووس بالنساء لدرجة تدفعه للتحرش بهن”. وتشمل التحقيقات، أيضا، ملفا يتعلق بظروف استضافة رجل أعمال خلال فعاليات رسمية لكبار المسؤولين والوزراء الإسرائيليين الذين حلوا بالمغرب، حيث يحضر هذا الشخص لقاءات رسمية بين المسؤولين الإسرائيليين ونظرائهم المغاربة رغم أنه لا يشغل أي منصب رسمي، ويرجح أن له علاقة كبيرة ب”السفير” ديفيد غوفرين.
هذه بعض نتائج آفة التطبيع المحموم ومساره- وما سيأتي أعظم- جراء الهرولة غير المحسوبة للصهينة الرسمية المفروضة على الشعب المغربي الرافض لها والذي لن يقبلها كما عبر عن ذلك في جميع المناسبات، آخرها وقفة أمس الجمعة 9 سبتمبر 2022 أمام البرلمان تنديدا بهذه الفضيحة. وما يدعو إلى الاستغراب هو أن يصرح الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب انعقاد المجلس الحكومي يوم الخميس 8 سبتمبر أن الحكومة لم تناقش الموضوع في اجتماعها الأسبوعي، وكأن الخارجية المغربية والسلطات المركزية لا يعنيها الأمر أو تنظر للقضية كفرجة لا كحدث واقع بالفعل ويتطلب اتخاذ مواقف محددة! بل فضل الناطق باسم الحكومة عدم “التصريح بما تعتزم الحكومة القيام به لصون كرامة النساء المغربيات، في حال ثبتت الاتهامات الموجهة إلى المسؤولين الدبلوماسيين في مكتب الاتصال بالرباط.
تناسل فضائح الكيان وجرائمه
أن يقع التحرش في مقر العمل عنف جنسي، وشطط في استخدام السلطة، وانعكاس لعلاقات القوة غير المتكافئة، وانتهاك لحقوق الإنسان، وحدث مقرف يدل على بداية التطور النوعي الخطير في العلاقات المغربية مع الكيان أساسها الإهانة والإذلال والإساءة للوطن، و جرائم ترتكب بحق المرأة المغربية، وتحول مكتب الاتصال إلى وكر للفساد بالضغط المفروض على الضحايا بالقوة، بالإضافة إلى أن التحرش حالة غير سوية وامتهان لكرامة المرأة والنظر إليها نظرة دونية وانتهاك للأعراض، والعرض أهم ما يملكه الإنسان وتعد حمايته من الحقوق الأساسية للأفراد، لما له من تأثير على المستوى النفسي والأدبي: فمن أين يستمد “السفير رغم أنف الرباط” القوة لفرض نفسه دون أن يستقبل ويقدم أوراق اعتماده؟ وكيف بلغت به الجرأة أن ينال من كرامة المغربية بمحاولة استغلالها في مقر العمل؟ ما المرامي الكامنة وراء هذا السلوك؟ المؤكد أن توظيف المرأة هن صميم فلسفة الكيان الصهيوني ومن أبرز الوسائل المتبعة من طرفه لبلوغ الهدف وتحقيق الغايات في دولة الكيان باعتبار النساء والمال والنفوذ من أهم أسلحته، إذ يعتبر الموساد النساء أفضل وسيلة للإيقاع بالمستهدفين، بحيث يتم الاعتماد على أجسادهن في تنفيذ المهام الاستخباراتية التجسسية القذرة، ألم تقل” تسيبي ليفني” “نعم للقتل والجنس من أجل إسرائيل” ،. فالدور النسائي في صراع الكيان من أجل البقاء لم يتوقف مثلما “الحروب والثورات هي حصاد الشعب الصهيوني” بتعبير رئيس الوزراء الإنجليزي “دزرائيلي”. هل يهدف مكتب الاتصال في المغرب إلى التأسيس لتدمير المجتمع المغربي من الداخل بتسخيره (=مكتب الاتصال) لتحقيق المخططات التفكيكية المنصوص عليها في بروتوكولات حكماء صهيون، ومنها نشر الفساد والميوعة في الأجيال الناشئة ليسهل عليهم قيادتها؟ الفضيحة الثانية تتعلق “بمكتب الوساطة” لتسفير الشباب إلى “دولة الكيان”، والذي شرع في تسجيل المرشحين للعمل في فلسطين المحتلة في المجالات الحرفية: البناء والترصيص والتبليط والتمريض، برواتب مغرية ( بناء المستوطنات للصهاينة وتمريض قطعان المستوطنين ب أياد مغربية = سياسة فرق تسد وخلق الكراهية المعتمدة من طرف الكيان وبأخس الطرق )، مما جعل الشباب المقصي من الدورة الإنتاجية، والذي أنهكته ظواهر التهميش التي تعاني منها مجموعة من المناطق عبر التراب الوطني يتهافت على المكتب الوساطة للتسجيل، قبل أن يصدر مكتب الوساطة بلاغا يتبرأ من المكتب الذي فتح على غفلة من السلطات لتلجأ لإغلاقه بعد البلاغ.
تحركات كبيرة ومشبوهة يقوم بها مكتب الاتصال وشبكات عملائه أعجزت السلطات المغربية رغم أن عينها لا تنام في قضايا من هذا النوع على متابعة البلبلة التي ينشرها في الوطن بمنطق القوة التي بات يملكها عبر التطبيع والاتفاقيات الإستراتيجية، فتحت المجال لارتياد السياح الصهاينة – قتلة الأطفال والنساء في فلسطين- للمغرب كل أسبوع مثلما تبنت الأنظمة المطبعة منطق القوة مع شعوبها بدل المنطق التحاوري معهم، علما أن المغاربة هم من يدافع عن حوزة الوطن بمختلف الوسائل ولا يستسلمون، وكل الذين طبعوا بِبَيعِنا الوهم لنُصرة القضية الفِلسطينية وقعوا في قفص الكيان المحتل الذي يرفض السلام مع العرب ويواصل توسعه الاستعماري السرطاني.
وأهم نقطة لابد من الوقوف عندها تتعلق بالإطار العام المولد للصورة المقززة التي لا يمكن أن تولد من لا شيء، والأسباب التي تقف وراءها أي نشأة دولة الكيان الصهيوني وما استتبعته من أحداث جسام في منطقة الشرق الأوسط، تتصدر تلك الأحداث مأساة الشعب الفلسطيني الذي هجر من أرضه ودياره وتم تعقبه والتمعن في إبادته، ودفع إلى الخروج من الأرض الموعودة لتخليصها للشعب المختار. ولم تلبث تلك الأحداث أن اتسعت دائرتها فاتخذت الشرق الأوسط كله لأهمية الإستراتيجية والبترولية ما بين النيل والفرات مسرحا لها، لتمتد أذرع الأخطبوط الصهيوني وتتوسع إلى المغرب لجعله منفذا للمغرب العربي، ويتابع ممارسة عدوانه الذي ما فتئ يزداد تعقيدا واستعصاء على الحل، ويمتد عدوان السياسة التوسعية التي ينتهجها ليتسنى له في ظروف عالمية معينة تنفيذ مخططاته الرهيبة في شكل مسرحية مأساوية تمثّل مشاهدها المخزية على مسرح السياسة الدولية من واشنطن- باعتبار الولايات المتحدة صاحبة الكلمة العليا في منطقة الشرق الأوسط بهدف – تقويض الصف العربي بكيفية نهائية – وكسر سياسة الإجماع العربي وانتهاك كل القرارات العربية التي تدعو إلى مقاطعة العدو الصهيوني، بنهج آفة التطبيع الذي يعكس ما تمارسه الصهيونية السياسية التي قام عليها الكيان من إرهاب على أعناق العباد ومن مظهر السيطرة الإرهابية الممارسة على الحياة، والحال أنه لا يشكل إلا ظاهرة استعمارية (مصيرها الزوال) منذ أن خطط له أواخر القرن التاسع عشر وأعلن عن ولادته عام 1917، واتخذ قراراته بالتحالف مع القوى الكبرى والإمبريالية العالمية ذات الأطماع الاستعمارية، وبالتالي فهو حقيقة غير قابلة للحياة يرفض السلام ويواصل سياسته التوسعية الدموية كمدرسة للعنصرية المعادية للبشرية تناصب العرب الكراهية والعداء، تجلى هذا واضحا في الأعمال الهدامة: سرقة المناشف و السكاكين… في فنادق الدول المطبعة في الخليج، و” السكاكين تحن دوما إلى الدم حتى وإن دُجنت في المطبخ”، وفي الجرائم الأخلاقية لإفساد النفوس ومسح العقول التي دشنت بالتحرش الشنيع في المغرب، فانكشفت الاتجاهات الخفية للكيان المخرب الذي تمزقه الفضائح بدءا من اغتصاب الأرض وطرد أصحابها الأصليين.
مكتب الاتصال وتلويث المحيط
من المستحيل عدم تقدير خطورة الحدثين المُهينَين الهادفين إلى تلويث المحيط وتكريس المفاهيم المنتمية للإيديولوجية المهيمنة. فالكيان الذي يصور نفسه كواحة للديمقراطية لم يستطع تغيير كل الخلفيات الفكرية والإيديولوجية الصانعة لأفعاله. حادث “مكتب وكر البغاء” يطرح أسئلة فكرية ذات صلة بالجسد والرغبة والاعتداء الجنسي والاعتداء على الحرية الشخصية، وانتهاك حقوق المرأة في مقر عملها ويبعث رسائل سياسية. ولا يبدو الأمر عاد بالنسبة للسياق التاريخي الذي توجد عليه اليوم الحركة النسائية التي قطعت شوطا كبيرا في التطور نتيجة التحولات التي عاشتها منذ تبنى المغرب مشروعا للنهوض بواقعها في المجال التشريعي ومجالات العمل العام ” الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية” التي نقلت العمل المطلبي النسائي من مستوى العمل المرتبط بالتنظيمات الحزبية والنقابية إلى عمل مدني مفتوح على قضايا النساء، مستقل برؤيته الخاصة ومنفتح في الوقت نفسه على آلية النضال السياسي الوطني بهدف تغيير المجتمع وتغيير أوضاعهن بما يكفل حقوقهن ويرعى كرامتهن وآدميتهن: لكن ما يدعو إلى الغرابة هو صمت الحركة النسائية المطبق تجاه فضيحة مكتب الاتصال الصهيوني في الوقت الذي تتعبأ لمواقف أقل خطورة، والزعيق الذي أثاره على منصات التواصل الاجتماعي مشهد سينمائي يغلب عليه المتخيل أكثر من نقل صورة الواقع لفلم مغربي ظهر فيه (البطل يقبل البطلة) في حين لم يُنتبه للخروقات التي تشهدها دبلوماسية الكيان بالرباط ! والكشف عن الهدف الذي يرمي إليه مكتب الاتصال الذي هو بساطة ووضوح نفس الهدف الذي كشفت عنه الآية الكريمة ” لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا”. فما تفرع عن اليهودية من حركات صهيونية وماسونية تجد أسسها الإيديولوجية في المصادر اللاهوتية(العهد القديم) حيث ترد جملة في التلمود وضعها “الحاخام كوهين”: “يمكن تقسيم سكان الأرض ما بين إسرائيل وبقية الشعوب مجتمعة، فإسرائيل هي الشعب المختار وتلك عقيدة أساسية”
*كاتبة واكاديمية مغربية
شاهد أيضاً
ترمب ومعضلات الشرق الأوسط!
د. سنية الحسيني* من الواضح أن الشرق الأوسط الذي خرج منه دونالد ترامب في مطلع …