بقلم / فيصل مكرم *
▪مسيرته وعطاؤه مدرستان ينهلُ منهما الأجيال أهم دروس الحياة والإبداع، فمنذ ريعان شبابه آثر ناصر العثمان أن يكونَ في خدمة وطنه ومُجتمعه على جبهة العلم والثقافة والصحافة، فأسس كيانات علمية وثقافية وإعلامية باتت كبيرة وقادها نحو الديمومة فباتت ناجحة ليصبحَ العثمان واحدًا من عمالقة الصحافة والثقافة العربية والخليجية التي تفخر بهذه القامة وبمآثر عطائها التي لا شك أن تاريخنا العربي المُعاصر سيُدوّنها بأحرف من نور عن عقود من التجربة الخلاقة والإبداع والنجاح والتميز أينما اختارته أقداره وحيثما يكون شغفه ومهنته التي أحبها والتصقت بروحه كرفقة لا انفصام فيها ولا فراق.
▪العثمان هو عميد الصحافة القطريّة، وأحد عمالقة الصحافة الخليجية والعربية كرّس نفسه لخدمة وطنه في أهم وأقدس المجالات وهو التعليم ومحو الأمية ليسهمَ في بناء الإنسان وإعداد الأجيال لكل مراحل البناء والتطور والنمو، ثم رائدًا في العمل الثقافي والإعلامي في دولة قطر ليصبحَ فارسًا من فرسان الصحافة كمؤسس وكاتب لا يشقّ له غبار في رشاقة قلمه والتزامه بقيم ومبادئ مهنة الصحافة ورسالتها الإنسانية والأخلاقية والوطنية وتحمل متاعبها ومسؤولياتها والتزاماتها خلال مسيرة عمره الحافل بكل ما يتطلع إليه المرء من نجاح، ما يجعل من ناصر العثمان مثلًا رائعًا ومدرسة إنسانية وتجربة مُضيئة تنير للأجيال كل درب نحو النجاح والتميز، باعتباره رائدًا في حركة التنوير في دولة قطر وفي العالم العربي دون أدنى شك أو مُبالغة في الوصف والقول.
▪كنت – قبل أن أتشرفَ بالتعرّف عليه عن قرب – قرأت قليلًا من كثير ما كَتَب العثمان وسطر قلمه وفكره ورأيه في مختلف الأحداث والمُتغيرات التي عايشها، وما كُتِبَ عن شخصه ومكانته الثقافية والصحفية، وسمعت الكثير عن دماثة ونبل أخلاقه كإنسان وكقامة وهامة صحفية كبيرة، وحين واتتني الفرصة للتعرف على ناصر العثمان عن قرب في عديد من الاجتماعات لاتحاد الصحافة الخليجية، حيث كان يشغل منصب الأمين العام، وهو أحد أبرز المؤسسين للاتحاد مع الراحل الكبير تركي السديري رحمه الله، حينها وجدتني أقف أمام رجل عركته الحياة وكاسر خطوبها ونواميسها بقوة واقتدار، وعرفت حينها أن ما اختزلته من معلومات عن الرجل لا يساوي شيئًا مما بتّ أعرفه عن هذا الشيخ الجليل الذي جعل من تواضعه مهابة ومن تاريخه الحافل هامة وقامة يصعب على كثيرين من أترابه كما على أمثالي وأبناء جيلي بلوغها وإن بشق الأنفس.
▪في آخر اجتماع للجمعية العمومية والمكتب التنفيذي لاتحاد الصحافة الخليجية عقد في دولة الكويت عام ٢٠١٦، قرر عميد الصحافة القطرية وشيخ الصحافة الخليجية والعربية وفارس الكلمة وأمير الحرف ناصر محمد العثمان أن يترجل ويتخلى عن منصبه كأمين عام للاتحاد، وهو مَن ساهم في وضع مداميكه وعمل على توسيع نشاطه وخططه وبرامجه بما يكفل تطوير وتنمية العمل الصحفي في دول الخليج واليمن، نزل الخبر على أعضاء المكتب التنفيذي وأنا منهم كالصاعقة وأجمعنا على عدم القبول بما قرر العميد الشيخ، وحين حاولت جاهدًا إقناعه بالعدول عن قراره كان رده حاسمًا ومُقنعًا، قال لي العميد ناصر العثمان وكأنكم تتهربون من تحمّل المسؤولية بعدنا، وأضاف: وربما لا تجدون من حقي أن أرتاح قليلًا من أعباء المسؤولية وأنا مُقتنع بقراري كما قناعتي بما قدمت لهذا الاتحاد، فكان له ما أراد رغمًا عنا، إذ لم يترك لنا خيارًا سوى احترام قراره، وبالنسبة لي لم ينقطع التواصل معه بل كان يسبقني مُهنئًا في عيدٍ وفي السؤال عن الحال، وتلك من شيم الكبار وأخلاق العظماء.
سيظلُّ العميد والأستاذ الكبير ناصر العثمان بتاريخه وبعطائه وبإنسانيته ومآثره مدرسة في العلم ورائدًا من رواد التنوير وفارسًا من أعظم فرسان الصحافة العربية، وتاريخًا يُنيرُ للأجيال كل درب نحو النجاح، وسيبقى العثمان ذلك القائد النبيل على صرح صاحبة الجلالة، وكل جوائز التكريم التي نالها والتي يجب أن ينالها لا يمكن أن تفيه حقه أو تضاهي ما قدمه خلال سنوات عمره المديد بإذن الله، وهذه السطور إنما هي تعبير بسيط لا ترقى إلى ما يستحقه هذا الرجل الكبير بتواضعه وعطائه وتجربته، أطال الله في عمرك يا أبا محمد ومتعك بالصحة والسعادة، ومتعنا الله بالقوة والإرادة لكي نمضي على دربك، خير تلاميذ لخير مُعلم وأعظم أستاذ.
*نقلا عن جريدة الراية