بقلم / فيصل مكرم*
يَا لَه من منطادٍ صينيٍ خطيرٍ عبر من الصين فوق المحيط ووصل إلى الأجواء الكندية ثم دخل الأجواء الأمريكية في تجوال هوائي حر ربما استمرَّ بضعة أيام أو أسابيع قبل أن يرصده مسافر أمريكي من نافذة طائرته، ويلتقط له صورًا معتقدًا أنه نجم نهاري ضائع في سماء بلاده لتعلم مؤسَّسة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أنَّ هذا المنطاد حجمه يوازي ثلاثَ حافلات، وينتمي إلى دولة الصين العدو الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وتعتبره تهديدًا لأمنها، خاصة أنها لم تنسَ مناطيد اليابان في الحرب العالميَّة الثانية التي كانت تسقط قنابل حارقة فوق أمريكا، التي تعتبر المنطاد في أجوائها انتهاكًا لسيادتها، وهي التي تنتهك سيادةَ الدول دون رادع، بالفعل هذا المنطاد الصيني امتلك الجرأة الكافية ليغزوَ أجواء أمريكا ويتجول فوق مدنها ومواقع تعتبرها واشنطن مهمةً وحساسة، وربما يكون في مهمة تجسسية في إطار التجسس المتبادل بين الدولتَين العظميَين.
قبل أن تشرقَ الشمس على واشنطن وضواحيها صبيحة أحد أيام الأسبوع الماضي نهضَ الرئيس الأمريكي جو بايدن مفزوعًا ليس لأنه أُبلِغ توًا بتجوال منطاد صيني في أجواء أكبر وأقوى دولة في العالم هو رئيسها، وإنما ليسأل أقرب مستشاريه هل علم ترامب بالأمر، وماذا قال، وبماذا علَّق الجمهوريون على هذا الخبر، كان ترامب استبقَ خلفه في المكتب البيضاوي وصرَّح بأنه لولا وجود بايدن في المكتب البيضاوي لما تجرأ أي منطاد على انتهاك سيادة الأجواء الأمريكية، وقال: لو كنت أنا الرئيس لأمرت فورًا بإسقاط البالون ليكون عِبرةً لكل بلالين ومناطيد العالم، وزير الخارجية الأمريكي بلينكن- الذي كان صرح قبل ساعات من اكتشاف المنطاد بأن بلاده حريصة على سيادة العراق التي استباحها جيشُه قبل نحو عقدين- قرَّر تأجيل أو إلغاء زيارة له إلى بكين كان مقررًا أن تتم يوم الأحد الماضي، وأسفرت اجتماعات طارئة عقدها المسؤولون في البنتاجون وال (سي آي إيه) عن توصية للرئيس بايدن بتأجيل قرار إسقاط المنطاد حتى لا يتسبب في تهديد حياة المدنيين.
منطاد الصين العظيم لا أحدَ يجزم متى أضاعه الصينيون في السماء الواسعة، ولا كم لبثَ في أجواء كندا ثم أمريكا يصول ويجول بكل أريحية، ولا كيف تمكن من استغفال أجهزة الرادار الأرضية ذات الإمكانات العالية للدولة الأعظم، ولا كيف تسلل من تحت آلاف الأقمار الاصطناعية الأمريكية التي تغطي سماء أمريكا وتنتشر في أجواء العالم تتجسس وترصد كل صغيرة وكبيرة.
المنطاد الذي حيَّر البيت الأبيض وإدارة بايدن تم إسقاطه في المُحيط بطائرات أمريكية، وشكر بايدن الطيارين على (شجاعتهم) في جعل المنطاد يتقافز في الهواء، وتم عزل رئيس هيئة الأرصاد الصيني لأنه أضاع المنطاد وتسبب في أزمة مناطيد بين بكين وواشنطن ولأنه منطاد صيني وليس أي منطاد ويسير على ارتفاع كبير يتجاوز ارتفاع الطائرات العسكرية والتجارية العملاقة، وفيما قالت واشنطن: إنه لا يشكل أي خطر على أمن أمريكا، فهي لم تكن تعلم ماذا يحمل على متنه، أم أن للصين غرضًا خطيرًا من إطلاقه وإضاعته إذ لم تعلن بكين عن منطادها إلا بعد اكتشافه، ولم توضح متى أطلقته وكيف أضاعته، وفي اعتذارها لواشنطن قللت من أهميته، وطلبت الهدوء والتنسيق لحل معضلته، ولم تعطِ الإذن للأمريكان بإسقاطه، باستثناء تأكيد بكين أن منطادها نطَّ في السماء وشرد في غفلة منها وأنه منطاد مسالم يستخدم لأغراض الرصد الجوي.
الصين قد تخوضُ أزمة جديدة مع واشنطن بسبب منطادها العجيب، والرئيس الروسي بوتين تابع حيرة وارتباك الدوائر الأمريكية حيال التعاطي مع منطاد الصين وربما ضحك بملء فيه خاصة أن دوائر الاستخبارات والجيش الأمريكي أبديا قبل يومين من ظهور المنطاد المشؤوم، ذهولهما من ضعف الجيش الروسي الذي كشفته الحرب في أوكرانيا وفي توقيت راجت فيه معلومات مؤكدة أنَّ مخزونات أمريكا مع حلفائها في الناتو تعاني نقصًا حادًا في العتاد والذخائر نتيجة دعمها كييف بهدف استنزاف الجيش الروسي وإفشال طموح بوتين في الهيمنة على أوروبا، فهل يقرب منطاد الصين اندلاع حرب كونية تفني البشرية ولا يبقى من يشهد على حرب المنطاد سوى أطلال صامتة، أم أنه مجرد رسالة صينية لعدوها الأمريكي بأننا قادرون على غزوكم وإن بمناطيد تخيفكم وتجهلون ماهيتها.
fmukaram@gmail.com
@fmukaram
*نقلا عن جريدة الراية القطرية