بقلم/ فيصل مكرم *
– التطوراتُ الأخيرةُ للحرب في السودان تؤكد عمليًّا ما كنَّا نخشى حدوثَه في بداية تمرُّد قوَّات الدعم السريع على الجيش من مخاطر التقسيم، واندلاع المُنازعات العِرقية، وأقْلمة وتدويل الصراع، وتزايُد المُعاناة الإنسانية، ناهيك عن الدمار الهائل الذي تُخلّفه المعارك يوميًا، سواء في العاصمة الخُرطوم المُترامية الأطراف، أو في ولايات أخرى، وأهمُّها دارفور بشمالِها وغربها وجنوبها، بعد أن شهدت خلال الأسابيع الأخيرة مجازرَ جماعيةً، وانتهاكاتٍ إنسانيَّةً غير مسبوقة واغتيالاتٍ مُمنهجة، وتهجيرًا جماعيًا، وتصفياتٍ عِرقيةً، حيث تؤكد التقارير الأممية والدولية أنَّ قادة الدعم السريع لهم دورٌ أساسي في تأجيجها وتوجيهها.
– أطرافٌ إقليميةٌ ودوليةٌ، تُموِّلُ حميدتي، وتدعم قوَّاته، وتغطي على جرائمِها بحقِّ السودان وشعبه؛ بهدفِ تغذية الصراع وإطالة أمدِه، وبشهادة الأُمم المُتحدة ومُنظَّماتها الإنسانية والإغاثية التي حمَّلت قوات الدعم السريع مسؤوليَّةَ ارتكاب عشرات الجرائم بحقِّ السودانيين ترقى إلى جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، مثل: الاغتصاب، والتهجير القسري، والتصفية العِرقية، بالإضافة إلى احتلال وتدمير المُنشآت الصحيَّة والخِدميَّة، واقتحام السفارات، ومنع وصول المُساعدات إلى السكَّان، وتحويل منازل المدنيين والأحياء في الخُرطوم وغيرها إلى ثُكنات لقوَّاتها التي تنطلقُ منها لشنِّ هجماتٍ خاطفةً على قوَّات الجيش، ما يتسبّب في تعريض السكَّان المدنيين للخطر والحصار والموت جوعًا.
– ثمة مخاوف حقيقية من أن يصل الوضع في السودان إلى نقطة الانهيار واللاعودة مع دخول الحرب شهرَها الرابعَ، وتلاشي الآمال بنهاية لها تضمن للسودان وَحدتَه وسيادتَه، فقوات حميدتي تحظى بغطاءٍ ودعم من أطراف إقليمية ودولية، لا تزال تعتبرها طرفًا موازيًا وتقليديًّا في صراعٍ مع الجيش من أجل السُلطة دون أن تعترفَ صراحةً بأنها قوَّات تمرَّدت على المؤسَّسة العسكرية، وترتكب جرائم لا تخفى على المُتابعين والمُراقبين والوسطاء في الشأن السودانيّ.
– حميدتي يقول: إنَّه لا يسعى لأن تكون قواتُه بديلًا للجيش، بالطبع هو يسعى إلى إضعاف الجيش السوداني وإنهاكه بحروب مدن وحروب قَبلية مُتباعدة ذات طابع إثني تحقق له أهدافَه التي فشلَ في تحقيقها في بداية تمرُّده، وهو يعمل على جذب داعميه من الخارج لشراكة في مُقدَّرات وثروات السودان والهيمنة على هذا البلد الذي أنهكتْه الحروبُ والأزماتُ الاقتصاديةُ والسياسيةُ والفسادُ دهرًا، وجعلت الشعب السوداني فقيرًا، والسودان بلدًا مُستباحًا لمصالح من الداخل والخارج، فلم يحظَ السودان لعقود طويلة بحكومات تُديرُ مصالحَه ومواردَه لمصلحة الشعب السوداني، ولعلَّ سنوات حكم البشير وجماعته هي الأسوأ في تاريخِه، حيث إن ما يعيشه السودانُ ويُعانيه اليوم، هو نتاجٌ لمُخرجات حكم البشير الذي عمل على تحييد المؤسَّسة العسكرية وإضعاف دورها في حماية ثروات البلد والدفاع عن سيادتِه، ونجحَ في إنشاء قوَّات موازية للجيش أسماها قوات الدعم السريع، ومنحها غطاءً قانونيًا من البرلمان الذي كانت تُسيطرُ عليه جماعةُ حكمه، واختار البشير بعناية قائدًا لهذه القوَّات لا يتردد في تنفيذ أوامره بدءًا بمجازر دارفور، ثمَّ الاستيلاء على مناجم الذهب والمعادن الثمينة، ومنحه الموارد اللازمة عبر عشرات المؤسَّسات التجارية التي تدرُّ عليه الأموال الطائلة لبناء قوَّاته وتسليحها والإنفاق عليها لتنقلب على جيش الوطن ودرعه.
– يخطئ من يعتقد أنَّ السودان فقيرٌ، فلديه من مناجم الذهب والمعادن الثمينة ما يقي شعبه الفقرَ، ولديه
من الثروة الحيوانية، والأراضي الخصبة ما يكفي لسدّ احتياجاتِه واحتياجات الدول العربية والإفريقية من الحبوب واللحوم والخَضراوات وغيرها، ولديه ثروات نفطية وغازية لم تكتشفْ بعدُ، وكل هذه الثروات والموارد هي محط أطماع واهتمام دول وشركات كُبرى عابرة للحدود والقارات التي ربما وجدت في حميدتي ضالتها، فالرجل لا يهتمُّ بالديمقراطية، ولا بموت شعبه جوعًا، فلديه نَهمٌ للثروة وطموح للزعامة ليس فيه مُتسع لأي تطلعات للشعب السودانيّ، وبالتالي يمكن القول إن الجيش السوداني (رغم كل أخطائه) وبقاء كيان الدولة والمُشاركة الوطنية الفاعلة لقوى التغير المدنية والأحزاب والنخب السياسية يمكنها مُجتمعة أن تكون جزءًا من الحل، ومنع انزلاق السودان إلى حرب أهليَّة، والتصدِّي لمُخطط تحويله إلى شركة خاصة يملكها حميدتي لنهب ثرواته واستباحة سيادته، وحينها سيؤول مصير السودان إلى نفس ما آل إليه الوضع في دول عربية كاليمن وسوريا وليبيا، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي أتمنَّى أن يتصدَّى له الشعب السوداني بكل أطيافه قبل فوات الأوان .
*نقلا عن جريدة الراية
fmukaram@gmail.com
تويتر @fmukaram