الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / هل أنتم خائفون على المقاومة؟

هل أنتم خائفون على المقاومة؟

خـالد شـحام*
هل أنتم خائفون مما يحدث في غزة ؟ نعم كلنا خائفون و قلوبنا هواء ، كلنا تختنق أرواحنا ونبتلع الغصة كل يوم مع كل خبر لأن بورصة الشهداء اليومية ارتفعت وصارت بهامش 300—500 شهيد ويبدو أن الجسد العربي يحتاج رقما أعلى كي يتحرك أو تدب فيه الحياة .
هل أنتم خائفون من نتائج هذه المعركة ؟ نعم أنا خائف مثلكم وقلبي لا يتوقف عن الخفق الثقيل نهارا وليلا ولم أعد أتمكن من النوم ، وكل طعام في معدتي منبوذ .
هل أنتم مصابون بالخيبة مما سيحدث وتترقبون الاجتياح ؟ نعم أنا مثلكم تملأ حجيرات قلبي تيارات عاتية من الهواجس من الموقف العربي والعالمي و شعور بالخيبة كاد يودي بي إلى المشفى لفشل القلب في تدويرها !
هل أنتم مصابون برهاب المستقبل الأسود للعرب ؟ نعم أنا مثلكم اخاف على هويتي وعروبتي ورصيد أجدادي وأهلي وتاريخي ، أعترف لكم بأن مشاهد الأطفال وصفوف الأكياس البيضاء المربوطة من أسفل وأعلى والمكدسة على الأرض وداخل ثلاجات الآيس كريم والتي فاضت بها الأرض لا تغادر منامي وهي كافية لأن تكسر أشد القلوب قسوة وكافية لأن تمنح أي إنسان المعاني الكافية بأنها معركة عبثية خاسرة بجدارة تستند إلى عنتريات صورية مأزومة !
كل هذا الوصف لا شك أنه يخترق الوجدان والنفوس في مثل هذه المعركة وهذا شيء لم يغادر طبائع النفس البشرية وسلوكها المتوقع في هكذا مواقف ، مثلكم أنا تتصادم في مخيلتي صور وتساؤلات واحتمالات ولكن في قلب هذه العاصفة هنالك وتد كبير نتمسك به كلما اشتدت الرمال وضاعت الرؤية .
هنالك وصفات طبية كثيرة يمكنها علاج واستدراك هذا التهاوي أحدها يقدمها لكم أستاذنا عبد الباري عطوان على هيئة مقاطع فيديو يومية ، جرعات أمل ضرروية لبقاء القلب ومثله شرفاء كثر ، لكن أكثرها فعالية وسرعة في الشفاء كان تلك اللقطات التي تعرضها شاشات البث لمواطن أو مواطنة من غزة فلسطين حيث القصف بلا هوادة والطائرات لا تتوقف عن اسقاط اطنان المتفجرات والقذائف وهو يتكلم ويخاطب ضمير العالم الغائب خلف ميكروفون الحقيقة المطلقة وإليكم بعض من هذه الوصفات الدوائة البلسمية :
-رجل عجوز يتهدج الكلام بين شفتيه من هول القذيفة ( مهما قتلوا ، مهما سفكوا ، مهما عملوا ، شعبنا صامد على أرضه ، سنبني خيمة ونبقى مغروسين في هذه الأرض ، هذا الاحتلال زائل ، سندفع الغالي والنفيس من اجسادنا ودمائنا وشهدائنا لتحرير هذه الأرض)
-هذه عجوز فلسطينية تلقي خطاب الأمم المتحدة نيابة عن كل شعب فلسطين من قرب الغبار والشقاء (بقول لحماس اجمدي وتصلبي ولمقاومينا نحن وراكم حتى لو لم يتبق أي طفل في فلسطين ! )
-الشهيد الفنان الفلسطيني علي نسمان من على كورنيش الحطام وجثث العمارات وأرواح الشهداء من خلف مسرح القصف (هذه حربنا خضناها ونعلم ان الثمن سيكون بهذا الشكل ، مهما فعلتم لن تروا منا خوفا ، نحن عاهدنا الله على الموت )
-فلسطيني فقد ابنه الأكبر للتو يصيح على أحدهم داخل مشفى ( لا تبكِ يا رجل ! كيف تبكي نحن رجال ! هذه ارض جهاد ورباط وكلنا شهداء لأجل فلسطين ولهذا خلقنا الله ! )
لماذا نحن واثقون من نصر المقاومة ولماذا نراهن عليها في ظل هذا الاختلال الهائل في القوى والعدد والوعيد والتهديد ؟ ماذا تقول الحقائق بعيدا عن لغة الحقائق الكرتونية ؟
إن المقاومة الفلسطينية ظاهرة شرعية ، شرعية فطرةً وشرعيةُ دينا وشرعية بالقانون الدولي الكاذب الذي لا يمكنهم إنكار نصوصه وفقراته التي هم وضعوها والتي تحلل المقاومة للمحتل وتحرمها على فلسطين وشعبها ضد الصهاينة .
إن مبدأ الفئة القليلة التي هزمت فئة كثيرة هو مبد أ ثابت عبر الزمان والمكان ولا مبدل لكلام الله وهو أيضا حقائق علمية خاضعة للتجريب والقياس .
إن ايماننا بالمادة والخضوع لقوانينها والاكتفاء بذلك كما يفعل الغرب وفريق الشيطان لا يمكنه أن يحقق النصر أو الثبات ، الشق الثاني من الايمان بالغيبيات والايمان بنصوص القرآن الكريم وأحاديث نبينا محمد عليه السلام وبشائر النصر هو ركيزة أساسية من ركائز المعركة وبدونها لا قيمة لأي استعدادات مادية أو بشرية.
كيف يخسر من نذر نفسه للشهادة والتضحية القصوى ؟ هل تعتقدون أن مقاتلي المقاومة مثلنا أو مثل الجندي الأمريكي أو الصهيوني او البريطاني الذي يشغل قلبه الجنس والمخدرات والمسكرات ؟ هؤلاء رجال المقاومة لم يعودوا بشرا على الإطلاق ! إنهم جنود الله الذين ثبتهم وبَثَّ في قلوبهم الشجاعة ووعدهم بالذي لا يخلف وعده ، إنهم فولاذ يمشي على الأرض ونحن الدم واللحم الضعيف ، كيف يمكن لمن يطلب المتاع أن يغلب من يطلب الموت ؟ هل يظن أحدكم مثلا أن الضيف أو السنوار يختبئان الان في نفق تحت الأرض المقدسة خوفا وحرصا على مزيد من ساعات الحياة ؟ هل تمزحون ؟ أم لكم كتاب اسرائيلي فيه تقرأون ؟ لقد وفيا المهمة الأجمل والأكبر في هذه الحياة وبلغا الدرجة العليا من التقرب الى الله وطاعته ويرجوان الرحيل كل دقيقة وإنما بقاؤهما مجرد مشيئة ربانية لإلحاق المزيد من الإذلال بجالانت وبيبي وبن زفير والرئيس الروبوتي .
لم يكن النصر في المعركة بأي حال من الأحوال مرهونا بالتجهيزات والمعدات وحجم الانفاق ، لقد كانت تجهيزات بسيطة بكلف محدودة أكثر من كافية لإلحاق أكبر هزيمة بالكيان كما أظهرت القياسات الوجودية .
إن دولة الباطل الكبرى لم تنتصر يوما في أي معركة من معاركها بقدر ما هو تغطية إعلامية لهزائم باطنية كبرى ، إنها مهزومة لأنها لم تنتصر يوما للحق ولم تقف قربه ولو بمسافة مناسبة ، إنها دولة ضخمة وهائلة القوى والامكانات والكوادر لكنها دوما تصطف في معركة الباطل لأن الشيطان هو من يحركها ويحرك ضميرها ، إنها دولة لا تترك وراءها إلا الفساد والخراب والدمار حيثما حلت ، لم تمنح أي مكان غَزَته إلا الرجوع مائة سنة نحو الخلف ولم تكن سببا في استقرار هذا العالم الذي تعتبره بين يديها وتتزعم قيادته ، إنها دولة عظيمة ولكنها غير عادلة ولا نزيهة وكافرة بكل القيم السماوية ومخادعة وكاذبة في سبيل مطامعها وغاياتها ، لقد هاجمت هذه الدولة أفغانستان واعتدت على شعب مسحوق وملأت البلاد بالقصف والموت وفَرَّت طلائع جماعة طالبان واستولى النصر الأمريكي على المشهد مع فلول الفقراء وظن الأمريكان بأنهم قد تمكنوا من البلاد والعباد واعتقلوا وقتلوا وفتكوا بأشد البلاد فقرا وضعفا ، بعد سنوات طويلة مريرة من الخسائر المتلاحقة في كل شأن كان وزير الدفاع الأمريكي مضطرا للجلوس مع أحد أفراد طالبان ممن كانوا معتقلين في غوانتانامو للمفاوضة حول شروط الرحيل من البلاد خلال بضعة شهور وعقب ذلك انسحبوا بمذلة ومهانة تاريخية يشهد عليها العصر وفروا مثل الجراد الذي تطارده النار ، لقد تكبدت الحرب في أفغانستان مقتل 2500 جندي أمريكي وكلف بلغت 2.3 تريليون دولار دفعت من أجل خسارة فادحة .
بالمثل خاضت الولايات المتحدة حربا ظالمة ضد العراق ، في بداية الغزو فل المدافعون واحتموا في قراهم ومدنهم من بطش الغزوة الهمجية لأن البلد منهك ومضعف ومستنزف ، تاليا أقام الغازة كيانهم وصمموا دستورا فاسدا مخصصا للخراب الأقصى ، وبعدما استقر المقام وطابت الغزوة ظهرت المقاومة العراقية وتمكنت من إلحاق هزائم ووخزات عديدة كبدتهم على الأقل خمسة ألاف قتيل واضطروا في النهاية لمغادرة العراق والتخلص من هذا العبء بعد انفاق 1.8 تريليون دولار انفقت لتحصيل نتائج واهمة وسطحية ولم تغير شيئا والزمان سوف يعيد العراق الى صحته وعافيته ليكون شاهدا على همجية ووحشية هؤلاء ، لن أحدثكم عما فعلته الصومال بهم أو كيف تمكن قارب يمني مطاطي من شعب مناضل بثقب كرامة البارجة ( يو إس إس كوول ) وكادت أن تغرق في مياه الخليج وطُرِحت هيبتها بالأرض .
إن المقاومة الفلسطينية ليست مجرد تنظيم او فصيل مسلح يقتصر على فئة معينة و ليست ظاهرة مرتبطة بحياة أسماء أو شخوص معينيين ، إنها ظاهرة تلقائية طبيعية مشروعة تتوالد من كل جيل ، كانت منظمة التحرير تشغل منصب الشرف هذا في وقت ما ، وفي وقتنا الحالي تشغله حماس والجهاد الاسلامي وتمنحه حق الأداء ، هذه الفصائل لم ولن تنهزم أبدا الدهر لأنها ستورث الجيل التالي وصية الأرض والأجداد ولن تتوقف ظاهرة المقاومة في الشعب الفلسطيني ولا الشعوب العربية لأنها كلها نسيج عضوي واحد ثابت عبر التاريخ لا يهزه الأمريكان ولا الصهيانة ولا فرنسا ولا بريطانيا ، لقد قتلت هذه العصابة في كل بلادنا ملايين الشهداء ولكنهم في النهاية انسحبوا خاسرين لأن المعركة ليست معركتهم والأرض ليست أرضهم .
إن المشهد العالمي والعربي الشعبي مناكف تماما لسياسات الولايات المتحدة على الرغم من حملة الأكاذيب الهائلة ، المعطيات لا تشابه تلك التي سادت في المظاهرات المعارضة لما قبل غزو العراق ، التوابع الشعبية والاقتصادية والسياسية سوف تصطف إلى جانب الشعب الفلسطيني والعربي مرة اخرى وسوف تلوي ذراع الروبوت البشري ودولته من داخلها وخارجها.
إن النوايا الأمريكية – الصهيونية المبيتة في داخل الخطط المعدة تتجاوز غزة بكثير وتتحضر لتحقيق غايات وأهداف متشعبة يحسبها الجاهل كما كل مرة ، المقاومة الفلسطينية هي تلك الصخرة عند مجرى السيل التي لم يدرك أهميتها أحد أو يلتفت إليها أحد إلا عندما جاء أحدهم وحركها من مكانها فابتلعهم السيل جميعا ، المقاومة الفلسطينية هي حارسة الجغرافيا العربية القائمة حاليا على الرغم من عوراتها ، سقوط أو انهيار هذه الصخرة يعني بالحرف الواحد ابتلاع الدولة العبرية لما بقي من عالم العرب والدوس على كرامة الشعوب وسومهم سوء العذاب ، المعركة اليوم هي معركة وجودية تخوضها المقاومة نيابة عن كل العرب وسوف تنتصر إنتصارا مؤزرا وسيكتب شرفاء الأمة كلماتهم على جبين هذا الزمان .
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …