حماد صبح*
اعترف الإعلام الإسرائيلي مرتاعا بأن حماس انتصرت على إسرائيل في الحرب النفسية. وسبب انتصار حماس ليس قدراتها الإعلامية والمالية وكثرة أنصارها في العالم، فلإسرائيل في هذه الميادين قوى وقدرات هائلة. السبب هو صدق حماس في كل ما قالته وفعلته في الحرب الحالية، وكذب إسرائيل في كل ما قالته وفعلته فيها، ويستحيل أن ينتصر الكذب على الصدق.
اتهمت إسرائيل رجال القسام باغتصاب النساء والأطفال في اجتياح غلاف غزة، وصح بطلان تلك التهمة من مصادر إسرائيلية نسبت هذه الفاحشة إلى جنود إسرائيليين. وزادت إسرائيل وجهها سوءا في هذه القضية، فأدخلت إلى غزة مثليين رفعوا علم المثلية. وقصفت المستشفيات زاعمة وجود أنفاق وأسلحة ورجال مقاومة، وبان كذب وبطلان زعمها، وكان ما أثارته حول مستشفى الشفاء من هذه المزاعم فضيحة كبرى لها، وأقر إيهود باراك الناقم على ائتلاف نتنياهو العابث الفاشل في كل شيء بأن السراديب الموجودة تحت مباني الشفاء بنيت زمن الاحتلال لأغراض تخص طبيعة عمله.
وصدق رجال القسام من خلال ” الإعلام العسكري ” في كل ما بثوه من فيديوهات عن الحرب، وعمن قتلوه أو جرحوه من جنود الجيش الإسرائيلي، وما دمروه من دباباته وناقلات جنوده، وصور هؤلاء الجنود حين يفرون من القتال عند أول أي اشتباك. وترمم إسرائيل صورة جبن جنودها هذه الأيام بالزعم أنهم يصرون على مواصلة الحرب. ولا أحد يصدق زعمها، وما ثبت من حقيقة جبنهم وسرعة هلعهم لا سبيل لمحوه من الأفكار والأذهان. وانتصرت حماس أيضا بحسن معاملتها للأسرى الإسرائيليين متفوقة في ذلك تفوقا بعيدا على وحشية إسرائيل في معاملتها للأسرى الفلسطينيين المزمنين في سجونها حتى انتهت هذه الوحشية في عهد وزير أمنها بن غفير إلى الجدية في سن قانون يشرع إعدامهم.
وشهد الأسرى الإسرائيليون الذين أطلق سراحهم لحماس بالمعاملة الإنسانية الحسنة، وأولهم السيدة التي كانت أول من أطلق سراحها منهم. اغترفت بتلك المعاملة، وحين لامها بعض الإسرائيليين على ذلك الاعتراف ظهر ابنها وأيد موقفها، ووصف كل من يلومها بأنه يسلك سلوك من يعيش في زمن عقلية الغابة وثقافتها. وشاهد العالم ما أظهرته الأسيرات المطلقات من امتنان لرجال القسام لحظة خروجهن من الجانب الفلسطيني لمعبر رفح. وتحدثت امرأة تايلاندية عن تلك المعاملة الإنسانية التي لقيها أسير يخصها من العمال التايلانديين. وأرسلت الأسيرة دانيال رسالة لرجال القسام تمتدح إنسانيتهم التي عاملوها بها هي وابنتها الطفلة إيميليا.
وفي الكفة المقابلة، قتلت إسرائيل وجرحت أكثر من 40 ألف مدني من أهل غزة، وأبادت الكثير المهول من المنازل والمباني الخدمية المدنية التي لا صلة لها بالحرب، ونهب جنودها الأموال والذهب فعل اللصوص وقطاع الطرق. وكل هذه الجرائم توافق ما في شخصية إسرائيل من نزوع للكذب والتضليل. وبعد أن تتوقف الحرب الحالية سينكشف الكثير من كذبها حتى على مستوطنيها، وبدأت أولى مظاهر الانكشاف بالخلاف حول ما إن كانت القيادة السياسية والعسكرية فيها علمتا مسبقا بهجوم السابع من أكتوبر، وهذه القضية ستكون عاصفة تطيح برؤوس كثيرة فيها. وحماس ومعها الشعب الفلسطيني لم تنتصر في الحرب النفسية على إسرائيل وحدها. انتصرت على كل من وقف في صفها، ومن بينهم ساسة عرب وصفوا حماس أثناء الحرب بأنها حركة إرهابية ولا شرعية. ومثلما تزرع تحصد. إسرائيل زرعت الكذب والوحشية فانهزمت، وحماس زرعت الصدق والإنسانية فانتصرت، وستأتي لإسرائيل هزائم كثيرة، وتأتي لحماس انتصارات كثيرة بعد الحرب من جنس ما زرعت كلتاهما. وأبدا لا يصح سوى الصحيح الصادق، وأبدا يخيب الكذب.
*كاتب فلسطيني
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …