د. محمد المعموري*
أطول حرب واكبر انتصار تسجله غزة على مدار خمس وسبعون عاما ، فلو رجعنا إلى تاريخ الحروب العربية مع الكيان المحتل منذ الاعتراف بهذا الكيان كدولة عام ١٩٤٧ وخصص لها مقعد في الامم المتحدة تحت مظلة أمريكا ومن ناصرها من الغرب فإننا سنكتشف اننا كنا في جميع تلك الحروب منهزمين ، ففي عام ١٩٤٨ اجتمع العرب كل العرب بحرب مع الكيان المحتل اسفر عن هزيمة الجيش العربي بل استطاع هذا الكيان من تهجير أبناء فلسطين تحت عباءة الجيش العربي على أمل أن ترجع تلك العوائل إلى ديارها بعد انتهاء الحرب ولكنهم هجروا وأطلق عليهم فلسطينيين عام ١٩٤٨ فمنهم من سكن الاردن أو سوريا أو العراق والآخرين هاجروا إلى مصر وبعضهم وجد له طريق نحو أوربا والقليل منهم رابط في ارضه ، ولحد اليوم ينتظرون أبنائهم واحفادهم متى يفي العرب بعهدهم في الرجوع لأرضهم ، وفي عام ١٩٦٧ كانت هناك حربا بين العرب والكيان المحتل وقد شاركت فيها جيوش عربية مثل سوريا ومصر والاردن والعراق ودول عربية أخرى وخسر العرب المعركة واضيفت إلى العدو أرض من أرض العرب وهجر من هجر من أبناء فلسطين خارج فلسطين ، وفي عام ١٩٧٣ كان هناك انتصار عربي عقبه انكسار في ثغرة “الدفر سوار” الشهيرة فكادت تنقلب الكفة لولا ستر الله ….، فرح العرب بهذا النصر “الأعرج ” “ونزع ” السادات ثوب الحرب ونادى بالسلام واي سلام ومع من السلام ولماذا السلام ومن أجل من السلام ؟
شعب اغتصبت أرضه وقتل أبنائه وهجرت عوائله وتهاوت اركانه ، أيعقل أن نتفق بسلام مع من قتل السلام ؟؟؟! ، هكذا كان وبهذا أصبحنا لتكون “سنة ” سنها السادات ليجتمع حولها من يجتمع تحت شعار السلام وليكون هذا السلام تطبعا مع هذا الكيان لا يخجل من ينتمي اليه في زمن ذهب عنه صوت الناصر وخمدت فيه ثورة ياسر وماتت في اركانه غيرة القسام والشيخ الياسين فخلف من بعدهم خلف ” الا مارحم ربي “اضاعوا فلسطين وهجروا معبدها وتخاذلت الرجال عند اسوارها فأخفيت عن الانظار عدة جيوشها وعددهم بل اصبحت حدودهم سور يمنع حماية ابناء جلدتهم .
ومنذ ١٩٧٣ كانت غزة ومدن فلسطينية تمزق اشلائها وتقطع طرقها وتجرف أشجار الزيتون من احيائها ويزج بأطفالها ورجالها في سجون دون محاكمه وبلا رحمه ، والشعب العربي ينتظر من يد لا تحمل سوى حجر أن يمنحه وسام النصر ومن شعب محاصر أن يزف لهم بشرى الانتصار ،،،، وقد فعلوا أبطال غزة فنهضوا بنصرهم بكل فخر ليكون للعرب انتصار .
اجتمع العرب بجيوشهم في ثلاث حروب كانت نتائجها حربين انكسرت بها هامة العرب واحتلت أراضيهم و “نصر اعرج” عقبه تطبيع وخذلان ….، وفي يوم لم يكن تشبهه الايام كانت طلائع غزة تزحف لتحقق النصر المبين في 7/10/2023 وما عقبه من الايام ، ففي كل يوم من تلك الأيام تسطر طلائع غزة النصر تلو النصر لنرى الدموع في عيون وقحه ونشاهد علامات الانكسار على وجوه كانت تظن نفسها من تمسك بمبادرة الحرب أو ما تدعيه من سلام ….، النصر اليوم سجلته غزة ومباشرة السلم أو الحرب هي بيدها فنهضت غزة من بين ركام العرب وانتفضت من بين تخاذلهم فلقنت العدو أقسى الدروس ليتعلم منها العالم الصبر والصمود ، كانت طلائع غزة تضرب جيوبهم فتكبدهم الخسائر وكانت جيوبهم تتجنب الشجعان لتشن غاراتها على الأطفال والشيوخ والنساء والاحياء .
نعم نهضت غزة وتقاعسنا عن نصرتها فاغلقنا الباب بوجه ابنائها فكانت هي من تفتح لنا أبواب النصر وتلبسنا ثوب الوقار .
سيحاسبنا التاريخ ولن يرحم احد منا حتى الذي ذرفت عيناه دمعا والذي نام يتألم على أبناء غزة والذي شمت بهم أو تنمر على ابطالها سنكون جميعا أمام محكمة التاريخ قبل أن نكون أمام محكمة العدل الإلهية وسيكون شجعان غزة الشهداء منهم في أعلى درجات الجنة بأذن الله والمرابطين ستكون لهم انهار وبساتين وجنان والصابرين المحتسبين سيرزقهم الله ماعد لهم جزاء صبرهم ، ولا نزكي على الله احد ولا نقول بما لا نعلمه ولكنني اجتهد بما علمته من رحمة ربي وقوله الكريم
“وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” .
فهنيا لغزة نصرها وهنيا لها بأبطالها الشجعان الذين سطروا اروع الملاحم وكتبوا لغزة الفخر والعزة والكبرياء .
*كاتب وباحث عراقي