د.مهند النسور*
ليس بجديد ما نراه من تضامن من الاخوة المسيحيين في فلسطين و الاردن تجاة ما يحدث الى شعب الابطال في فلسطين في هذه الايام المجيدة، ارض ميلاد السيد المسيح عليه السلام.
كان الفلسطينيون قد تنبهوا المسلمون منهم والمسيحيون إلى الخطر الذي يحيط بفلسطين باصدار وعد بلفور عام 1917 بشأن إقامة وطن لليهود في فلسطين و إقامة دولة لهم على حساب شعبها الفلسطيني، ففي بداية النضال الفلسطيني توحد المسلمين والمسيحيين وشكلت الجمعية الإسلامية المسيحية في عام 1918 لمقاومة التهديد الصهيوني ، حيث ساهمت هذه الجمعية في توحيد الجبهة الوطنية الفلسطينية، وتوجيه العمل الوطني المشترك للسعي نحو تحقيق الاستقلال ومواجهة الصهيونية، و كذلك عملت الجمعية على إفشال المؤتمرات التي عقدت خارج الإجماع الوطني، مثل المؤتمر التبشيري الثاني الذي عقد في القدس عام 1928 وقاطعه ورفضه المسيحيون الفلسطينيون.
خلال القرن الماضي حتى يومنا الحاضر سعت السياسات و الحروب المتتالية الإسرائيلية في تهجير و تقليص عدد الفلسطينيين بشكل عام والفلسطينيين المسيحيين بشكل خاص في الأراضي الفلسطينية، وهذا في الواقع كان يهدف إلى إخراجهم من البلاد. و منذ عام 1967، بدأ كيان الاحتلال انتهاج سياسة خاصة تجاه المسيحيين الفلسطينيين، عمدت الى نشر التمييز بين المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين من أجل منع أي إمكانية لتحالف ديني إسلامي مسيحي من شأنه أن يعزز الهوية الوطنية الفلسطينية وخاصة في القدس و بعض المدن الفلسطسينية التي تستهدفها إسرائيل، الا ان المسيحيون والمسلمون في فلسطين رفضوا ولا زالوا يرفضون كل انواع او اشكال التفرقة، فقد تبنى الجميع هوية واحدة من خلال ربط فلسطين وثقافتها بوطنية عربية واحدة، حيث يكون العامل الديني عامل دعم ووحدة وليس عامل انقسام أو اقتتال، و لم يفكر أي من الطرفين المسيحي والمسلمين في الانجرار وراء أي ترويج لبث روح الفرقة و الانقسام على مبدأ العقيدة أو المذهب أو الطائفة على حساب الوطن.
فلسطين تعيش حالة جميلة من التسامح والأخوة، والتي تشكلت بفعل عدة عوامل من أهمها حسن الجوار، والتاريخ المشترك لعدة قرون، ومن خلال القواسم المشتركة بين الجميع، سواء كانت ثقافية أو تاريخية أو اجتماعية، والشراكة في بناء البلاد جنبا إلى جنب من المسلمين والمسيحيين اضافة الى الهموم و الظروف الصعبة والآمال المشتركة. وقد عززت هذه العوامل مفاهيم التسامح والأخوة، وحمت النسيج الاجتماعي عبر التاريخ، اذ يعد المسيحيون جزء لا يتجزأ من المجتمع العربي الفلسطيني، وعنصر مهم واساس في تاريخه، ساهم كثيرا في صنع فعالياته الوطنية و القومية وشكل عنصرا مهما في نضاله وتراثه، وقد اعتبرت الكنائس نفسها جزءا من البيئة العربية الفلسطينية، وخدمت مساهماتها التعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية المجتمع الفلسطيني دون تمييز بين المسلمين والمسيحيين، كما كان لها الفضل في تطوير الصحة والتعليم في الأراضي الفلسطينية منذ منتصف القرن التاسع عشر، عندما بدأت ببناء مستشفيات ومدارس حديثة لم تفرق بين الفلسطينيين في تقديم الخدمات.
سيبقى النسيج الفلسطيني المقاوم الممتد منذ قرون نسيجا متميزا راسخا بجذوره المتشابكة عميقا في ارض فلسطين الزكية مسيحيين ومسلمين وسيبقى النضال مشتركا ودماء الشهداء من المسيحين والمسلمين تفوح برائحة المسك والعنبر، وسيبقى الصليب يعانق الهلال راسما لوحة ابدية سرمدية تشع بنور المحبة والأخوة والمصير المشترك.
المجد كل المجد لاصحاب الارض الطاهرة.
*كاتب اردني.
