فؤاد البطاينة*
من الأساسي لاستقامة الرؤية الشعبية العربية في الصراع العربي الوجودي مع الصهيونية أن تتعاظم وتترسخ في نفوسنا وعقولنا أهمية ومركزية المقاومة الفلسطينية ممثلة اليوم في حماس والجهاد ومن خلفهما محور المقاومة، وأن نتحسس أية خطورة عليها. فهذه المقاومة أضحت ومنذ عقود الطرف العربي الوحيد والفاعل في مواجهة الصهيونية والاحتلال، والعقبة الأساسية الوحيدة والكأداء أمام مشاريع التصفية، والتي تشكل الرمز السياسي الأسمى للقضية الفلسطينية كحركة تحرير وطني، والناقوس الذي يدق على مدار الساعة في أنحاء العالم إيذانا بوجود احتلال صهيوني لفلسطين يجب رحيله، والخطر الحقيقي على وجود الكيان والأداة الوحيدة لاجتثاثه والتحرير، وعلى أن نعلم بأن وجود هذه المقاومة نقيض لوجود كل نظام عربي مطبع مع الكيان.
كيان الاحتلال ورعاته وداعموه يعلمون هذه الحقيقة ودأبوا على محاولات اجتثاث حماس المقاومة بالقوة الغاشمة والحملات العسكرية وبمختلف الوسائل منذ اواخر عام 1988 ، وعندما فشلوا حاولوا بالتآمر مع بعض الأنظمة العربية الخائنة أن يُفَتحِنوا وأكرر أن يُفَتحنوا حماس وفشلوا.
فعادوا هذه المرة إثر طوفان الأقصى بتحالف أطلسي في حرب مفتوحة وبلا سقوف على كل غزة والضفة وصفت كأقذر وأجبن حرب على مر التاريخ وعلى يد أقذر وأجبن جيش على مر العصور، وبهدف معلن هو اجتثاث حماس. ووفروا لها كل متطلبات نجاحها من الخبراء واخر مبتكرات الاطلسي العسكرية وأسلحة التجسس والتدمير الشامل وفشلوا. حيث خابت كل حساباتهم وتقديراتهم ومخططاتهم أمام صمود وبسالة وإيمان المقاومة الغزية وشعب غزة. هذا الصمود الأسطوري أمام مجازر قوة غاشمة أثار غضب وتعاطف شعوب وأحرار العالم مع القضية الفلسطينية وصنع اليأس لدى أطراف عديدة من المعسكر الصهيوني في القدرة على القضاء على المقاومة الفلسطينية وضرورة التعاطي مع القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية. وهذا أرعب أطرافا أخرى من المعسكر الصهيوني وزعماء الكيان وأعلنوا عن نيتهم في الإنتقال الى استراتيجية جديدة في المواجهة مع المقاومة، وهي استراتيجية الحرب الطويلة الأمد أو الإستنزافية، كمحاولة أخيرة لاجتثاث أو تدجين المقاومة وصولاً للنيل من الشعب الفلسطيني وقضيته. وهذه الاستراتيجية هي موضوعنا هنا فهي خطيرة جداً على المقاومة في الحالة الفلسطينية الغزية وخاصة إذا اكتملت شروطها بتبني أمريكا لها وبتواطؤ النظام المصري.
وخطورتها تنبع من أسباب اعتمادها. فلماذا يعتمد الكيان هذه الاستراتيجية وهي تخص وتعود لحركات التحرير الوطني تعتمدها ضد المحتلين والمستعمرين وليس العكس؟ وقبل الإجابة قد يقول قائل بأن تحول حكومة الاحتلال للحرب الطويلة هو مجرد ملعوب يختبئ فيه نتنياهو وزمرته لتأجيل إعلان فشلهم وهزيمتهم، هذا صحيح من حيث أن حربهم العدوانية فشلت وهي الآن مستمرة بلا هدف أو استراتيجية وكل المباحثات او التحضيرات لما بعد حماس باتت خردة، وهذا بحد ذاته يصب في خانة البحث عن استراتيجية جديدة للقضاء على المقاومة وما يهمنا أن الكيان أعلن بنفسه عن حربه الطويلة وعلينا أن نفترض ونتصرف على أنه جاد وبأنه سيجر معه امريكا وبريطانيا ودول التطبيع العربية او بعضها إلى هذه الاستراتيجية أو ربما قد أقنعهم بها.
أما لماذا يلجأ الكيان لهذه الاستراتيجية، فلأنه مضطر من ناحية ومدفوع من ناحية أخرى. أما مضطر فذلك في ضوء فشله المتكرر منذ أكثر من ثلاثة عقود في حسم الحرب مع حماس المقاومة على الطريقة السريعة ذات الصدمة والترويع التي اعتاد عليها في حسم حروبه مع الجيوش العربية المؤتمرة بالأنظمة الفاسدة. أما أنه اتخذ هذه الاستراتيجية مدفوعا ومتشجعاً فذلك استغلالاً واستخداماً لحالة الحصار القائمة على غزة بشعبها ومقاومته من جميع الجهات منذ خمسة عشر سنة، واستثمارا صهيونيا لالتزام الأنظمة العربية والاسلامية بشروط تطبيق الحصار. وأملاً في موافقة مصر على تسليم حدودها مع قطاع غزة لجيش الكيان ولو بملعوب ما.
استراتيجية هذه الحرب الطويلة إن حصلت فلن تحصل الإ بموافقة أمريكية -بريطانية وباتفاق وتعاون أنظمة من دول التطبيع الخائنة المندسة في الصف العربي. حيث في هذه الحالة وعلى الأغلب ستذهب أمريكا لمجلس الأمن لتتبني الحصار وتعمل على تقنينه وإحكامه في البحر والبر والجو بذريعة ربط حماس بالإرهاب مع تمرير الغذاء والدواء. فمثل هذا الحصار سيكون مشابها للحصار على العراق ومضافا اليه في الحالة الغزية قصفاً دائما ومتقطعاً ومن شأن ذلك أن يجعل من كل قطعة سلاح أو ذخيرة للمقاومة تستهلك لا تعوض ولا يصنع غيرها فيما إذا استلم الكيان او أي جهة اخرى حدود مصر مع القطاع. وبهذا هنا إذا سقطت حماس المقاومة الفلسطينية، فلن يكون مبرر لوجود محور المقاومة او فاعلية على صعيد القضية والتحرير ومشاريع التصفية.
فالحرب الطويلة الأمد على مقاومة غزة في إطار حصار دولي محكم مفترض هي حرب غير عادلة وتشكل مؤامرة خطيرة على المقاومة وعلى القضية القضية الفلسطينينية ومستقبل الشرق الأوسط والأقطار العربية. ومن الأهمية بمكان بل يجب ولو على سبيل الحيطة والتحوط ان نحبط هذا المشروع المؤامرة من خلال وقف الحرب العدوانية القائمة على غزة والضفة بالسرعة الممكنة. وهذه مسؤولية محور المقاومة وشعوب أنظمة الدول العربية المطبعة. أما محور المقاومة فبوسيلتين الأولى بالعمليات ذات التأثير المباشر على قرارات الكيان وحلفائه، فما فعله ويفعله اليمن الحر العظيم هو الاجراء البطولي الأبرز تأثيرا على وقف العدوان والأكثر مردودا إيجابيا على القضية الفلسطينية. والثانية بالتدخل الميداني المباشر لحزب الله في الحرب العدوانية على غزة كأن يضرب على محيط غزة ويعلن بأن ما يسمى باجتثاث حماس خط أحمر له.
اما دور شعوب أنظمة التطبيع العربي فهو من واقع مسؤولياتها في مواجهة تلك الأنظمة ذات النهوج الاستعمارية الإجرامية بحق اقطارها وشعوبها وشعب فلسطين وقضيته. أنظمة وجودها يتناقض مع وجود المقاومة، يقودها شخص واحد بوصلته الكيان الصهيوني. وتؤشر أفعاله على أنه وكيل عميل متصهين بلباس عربي في مستعمرة غير معلنة، فكل الدول العربية المطبعة على الشكل والمضمون الذي نراه هي بمثابة مستعمرات أمرو-صهيونية غير معلنة. وشعوب هذه المستعمرات مطالبه بالإنتفاض على أنظمتها بالعصيان المدني وجعل الشارع مكاناً لعملها. أنظمة تعادي أصدقاءنا وتحالف أعداءنا وتدعم الكيان في حربه على غزة للوصول للمقاومة ودفن القضية، أما طبيعة ما تقدمه من دعم فهو كما يحدده لها الكيان.
*كاتب وباحث اردني
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …