خالد شــحام*
في هذا الوقت الذي تقرأون فيه هذه الكلمات أو وأنتم نائمون أو تأكلون أو تضحكون تتواصل الجريمة الأمريكية -الصهيونية داخل غزة غير آبهة بأي شيء أو بأي أحد، تتواصل أسطورة عودة اليسوع وقصة اسرائيل الكبرى لتمنحنا مفاهيم جديدة وفهما جديدا في فقه الإبادة وغياهب الاستعمار و ويلاته، قافلة الشهداء اليومية لا تزال تسير حتى تجاوزت طول رحلة الشتاء والصيف في الضمير العربي وتقلصت في وجدان هذا العالم الظالم، الإصرار على الجريمة يتواصل بتصويت مجلس الشيوخ الأمريكي في منع هذه الحرب وبتخصيص ألمانيا الدولة الديموقراطية الأرقى عشرة آلاف قذيفة ذكية لتدك أجساد الأطفال والنساء في غزة وتعلن ركوعها المطلق لمجد الشيطان، لا صوت يعلو في فضاء عالم اليوم إلا نحيب الأمهات الفلسطينيات من فاجعة الفقدان وصراخ الأطفال من الألم والجوع والعذاب، لا وجه يطفو في صفحة سماء هذا العالم إلا وجوه بريئة مستبشرة لعشرة ألاف طفل فلسطيني تمزقت أجسادهم كرما للحلم اليهودي و ثلاثين ألف يتيم ومثلهم من الثكالى والمصابين بألم العروبة الأشد وجعا والأكثر إيلاما، كرما حاتميا من بلاد المليون خائن .
يوم الخميس الماضي قدم لنا جيش الوحوش طبق التحلية في نهاية يوم مليء بالقتل والدم وبكاء الأمهات والأكفان المشرنقة بالأبيض، طبق تحلية مقدم إلى العرب وإلى كل هذا العالم، تفجير كامل لمبنى جامعة الإسراء الفلسطينية جنوب مدينة غزة وذلك بعد ان كان قد حولها إلى مقر لجنده وقادته ورافق هذا التدمير نسف المتحف الوطني بعد نهب ثلاثة آلاف قطعة أثرية بداخله .
ليس الأمر جديدا على هؤلاء الوحوش فقد سبقت جريمتهم بتفجير ونسف مبنى الجامعة الإسلامية في بداية الاجتياح وطيلة المدة التي سبقت، تشير المؤسسات الراصدة إلى تدمير 390 جامعة ومدرسة ومؤسسة تعليمية داخل غزة خلال المائة يوم الماضية،إضافة إلى تدمير المعالم الثقافية والأثرية والوطنية، لم يسجل في تاريخ المعارك والحروب الأقرب شيئا من هذا القبيل، نحن والعالم شهود على جريمة من المقياس التاريخي العاشر، جريمة لم تتوقف على قتل الأبرياء وحل دم الأطفال والنساء والعجزة الذين أعفتهم شرائع الأديان وشرائع الحروب من أي استهداف، ما الذي يريده من يفعل ذلك ؟ ماذا يريد من يقتل البشر والشجر والحجر ولا يرحم شيئا من استهداف الجامعات الفلسطينية ؟
1-إن تفجير الجامعات الفلسطينية في غزة هو اغتيال لتاريخ كامل من الأجيال الذين خرجتهم هذه الجامعات ومحاولة لطمس القيمة العلمية والتربوية لهذه الجامعات التي خرجت أجيالا من المقاومين والمثقفين وتركت بصماتها في معالم الهوية العربية الفلسطينية التي نشاهدها اليوم في ثبات وصمود أبناء فلسطين .
2-إن منهجية الجرافة التي تعمل بمعية الدبابة هي عنوان منهجية التهجير القديمة المتجددة الموروثة من دماغ الهاغانا والأرجون وشتيرن، تفجير المستشفى يبعث برسالة تقول :ارحلوا فليس لكم من حياة ولا علاج هنا، اما تفجير الجامعات والمدارس فهو يريد أن يقول رسالة أخطر فحواها : ارحلوا ! أنتم مجرد (حيوانات ) سنحرمكم العلم ونمنع عنكم معانيه وطاقاته والرسالة الأخرى أن حرب الإبادة هي شيء حقيقي ونحن نمارسه، حرب الإبادة لا تتطلب فقط إزالة العنصر البشري ومسحه من المكون الجغرافي، بل يجب أيضا مسح العناصر الضامنة لمعيشة وبقاء ونمو العنصر البشري، لذلك يجب تدمير المسكن، المشفى، المدرسة، المسجد، الكنيسة، المؤسسات الدولية المحمية، الجامعات .
3-إن العقلية الاستعمارية الصهيونية الإبادية التي فجرت الجامعات والمدارس في غزة هي نفسها التي نهبت متحف بغداد وقصفت ونهبت جامعات العراق وثرواته لتزيل عنصر التاريخ والقيمة الإنسانية العلمية، هي نفسها التي قصفت المفاعل النووي العراقي والسوري في الماضي وهي نفسها التي اغتالت يحيى عياش وجمال الزبدة ومحمد الزواري ومحسن فخري زاده وتغتال العلماء الفلسطينين والايرانيين والعرب سعيا إلى تحطيم ركن قوة أساسي في مستقبل العرب والشعوب التي ترفض الاستعباد، هي نفسها التي وقفت في وجه امتلاك الدولة العربية معامل البحث المتطورة حتى لا تكون أمة العرب بقدر المنافسة العلمية والصناعية الغربية .
4- يدرك العدو تماما أن هذه الجامعات تشكل جزءا لا يتجزأ من العقلية العلمية الفلسطينية التي مكنت ذراع المقاومة العسكري من قدراتها الصاروخية والتسليحية وهو دور مشروع ومطلوب في معركتنا المفتوحة لذلك يعتقد هذا العدو بأن تدمير الجامعات سيكون تدميرا لركيزة اساسية في قدرات المقاومة العلمية البحثية او هكذا يظن .
5-لقد تسببت المقاومة بتعطيل وشل كافة مناحي الحياة داخل الكيان، الجامعات والمدارس والمؤسسات المهنية والصناعية والزراعية، لقد تم ضرب الاقتصاد العلمي المنتج من دويلة الكيان طيلة العقود الماضية والذي يمثل ركيزة اساسية في قوتهم، لذلك كان لزاما الانتقام بتدمير كل معالم الحياة وخاصة المؤسسات التي أثبتت كفاءة وحضورا وألمعية علمية مثل الجامعة الاسلامية ومستشفى الشفاء وغيرها .
6- بموازاة تدمير جامعات غزة خلال ثوان بكبسبة زر هنالك تدمير ممنهج أشد مرارة يجري منذ سنوات غير قليلة للتعليم العربي المدرسي والجامعي، هذا المشروع يرعاه النظام العربي من خلال استراتيجيات متنوعة كلها تصب في تحطيم مكانة الجامعة والمدرسة والمعلم والدكتور، استراتيجيات متعددة تبدأ بوضع الحمار في الوزراة أو إدارة الجامعة وتقليص الدعم ونشر الفساد والمحسوبيات وتسلط قوى الأمن في التعيين والانكماش نحو الماضي والتمسك بالقشور والكذب كمنتج أساسي لقطاع التعليم الجامعي العربي، قصف الجامعات ونسفها لم ولن يحرك في المجتمع الأكاديمي العربي ومرجعيات الدراسات العليا العربية أي مبعث أو رد فعل، كيف ذلك و الجرائم الأكبر لم تحرك فيهم شيئا، ولكن هذه الفعلة تحمل رسالة كبيرة لكل دول العرب ولكل جامعات العرب بأن هذا هو مصير تعلمكم وعلمكم وجامعاتكم عندما سوف نصل إليها، هذا هو ما نريده لكم وما نريده لأجيالكم .
7- الحرب على غزة لا يقوم بها الجيش المجرم فقط بل تشارك فيها أيضا جامعات ومدارس عربية وعالمية تقمع وتطرد وتقتص بطرق غير نزيهة وغير عادلة أي محاضر أو طالب أو استاذ يظهر أي نوع من التعاطف أو التضامن مع غزة والقضية الفلسيطينة، وبذلك سقطت القيمة الأخلاقية والانسانية للعديد من المؤسسات التعليمية .
8-ما الذي تبحث عنه الهمجية الأمريكية -الصهيونية داخل قطاع غزة ؟ هل تبحث عن السنوار أم عن حماس ؟ أم عن منصة الصاروخ ؟ إنها تبحث عن أكسير الحياة الفلسطيني، الإرادة التي لم تنكسر طيلة الشهور العصيبة التي مضت لكي تركعها و تحولها إلى عبرة ودرس لكل أمة العرب ولكل العالم، بحثت عنها في المشافي فلم تجدها، بحثت عنها بقتل أكثر من ثلاثين ألفا ولم تجدها، بحثت عنها في تدمير كلي للمساكن والورشات والمزارع ومحطات المياه والكهرباء والمخزون الغذائي فلم تجدها، فعلتها بإغلاق باب الطعام والماء والدواء عن الناس بالتعاون مع الرئاسة العربية فلم تجدها، والان يأتي دور الجامعات التي بحثت فيها عن هذه الإرادة المتفردة فلم تجدها لذلك بادرت إلى تدمير كل شيء والفتك بما يقع تحت يديها .
حيال مشروع (الحيونة ) الكبير الذي يريد اللورد جالانت بن أوركس إدخالنا فيه جميعا عربا وغير عرب في منطقة الشرق الأوسط من خلال إرجاع الشعب الفلسطيني إلى العصر الحجري وحرمانه من مقومات التعليم، يأتي الرد من جهات مختلفة ليرد على جريمة تدمير جامعات غزة وتدمير التعليم في المنطقة العربية، الجواب يأتي من العقل الفلسطيني واللبناني والايراني واليمني في ابتكار وتصميم وصناعة سلاح المقاومة والذي سيكون مدخلا للصناعة الانتاجية العربية المستقبلية في كل حقول الحياة لأننا يد معمرة وليست يد مخربة كما يدعون علينا، مشروع تدمير العقل العربي الذي تمارسه أمريكيا ويدها الصهيونية ترد عليه المرأة العربية المقاومة التي ترفض إدخال أطفالها وصغارها في قفص جالانت بن أوركس ولذلك لم يهاجر أي فلسطيني، مشروع (الحيونة ) الذي يراد فيه إعدام العقل العربي بليالي الطرب والغناء ومهرجانات شاكيرا وعاهيرا وشاكوش وحمو بيكا ترد عليه المرأة الفلسطينية والشامية والعراقية والايرانية باحتشامها وادبها ودفع أبنائها للعلم مهما كلف الثمن ومهما تباعدت الدروب، حرب (الحيونة ) التي تقودها عصابة الوحوش البشرية من المجرمين المحمولين من خلف البحار فشلت في كل تحدياتها واحدة تلو الأخرى، فشلت في كل الاتجاهات شرقا وغربا و شمالا وجنوبا وتنتظرها أيام سوداء ومريرة من الهزيمة والمحاكمات العالمية التي بدأت معالمها تطفو على سطح العالم .
جامعات غزة لم تتدمر لأن الإنسان الفلسطيني لم يتدمر ولم يستسلم كما يأملون وسيعيد بناءها من جديد، المقاومة الفلسطينية البطلة لم تستلم بل صنعت نصرا لم تفلح فيه كل جيوش العرب المزيفة وتاريخ العرب المزيف، إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، هذا هو نهجنا ودربنا، نحن شعوب تحب القصائد والعلوم التطبيقية والفنون والهندسة ومعالم الجمال والبحث العلمي وعمارة الأرض والإنسان، لن نتوقف عن العلم والتعلم ولن يتوقف العقل العربي عن التطور والارتقاء ليبلغ اعلى المنازل .
لا شيء يرد على قصف جامعات غزة إلا صورة واحدة بسيطة لجميلة فلسطينية يقدمها مقطع الفيديو وهي تمشي مع صغارها في طريق الموت، تقوم الشابة بفتح حقيبة صغيرة لتكشف للمصور ما فيها من كتب ودفاتر وتقول له : حتى وأنا في خيمة النزوح سوف أستمر بتعليم أطفالي وصغاري ولن أتوقف عن التعليم حتى لو دمروا المدرسة !
*كاتب فلسطيني
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …