د. أورنيلا سكر*
ربما لمن يراقب المشهد من بعيد يرى تمام حقيقة وخلفية ما يجري في منطقة جنوب اسيا . فعمليا لا شك ان دولة باكستان تعاني أزمات داخلية وحدودية فضلا إلى أزمات اقتصادية وفساد حكومي وارهاب بفعل اقليم بلوشتان الباكستانية والايرانية التي تضح فصائل ارهابية يرى كل من ايران وباكستان بأنها تهدد أمنها واستقرار سواء لجهة جماعة العدل التي تسعى الى تحقيق العدالة والمساواة في ايران والمدافع ععن حقوق اهل السنة التي تعتبرها باكستان حركة ارهابية تقوم بدعمها ايران بينما تجد ايران في جيش تحرير بلوشتان الافغانية المدعومة من قبل بريطانيا وباكستان والاستخبارات الاسرائيلية حركة ارهابية تهدد امر واستقرار الجوار وتستهدف امن ايران بشكل خاصة وبخاصة بعد الهجوم الارهابي الاخير الذي استهدف منطقة كرمان الايرانية الامر الذي استطاعت ايران من خلاله الكشف عن تورط اسرائيل في العملية عبر دعمها لتلك الفصائل الارهابية وبخاصة بعد استهداف موكب رجل الاعمال الكردي بيشرو دزيي، في اربيل بعد اتضاح وجوده في مقر تابع للموساد الاسرائيلي والعناصر المتعاونة معه. ووفق اتهامات ايرانية فإنه شريك تجاري اسرائيلي وهذا ما نفته حكومة الاقليم غير ان المؤشرات كلها تدلل على تعاون تجاري يخص بيع انتاج النفطي للاسرائيل في ٌليم كردستان.
يشير الكاتب برونو ماسايس في كتابه فجر اوراسيا : الطريق نحو نظام عالمي جديد، بأن القرن الحادي والعشرين لن يكون امريكيا او اسيويا وانما اوراسيا يخضع لتفاعل القوى الكبرى في هذا الاقليم وهذا ما يناقشه برونو ماسايس، الوزير البرتغالي السابق وكبير المستشارين في شركة فلينت الريطانية للاستشارات. ويرى الكاتب أن اوراسيا تتمتع بأهمية استراتيجية وجيوسياسية واقتصادية كبيرة ، لذلك تصاعدت محاولات السيطرة في هذه المنطقة من قبل القوى الكبرى مثل روسيا والصين وهذا ما يعد مؤشر على تشكل نظام عالمي جديد يمثل تحديا للهيمنة الامريكية والاسرائيلية .
وفي سياق متصل، ما يجري اليوم من توتر في تلك المنطقة لا يمنكن فصل على توترات منطقة الشرق الأوسط وما يعتريها من تنافس شديد، تحاول بعض الاطراف توظيفه واستغلاله بهدف تمكين وتعزيز مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والامنية. وبخاصة، أن في الاونة الاخيرة قد برز مشروع الممر الهندي –الاوروبي المنافس لطريق الحرير الصينية وجعل الهند شريك متقدم على الصين في تلك المنطقة. لكن، هذا المشروع يعتريه الكثير من التحديات وبخاصة طبيعة الصراع القائم ومحاولة استدراج الولايات الامريكية في حرب مباشرة في المنطقة الامر الذي يترتب عليه نتائج سلبية قد تنعكس على العلاقات الثنائية والمصالحة التي ترعاها الصين بشأن العلاقات السعودية –الايرانية فضلا الى اي ، محاولة لتعريض المصالح الصينية للخطر قد يتم احداث اضطرابات امنية حدودية بين الصين والهند تهديد الامن الاقليمي لتلك المنطقة بحيث رصد تقرير لمؤسسة ستراتفورد عام 2023 مؤشرات متعددة للتصعيد بين الهند والصين حيث حيث تفجرت الصدمات الحدودية بين القوات التابعة للدولتين حيث شهدت كل من هضبت دوكلام والمنطقة الجبلية على الحدود الهند والصين وبوتان صداما ومناوشات عسكرية عقب شق طريق في المنطقة المتنازع عليها بين الطرفين .
ولا ينفصل ذلك، عن اعلان الهند عام 2017 تجميد مشاركتها في منتدى طريق الحزاك والطريق في الهند بسبب مشروعات ضمن المحور الاقتصادي الصيني –الباكستاني في منطقة جيليا –بالتيستان التي تعتبرها الهند ضمن اقليم جامو وكشمير المتنازع عليها مع باكستان . واكد كل من الباحثين في مركز الروكنز ان الرد الهندي على مبادرة الحزام والطريق الصينية هي محاولة من قبل نيودلهي للرد على الصين التي تحاول تطويقها بريا وبحريا ، وهو ما دفعها للخروج من سياسة الانكفاء على الذات والتركيز على الصراعات الحدودية . فهل تسهم اسرائيل بزعزعت امن واستقرار منطقة جنوب اسيا بهدف استدراج الولايات المتحدة الامريكية الى حرب شاملة يتم من خلاله استهداف ايران وتعريض امنها لعدم الاستقرار واستنزافها كما هو الحال في الحرب الروسية –الاوكرانية ومشاغلتها في عمقها الجغرافي عبر تنشيط الحركات الانفصالية البلوشتانية وغيرها واستغلال الجماعات الارهابية ودعمها بهدف اثارة النعرات العرقية والطائفية اي ،الصراع السني-الشيعي عبر تأسيس خلافة سنية كما هو الحال في كشمير وافغانستان والتي كانت تتمثل بالقاعدة وتنظيم داعش وغيرها . فهل تستجيب باكستان للمخطط الاسرائيلي وتشعل حربا مع ايران بهدف ردع ايران عن سياستها التخريبية التي تنتهك فيه الامن الاستراتيجي والقومي لاسرائيل وتهدد المصالح الغربية في كل من البحر الاحمر والشرق الاوسط عبر اذرعها الميليشياوية المهددة لاستقرار الدول في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن وافغانستان عبر تحالفها مع حركة طالبان وهو ما كشفته عمليات تهريب الاسلحة التي تم الكشف عنها في اقليم هلمند وتكرار اتهامات المسؤولين الافغان لايران بتدريب الحرس الثوري الايراني مقاتلين لحركة طالبان في محافظة الايرانية كرمان.
وركز فيليب سميث الباحث بمركز واشنطن لسياسة الشرق الادنى في تحليل نشر عام 2020، على قيام ايران بتجنيد اللاجئين الافغان الشيعة للقتال في سوريا والعراق. كما وجه ماكماستر مستشار الامن القومي للرئيس الامريكي اتهامات الى الحرس الثوري الايراني بالاتجار بالمخدرات تقوم ببيع البشر والسلاح والمحروقات بهدف جمع المال ودعم انشطتها الارهابية عبر استغلال الهيرويين والافيون في افغانستان ، بحيث يوظف كل تلك العوائد في الانشطة العسكرية في بؤر التوترات في الشرق الاوسط وتهديد امن واستقرار الاقليم.
بالختام، ما يجري من توتر حدودي بين باكستان وايران يقف خلفه المشروع الاسرائيلي الذي يحاول جاهدا توسيع دائرة الحرب والتسويق اعلاميا لانتصار وهمي كما فعلت المانيا في الحرب العالمية الثانية بهدف ضمان تأييد صفها الداخلي وبخاصة انها تحاول نشر جنودها في الجبهة الشمالية لغزة بهدف التفرغ للحرب مع لبنان في حال تمنع حزب الله عن الانسحاف الى ما وراء الليطاني. وما كل ما يجري في منطقة جنوب اسيا ليس الى مناورات سياسية وامنية تهدف إلى ارسال رسائل اقليمية لايران من اجل تحجيمها بعد أن تعرضت للمصالح الاسرائيلية في كل من اقليم كردستان –اربيل والبحر الاحمر عبر جماعة الحوثيين في وتعريض الملاحة الدولية للخطر .
*باحثة لبنانية متخصصة في الدراسات الاستشراقية والعلاقات الدولية
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …