د.جواد الهنداوي*
سُئِلَ بن غوريون ،مؤسّس الكيان المُحتل ،عام ١٩٥٤ ، عن متى تُهزمْ إسرائيل ،فأجاب ” تُهزَمْ عندما لاتنتصر”.
إجابة لها مدلولات و ابعاد استراتيجية، فهو (اي دافيد بن غوريون)، ومنذ ذلك الوقت، مُتخمْ بقناعة راسخة وثقة مطلقة بالركائز التي ترفع كيانه المُحتل وتثّبت وجوده وتعزّز مقومات تمدّده وهيمنته، وأولى الركائز هو اللوبي الصهيوني والدولة العميقة ،التي تقود الولايات المتحدة الأمريكية وتُسيّر العالم.
ولو سُئِلَ الرئيس الأمريكي أيزنهاور حينها ( يعني عام ١٩٥٤)، ذات السؤال، لكانت إجابته لا تختلف عن اجابة بن غوريون، اي “تُهزّمْ امريكا عندما لاتنتصرْ”.
قدّمتُ هذه المقاربة كي أوكّدُ، مرّة اخرى، بأنَّ امريكا و إسرائيل جسدان في عقل واحد وقلب واحد ،كلاهما من ذات المعدن وذات النطفة، تاريخ وحاضر، فصولهما و وقائعهما ، احتلال وأكاذيب وجرائم و حروب ابادة و أُخرى ضّدْ الانسانية، وكذلك عدم انتصارهما في الحروب يعني هزيمتهما.
اذاً عدم انتصار اسرائيل في حرب الابادة في غزّة يعني هزيمة لإسرائيل وانتصار للمقاومة. لم تحقّق إسرائيل اهدافها ؛ لم تحرّرْ الاسرى ،لم تمنع المقاومة من الاستمرار في رشق تل ابيب و القرى والمدن بالصواريخ ،لم تنقضْ على قيادات حماس ،كما تمنتْ وسعت.
أشرفت الحرب في غزّة على أيامها الأخيرة، وقد تكون في أسبوعها الأخير، ونهايتها في صالح الرئيس بايدن وادارته. نهاية الحرب تعني سقوط نتنياهو وانفراج ازمة الشرق الأوسط، وبدء ماكنة التهدئة على جميع الجبهات ،والبحث عن حلول مستدامة للقضية الفلسطينية، واقصد البدء بالعمل على اقامة دولة فلسطينية . مُجرّد الدخول في هذه المرحلة، حتى وان لم تك المساعي مخلصة وجادة، ستنعكس نتائجها إيجابياً على حملة الانتخابات القادمة للرئيس بايدن ،و سيصبح رصيده ايجابياً في حملات استطلاع الرأي العام الأمريكي.
اصبحت المنطقة تعيش على وقائع و تداعيات حربيّن، حرب اسرائيل على غزّة والضفة وسوريّة وحرب أمريكية على جبهات اليمن والعراق و سوريّة ، ومصير الحرب الثانية مرتبط بالأولى . استمرار الحرب في غزّة و استمرار اشتعال الجبهات الموالية للأطراف يصّبُ في صالح نتنياهو، ويقود إلى توريط دول اخرى في أتون المناوشات ، وإيقاظ الفتن و الخصومة بين دول المنطقة ، وكما هو الحال الآن تجاه الأردن ، حيث تواردت اخبار صحفية أمريكية مقرّبه من اللوبي الصهيوني ،مفادها بمشاركة طائرات من السلاح الجوي الأردني في تنفيذ الهجوم الأمريكي على مواقع الحشد الشعبي في القائم ومحافظة الأنبار وعلى الحدود السوريّة العراقية . على الجميع توخي الحذر والحيطة في التعامل مع مفردات الميدان الإعلامي والسياسي، والذي هو خلف ميدان الحرب في غزّة ، وهدف هذا الميدان الإعلامي والسياسي هو تأجيج العداء بين شعوب و دول المنطقة ،و استمرار الحرب ، و إظهار مدى تضامن بعض دول المنطقة مع إسرائيل ، اي دعاية للكيان المُحتل ولنتنياهو.
امام الرئيس بايدن مدة وجيزة وفرصة سانحة لترميم موقعه لدى الرأي العام الأمريكي، وتعزيز حظوظ نجاحه في الانتخابات القادمة . انتهاء هذه المدة ،وبتقديري ،منتصف الشهر الجاري ،وضياع هذه الفرصة ، دون وقف الحرب ،ستدخل المنطقة في أتون حرب أوسع، وستشمل دول أخرى ،وتقود إلى متغيرات سياسية ، تُحسبْ لصالح امريكا ، ولا ننسى بأن الرئيس الأمريكي السابق ،ترامب ، والمنافس للرئيس بايدن يوجّه اللوم ،في حملته الانتخابية إلى جورج بوش الابن والى اوباما وكذلك الرئيس بايدن لعدم استحواذهم على نفط العراق . امريكا لم ولن تهاجم القوي ،و اقصد ايران ، وستتناول الأجزاء الرخّوة في المنطقة ،لتحقيق مآرب سياسية بعيدة المدى لحسابها ولحساب الكيان الصهيوني .
الشروط الأخرى ،والتي تعزّز حظوظ بايدن في الانتخابات ، هي جهوده في الحيلولة دون اختفاء منظمة الأونروا ، والتي تستقل إسرائيل لشطبها من الوجود .كذلك سعيه لاحياء مشروع الدولة الفلسطينية.
فشل بايدن في انهاء الحرب في غزّة والجبهات الاخرى ، واستمرار الحرب في أوكرانيا ، ستدفع بالناخب الأميركي الى تفضيل واختيار ترامب ،لانه على يقين ، بانهاء الحرب في أوكرانيا .
*كاتب عراقي
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …